هذا هو تاسع الأجزاء من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته. ابن زرقون: أبو عبد الله محمد بن سعيد بن أحمد الأنصاري (ت586ه) إمام من أئمة الأندلس الكبار، عظيم الشأن جليل المقدار، وأحد من تفرد بعلو الإسناد. قال ابن الأبار: "كان أحد سروات الرجال حافظا للفقه، مبرزا فيه يعترف له أبو بكر بن الجد بذلك مع البراعة في الآداب، والمشاركة في قرض الشعر والتصرف في طرفي النظم والنثر"[1]. وأخذ ابن عبد الملك هذا الكلام وزاد عليه فقال: "كان محدثا مسندا عالي الرواية ثقة، فقيها مشاورا حافظا، يعترف له أبو بكر بن الجد بذاك بصيرا بأحكام القضاء، ماهرا في عقد الوثائق، وقورا ذكيا رصين العقل متين الدين ريان من علم الأدب، كاتبا مجيدا شاعرا محسنا، حسن المشاركة في الطب"[2]. وقال المنذري في تحليته: "الفقيه الأجل"[3]. وقال الذهبي: "كان مسند الأندلس في وقته"[4]، ووصفه في التذكرة لما ورخ وفاته في ترجمة غيره: "بالمسند الفقيه"[5]. ولأجل ذلك "رحل الناس إليه لعلو روايته"[6]. وحلاه في سير أعلام النبلاء بألقاب ضخمة فقال: "الشيخ الفقيه، الإمام، المعمر، المقرئ، بقية السلف"[7]. لابن زرقون مشيخة جليلة، كالقاضي عياض الذي "اختص به، ولازمه كثيرا، وكتب له أيام قضائه بغرناطة"[8]، وكأبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني الذي تفرد بالرواية في الدنيا عنه، وكأبي عمران موسى بن أبي تليد الذي تفرد أيضا بالسماع منه[9]. وكعبد المجيد بن عبدون الذي لازمه كثيرا كما قال ابن عبد الملك[10]. ورزق الحظ في التلاميذ، فقد أخذ عنه جماعة من أعيان العلماء منهم: ابن الرومية الحافظ الطبيب، وأبو سليمان بن حوط الله الراوي المشهور، والحافظ ابن خلفون محمد بن إسماعيل، وأبو الخطاب ابن دحية الكلبي الإمام المشهور، وأبو علي الشلوبين رئيس النحاة بالأندلس[11] الذي روى عن ابن زرقون طائفة من كتب النحو واللغة والأدب كما سيأتي ذلك. كان ابن زرقون متسعا في الفنون، قرأ من مصنفات أصنافها الكثير، فقد كان: فقد كان مقرءا مجيدا ذكره ابن الجزري في طبقاتهم، وفقيها حافظا للمذهب يقر له بذلك ابن الجد كما مضى، ومحدثا نبيها عالي الإسناد، جيد الضبط واسع الفهم، وأديبا مليء الوطاب من آداب العرب ولغتها، وروى في هذه الفنون كتبا جليلة هي أمهات المصنفات فيها، وعليه كان في روايتها، ومن تتبع برامج المغاربة والأندلسيين وقف على جلية ذلك، ولقد وقفت على ما ينيف على عشرين كتابا من الأمهات في علوم القرآن والحديث والسيرة والفقه والنحو واللغة والأدب تروى من طريقه، ولا شك أن له غير ذلك مما تركت العناية بتسميته، أو نُصّ عليه ولم أقف على موضعه. فأما مسموعاته مما وفقت منصوصا عليها فهي: 1) التيسير لحفظ مذاهب القراء السبعة لأبي عمرو الداني، وهو من مرويات التجيبي: القاسم بن يوسف من طريق ابن زرقون[12]، وأخذه عنه أيضا عبد الرحمان بن عبد الله بن حوط الله أبو عمر[13]، وشيخ القراء ابن وثيق أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإشبيلي[14]؛ 2) المفردات في القراءات الثمانية لأبي عمرو الداني، وهو من مرويات التجيبي من طريق ابن زرقون[15]؛ 3) المقنع في رسم المصاحف، وهو من مرويات التجيبي من طريق ابن زرقون[16]؛ 4) الرعاية في تجويد القراءة لمكي بن أبي طالب، وهو من مرويات المنتوري من طريق ابن زرقون[17]؛ 5) الموطأ للإمام مالك. سمعه من القاضي عياض[18]، وله في الموطأ سند آخر عن شيخه أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني، وعنه يرويه أبو الربيع سليمان الكلاعي