يعد محمد العبدري الحاحي من أهم الرحالة المغاربة في القرن السابع الهجري، وهو معاصر لابن رُشيد السبتي، والتّجيبي السبتي الرحال، وقد دَون العبدري مشاهداته في رحلة جليلة الفوائد، عظيمة القدر، هي "رحلة العبدري" أو "الرحلة المغربية"، وقد طبعت بالرباط سنة 1968 م بعناية الأستاذ الكبير محمد الفاسي الذي اعتمد على نسخ كثيرة من المخطوطة منها النسخة الموجودة بخزانة القرويين، كما طبعت الرحلة بدمشق سنة 1999م، دار سعد الدين، بتحقيق الدكتور علي إبراهيم كردي.. لا تسعف المصادر بترجمة وافية لحياة العبدري الحاحي، إذ خلت كتب التراجم والفهارس من ذكره، وأقدم من ترجم له –حسب علي إبراهيم كردي– هو ابن القاضي المكناسي (ت 1025ه) في كتابه "جذوة الاقتباس في ذكر من حل بالأعلام مدينة فاس"، (طبعة الرباط 1974م).. وقد ترجم لمحمد العبدري كل من ابن القاضي في "جذوة الاقتباس" (286- 288)، والعباس بن إبراهيم في "الإعلام فيمن حل مراكش وأغمات من الأعلام"، الرباط 1974م، 4/287-330، وكراتشكوفسكي في "تاريخ الأدب الجغرافي" (1/367)، ومحمد مخلوف في "شجرة النور الزكية"، بيروت (1/217)، وعمر فروخ في "تاريخ الأدب العربي" (6/401)، والزركلي في "الأعلام"، (بيروت 1981 7/31-32). جاء في رحلة العبدري أنه محمد بن محمد علي بن أحمد بن سعود، وينتهي نسبه إلى عبد الدار بن قصي بن كلاب، وإليهم نسبة العبدري، وقد ولد على أقرب تقدير سنة 643ه حسب علي إبراهيم كردي محقق طبعة دمشق من الرحلة.. واختلفت الآراء في أصله، فبعض مترجميه كبروكلمان في "تاريخ الأدب العربي"( 1/428)، وانخل بلانثيا في تاريخ الفكر الأندلسي (ترجمة حسين مؤنس، القاهرة 1955م، ص 318)، وعمر فروخ في تاريخ الأدب العربي، (بيروت 1983م، 6/401) عَدُّوه أندلسياً هاجر من الأندلس فرارا من الحروب والفتن، واستقر في "حاحة " بالمغرب، وبعضهم الآخر ككراتشكوفسكي في تاريخ الأدب الجغرافي (ترجمة صلاح الدين هاشم، القاهرة 1963م،1/367)، وزكي محمد حسن في "الرحالة المسلمون" (ص. 132) يرى أن أسرة العبدري كانت تقطن بلنسية بالأندلس، ثم هاجرت إلى المغرب، ولعل نشأة العبدري في "حاحة" هي التي حملت العلامة محمد الفاسي على القول "إن العبدري مغربي لا أندلسي (مقدمة طبعة الرباط من الرحلة، سنة 1968)؛ وإذا كان علي إبراهيم كردي يقول في تحقيقه لرحلة العبدري (طبعة دمشق) أن ليس بين أيدينا ما يُرجح أحد القولين؛ فإننا نرى أن "حاحية" صاحبنا ثابتة وقد نسب إليها، كما أنه يذكر مراكش على أنها موطنه، بينما لا نلمس في رحلته ولا في شعره ذكرا للأندلس يدل على تعلقه بها، وهذا ما لاحظه أيضا علي كردي.. استخلص علي كردي في دراسته لرحلة العبدري أن هذا الأخير اهتم في رحلته بالناحية العلمية للبلدان التي مر بها، وترجم لعدد من الشيوخ الذين لقيهم، ودوَّن ما أخذ عن كل واحد منهم من فقه، وحديث وأدب، وغير ذلك، مما جعل الرحلة أقرب ما تكون إلى فهرسة لشيوخه، ولم يغفل العبدري الجوانب العمرانية في البلدان التي مر بها، ولا النواحي الاجتماعية والاقتصادية، والجغرافية والتاريخية، مما يزيد في قيمة الرحلة ويجعلها مصدرا مهما للدارسين.. نقرأ في كتاب محمد بن عبد العزيز الدباغ "من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني، 1992، (ص. 149-150) أن محمد العبدري "بدأ رحلته من حاحة في الخامس والعشرين من ذي القعدة من سنة 688ه، فمر على منطقة سوس ما بين الأطلس الكبير والصغير قاطعا الجنوب المغربي من الغرب إلى الشرق منعطفا على طريق تلمسان