هذا هو الجزء الثمانون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته. علي بن موسى بن علي السالمي، أبو الحسن ابن النقرات الجياني ثم الفاسي (كان حيا سنة 593ه). [القسم الثاني عشر] مرويات ابن النقرات هذا المقال لصِيقٌ جدا بمقالات ثلاث، تقدمت من هذه السلسلة المفردة لِترجمة ابن النقرات؛ وهي المقالات التي نُشِرت في الأقسام: التاسع، والعاشر، والحادي عشر؛ حيث جَلَبْتُ في التاسع، والعاشر ما وجدته من الكلام عن العلوم التي تحقق ابن النقرات بها من: قراءات، وحديث، وكيمياء، وأدب، وقرض للشعر؛ وخصصت الحادي عشر لما تقلده من وظائفَ، القائِمِ تَقَلُّدها على أساس المعرفة العلمية؛ وتِلْكَ الوظائفُ هي: التَّصَدُّرُ للإقراء، والخطابةُ بجامع القرويين. وقد قدمت القول: أن مُنَاسَبَةَ ذِكْرِ الوظائفِ عَقِب ذِكرِ مَا حُلِّي بِه مترجَمُنا من علوم ظاهرةٌ، كما أن مُنَاسَبةِ ذكر ما وَجَدْتُه منصوصاً عليه من مروياته في أصناف هذه العلوم عقب ذكر العلوم والوظائف الُمؤَسَّسَةِ عليها ظاهرةٌ أيضا، وذلك هو الموجب لتخصيص هذا القسم الثاني عشر لمرويات ابن النقرات. لم يُسْعفني الآن البحث بالوقوف من مرويات ابن النقرات المنصوص عليها إلا على كتابين اثنين مشهورين متداولين بالأندلس، وهما: الموطأ برواية يحيى الليثي، والتقصي لحديث الموطأ لابن عبد البر، وذكرا في ترجمته عرضا. وبالقطع واليقين فدائرة مسموعات ابن النقرات من الكتب في غاية الكثرة، يدل على ذلك ما أطبق عليه مترجموه من كونه كان صاحب فنون من: قراءات، وتفسير، وحديث، وفقه، وأصول، وكلام، ولغة، ونحو، وأدب، وقرض شعر، حاز قصب السبق في جملة من ذلك، واختص دون أقرانه بعلم الكيمياء؛ وذلك -كما هو معلوم- يستلزم توسعا في الرواية؛ كما يُلمع أيضا إلى كثرةِ خُصوصِ مسموعاته من كتب الحديث ما ذكرهُ ابن عبد الملك في ترجمة ابن القطان الفاسي من أنه لازم شيخه ابن النقرات[1]، وقولُ ابن الأبار في ترجمة ابن النقرات: "أكثر عنه أبو الحسن ابن القطان"[2]. وتلك عبارة تحمل عند الإطلاق على الإكثار من رواية الحديث، كما أن ملازمة آخذين اشتهر بعد ذلك بصناعة الحديث لشيخ من الشيوخ، تشير إلى أنه وجد عنده سَعَةَ مرويٍّ، أو مَدَرَكَ نقد؛ وذلك كله مقتض لسعة الدائرة في الرواية، التي انحصرت في القرن الذي عاش فيه ابن النقرات، وقبله في كتب الحديث المعروفة. فأما الموطأ برواية يحيى بن يحيى: فقد وقَفْتُ على سندين لابن النقرات فيه؛ أولهما: ذكره ابن رشيد فيما نقله ابن حجر عنه في لسان الميزان، حيث قال: "حدث بالموطأ بسماعه من يوسف بن محمد بن فُتُوح، عن الحافظ أبي القاسم خلف بن محمد بن الإمام، عن سعيد بن نصر، عن قاسم بن أصبغ، عن محمد بن وضاح، عن يحيى بن يحيى"[3]. وقد تقدم الكلام على هذا السند في الأقسام السابقة من هذا المقال. وأما ثانيهما: فهو أحد الأسانيد التي يتصل بها العلامة ابن خلدون بالموطأ، إذ يرويه عن أبي البركات محمد بن محمد بن محمد -ثلاثة من المحمدين- ابن إبراهيم بن الحاج البلفيقي عن ناصر الدين أبي علي منصور بن أحمد بن عبد الحق المشدالي، عن الإمام شرف الدين محمد بن أبي الفضل المرسي، عن أبي الحسن علي بن موسى بن النقرات، عن أبي الحسن علي بن أحمد الكناني. قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع، عن القاضي أبي الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث بن الصفار قاضي الجماعة بقرطبة، حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى، عن عم أبيه أبي مروان عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى[4]. وأما كتاب التقصي لحديث الموطأ لابن عبد البر: فقد قال الذهبي في ترجمة أبي عمرو عثمان بن محمد العبدري الأندلسي من تاريخ الإسلام: "سمع في سنة أربع وتسعين كتاب التقصي من علي بن موسى بن النقرات، وبقي إلى هذا الوقت"[5]. هذا ما تيسر لي الوقوف عليه، من مسموعات ابن النقرات المنصوص عليها، أوردتها مقتصرا عليها، جريا على عادتي في هذه المقالات في الاقتصار عند الإيراد للمرويات على المنصوص عليه. سأعرض إن شاء الله تعالى في المقال المقبل ما جمعته من أسامي من أخذ عنه شيئا من العلم. يتبع إن شاء الله تعالى.. ——————————————— 1. الذيل والتكملة س8، ق1/165. 2. التكملة لكتاب الصلة 3/375. 3. لسان الميزان 6/33. 4. التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا ص: 305-308. 5. تاريخ الإسلام 15/88.