الإمام المشهور، ومن هذه الطريق يرويه الوادي آشي[19] والتجيبي[20]، ومن طريق ابن زرقون يروي ابن الغماز: أحمد بن محمد الخزرجي الموطأ[21]؛ 6) التقصي لابن عبد البر، قرأه على أبي عمران بن أبي تليد[22]، وابن أبي تليد يرويه عن ابن عبد البر ومن هذه الطريق يرويه الوادي آشي[23] والتجيبي[24]، وله طريق أخرى عن عثمان بن حسن بن دحية الكلبي، ومن طريقه يرويه الذهبي[25]؛ 7) صحيح البخاري، وهو من مرويات التجيبي من طريق ابن زرقون[26]؛ 8) صحيح مسلم، يرويه عنه أبو الخطاب ابن دحية وأخوه عثمان[27]، وقال الذهبي في ترجمة أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الطَّوسي الغرناطي: "سمع بعض "مسلم" من خال أمه أبي عبد الله بن زرقون"[28]؛ 9) السيرة النبوية لابن إسحاق، وهو من مرويات المنتوري من طريق ابن زرقون[29]؛ 10) الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، وهو من مرويات التجيبي من طريق ابن زرقون[30]؛ 11) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، وهو من مرويات التجيبي من طريق ابن زرقون عن مؤلفه القاضي عياض[31]؛ 12) الأربعون حديثا للإمام الآجري: أبي بكر محمد بن الحسين. وهو من مرويات الوادي آشي من طريق ابن زرقون[32]؛ 13) الأربعة الأحاديث التي بني عليها الإسلام، ومدار العلم عليها، وسائر السنن غير خارج عنها بطرقها ووجوهها، تصنيف الحافظ أبي عمرو الداني المقرئ المشهور، وهو من مرويات الوادي آشي[33]، والتجيبي[34]؛ 14) الحديث المسلسل بالأخذ باليد[35]؛ 15) الاستيعاب لابن عبد البر يرويه عن ابن أبي تليد عن مصنفه ابن عبد البر. وهو من مرويات ابن حجر[36]. يُتبع.. -------------------------------------------------- 1. التكملة، (2/63). 2. التكملة لوفيات النقلة، 1/141. 3. التكملة لوفيات النقلة، 1/.141 4. تاريخ الإسلام (12/822)، ونقله أيضا الصفدي في الوافي بالوفيات 35/103، وحلاه في صدر الترجمة : "بالمسند"، وقال ابن الجزري في "غاية النهاية": "مسند الأندلس". 5. تذكرة الحفاظ (4/1360)، 6. التكملة لابن الأبار (2/64)، وتاريخ الإسلام (12/822). 7. سير أعلام النبلاء 21/147. 8. التكملة لابن الأبار (2/63)، وقد اهتم مترجموا ابن زرقون بنقل ملازمته الطويلة للقاضي عياض. انظر: تاريخ الإسلام، (12/821)، الذيل والتكملة، (6/203)، الديباج المذهب، (2/259). 9. الديباج المذهب، (2/259). 10. الذيل والتكملة (6/203). 11. ينظر سياق أسامي الآخذين عنه في الذيل والتكملة (6/203-204) وتاريخ الإسلام (12/822). 12. برنامج التجيبي (36-37-38). 13. غاية النهاية في طبقات القراء. 14. سير أعلام النبلاء 23/303، غاية النهاية في طبقات القراء 15. برنامج التجيبي (43). 16. برنامج التجيبي (44). 17. فهرسة المنتوري (94). 18. السير 21/148. 19. برنامج الوادي آشي (186-187). 20. برنامج التجيبي (57-60). 21. ذيل التقييد للتقي الفاسي 1/381. 22. تاريخ الإسلام (12/822) والسير 21/148. 23. برنامج الوادي آشي (209). 24. برنامج التجيبي (67). 25. تذكرة الحفاظ 3/1129. 26. برنامج التجيبي(77). 27. ذيل التقييد للتقي الفاسي 1/167-2/236، وينظر ما قال العلماء عن هذا السند في مبحث الإجازة من "فتح المغيث" للسخاوي. 28. سير أعلام النبلاء 23/301. 29. فهرسة المنتوري، (151). 30. برنامج التجيبي، (134). 31. برنامج التجيبي، (137-138). 32. برنامج الوادي آشي، (282). 33. برنامج الوادي آشي، (266-267). 34. برنامج التجيبي، (235). 35. التكملة لكتاب الصلة، 2/22. 36. الأحاديث العشارية، 5.