التي توجه إليها وأعجب بها وببعض أعلامها، فأقام بها طويلا ولم يغادرها إلا في الخامس عشر من شهر ربيع الأول من عام تسعة وثمانين وستمائة، ومنها توجه إلى أن وصل إلى مدينة تونس ومنها توجه إلى القيروان ثم إلى قابس ثم إلى طرابلس ثم إلى برقة ثم إلى الإسكندرية ثم إلى القاهرة، ومن القاهرة قصد مكةالمكرمة فوصل إلى المحصب يوم الاثنين سابع ذي الحجة من عام 689ه، ثم رحل من الغد وهو يوم التروية إلى منى وفي هذا اليوم دخل البلد الأمين.. وبعد قضاء مناسك الحج توجه إلى المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم فوصل إليها يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي الحجة ثم رحل منها يوم الأربعاء الموفي لذي الحجة قاصدا مدينة الخليل فوصل إليها بعد ثمانية أيام من رحيله ومن الخليل توجه إلى بيت المقدس ومنه إلى القاهرة ثم شرع في الرجوع إلى بلاده عن طريق تونس والجزائر ووصل إلى مدينة تازة في أواخر رمضان عام تسعين وستمائة وعيَّد بمدينة فاس، ثم رحل منها إلى أن وصل إلى مدينة آزمور ثم إلى مدينة آسفي وعند وصوله إليها قال في رحلته: "وختمت الرحلة بزيارة قبر شيخ الصالحين وقدوتهم شرف المغرب الأقصى وفخره، وشمس زمانه وبدره أبي محمد صالح بن ينصار أفاض الله علينا من بركاته، ومد بصائرنا بنور يستمد من مشكاته، ثم منّ الله علينا بجمع الشمل، والاجتماع بالأهل، له الحمد والشكر كثيرا..". وقد سبق أن أبرزت في مقالي حول الفقيه الصوفي أبي محمد صالح الماجري (عدد 20 من جريدة ميثاق الرابطة) الدور الحاسم الذي قام به هذا الرجل الفاضل في تيسير ذهاب المغاربة إلى الحج بعدما كان قد عسر عليهم ذلك من قبل، وأسس رحمه الله ما عرف بركب الحاج المغربي، فليس غريبا أن يخصه محمد العبدري بزيارة شديدة الدّلالة على مسار إنساني مفعم بالخير والصلاح، وهي أيضا زيارة عرفان بالجميل، إذ لاشك أن العمل الكبير الذي قام به أبو محمد صالح مهد الطريق-بشكل من الأشكال- للعبدري وأمثاله لبلوغ البلد الحرام ومدينة الرسول الكريم... ويرجح علي إبراهيم كردي في تحقيقه لكتاب "الرحلة" للعبدري (دمشق 1999) أن يكون ابن عبد الملك المراكشي، (ت 703 ه) قد ترجم للعبدري ترجمة وافية في كتابه "الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة" (تحقيق: إحسان عباس ومحمد بن شريفة، بيروت والرباط 1964م وما بعدها) لما كان بينهما من علاقة وطيدة، إذ يبدو أنه جمعت بينهما بعض حلقات الدرس في مراكش، ولاسيما حلقة شيخهما العالم الكبير قاضي الجماعة بمراكش أبى عبد الله محمد بن علي بن يحيى المدعو بالشريف كما جاء في مقدمة الدكتور محمد بن شريفة للسفر الثامن من كتاب الذيل والتكملة (ص. 1-42). ونجد العبدري يذكر ابن عبد الملك بقوله: "صاحبنا الفقيه الأوحد" ويصف كتابه "بالإتقان والإفادة" (رحلة العبدري، طبعة دمشق، ص. 302)، ولكن هذا الاحتمال يبقى رهناً بالعثور على الجزء الخاص الذي ترجم فيه للمحمّدين، وقد عُثر على جزء منه، طبع في الرباط بتحقيق العلامة محمد بن شريفة. لا يذكر العبدري شيئا عن دراسته الأولى، ولا تسعفنا المصادر بمعرفة بدايات تكوينه الثقافي، ولا يستبعد أنه دخل الكُتاب في بلدته "حاحة"، فحفظ القران الكريم، وتعلم على الطريق المتبعة حينئذٍ في حفظ المتون، ثم ارتقى في الطلب، وانتقل إلى مراكش التي كانت مركزا علميا كبيرا، فأخذ عن علمائها، وقد ذكر في الرحلة (ص. 187 من طبعة دمشق) بشكل خاص محمد بن علي بن يحيى الشريف عالم مراكش الكبير.. وتسود رحلة العبدري روح "الفهرسة" بحيث نجده يترجم للشيوخ الذين التقى بهم وأخذ عنهم، وهو ما يمكن اعتباره أيضا مساهمة في التاريخ الفكري والثقافي للعالم العربي الإسلامي خلال عصر المؤلف. ونذكر من بين شيوخ العبدري: محمد بن صالح الكناني الشاطبي (ت 699ه) وكان عالما بالحديث، لقيه العبدري في بجاية، وقرأ عليه بعض كتاب "الموطأ" وبعض كتابي "التيسير" و "المقنع" لأبي عمر الداني، وجميع قصيدة الشاطبي في القراءات، كما قرأ عليه "قصيدة معراج المناقب" لابن أبي الخصال؛ والحسن بن بلقاسم بن باديس (ت 688ه) لقيه في قسنطينة، وسمع عليه بعض " الموطأ"؛ وحسين بن محمد الطبلي (ت 688ه) لقيه في باجةبتونس، وقرأ عليه بعض كتاب "المقرب في النحو" لابن عصفور الإشبيلي؛ وأبو محمد بن هارون (ت 702ه) لقيه العبدري في تونس في الذهاب والإياب، وقرأ عليه بعض كتاب "الموطأ" وبعض كتاب "التيسير" للداني، وقرأ عليه "فهرسة جده أبى جعفر الحميري" و "فهرسة أبى القاسم بن بقي"، وقرأ عليه "برمجة في أسماء شيوخه" وكتاب "الوعد والإنجاز"، لابن الطيلسان (ت 642ه)، وكتاب "درر السمط" لابن الأبّار (ت 658 ه)؛ وأبو جعفر اللبلي (ت 691ه)، لقيه في تونس، وقر أعليه بعض "الموطأ"، و "جامع الترمذي"، و " قصيدة الشاطبي في القراءات "وكتاب التيسير" لأبي عمر الداني؛ وأبو عبد الله بن هريرة (ت بعد 691ه) ، لقيه في تونس، وقرأ عليه كتابه الذي جمعه في "وفيات المشاهير"؛ وأبو زيد الدباغ (ت 699ه)، لقيه العبدري في القيروان، وقرأ عليه بعض أحاديثه الثنائية الإسناد من حديث مالك بن أنس؛ وأبو العباس الغماز (ت 693ه)، لقيه في تونس، وأخذ عنه "جامع البخاري" وسمع عليه دولا من "الموطأ " و"صحيح مسلم" و"سنن أبى داوود" و "جامع الترمذي"، وقرأ عليه "أكثر التيسير" لأبي عمرو الداني، وقرأ عليه "برنامجه في أسماء شيوخه"، وسمع منه دولاً من كتاب "الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، و"مغازي الثلاثة الخلفاء" وكتاب "مفاوضة القلب العليل" لأبي الربيع بن سالم (ت 634ه) ؛ وأبو الحسن بن رزين المرسي (ت 692ه ) الأديب الكبير، لقيه في تونس فقرأ عليه "فهرسته في أسماء شيوخه"، وكتاب "الصلة" لابن بشكوال، وقرأ عليه "الأمثال الكامنة في القران"؛ وأبو الحسن التجاني (ت 714ه)، لقيه في تونس في الذهاب والإياب، فقرأ عليه "المقامة الدوحية" لمحمد بن عياض الليثي، وقصيدة "ابن الأبار السينية" و "مقامات الحريري"، و"رياضة المتعلمين" للحافظ أبى نعيم؛ وعبد الله بن يوسف بن موسى الخلاصي الأندلسي (ت 697ه)، لقيه في تونس وقرأ عليه" الأربعين حديثا" لابن مسدي (ت 697ه)، وكتاب "الإعلام بقواعد الإسلام" للقاضي عياض، و"مختصر السيرة" لأحمد بن فرس اللغوي، وكتاب "المغني في حصر الأحاديث الضعيفة" لأبي حفص عمر بن بدر الحنفي (ت 622ه) ؛ وجابر بن محمد الوادي آشي (ت 694ه)، لقيه العبدري في تونس، وقرأ عليه قصيدة "الشاطبي في القراءات"، و"أرجوزة السخاوي في المتشابه من ألفاظ القرآن" وأجازه إجازة عامة؛ ويوسف بن إبراهيم بن عقاب الجذامي (ت 692ه) لقيه في تونس، وسمع عليه أحاديث من الموطأ و "جامع البخاري" و "سنن الدارقطني"؛ وأبو عبد الله بن صالح (ت بعد 688ه)، لقيه في تونس وقرأ عليه برنامجه في أسماء شيوخه وبعض "درر السمط" لابن الأبّار، وبعض كتاب "المحتوي على الشواذ من القراءات" و "مختصر حلية الأولياء" وكتاب "المصابيح" للحسين بن سعود (ت 642ه )؛ وأبو الحسن بن المنير (ت 691ه)، لقيه العبدري في الإسكندرية، وقرأ عليه بعض شرحه على البخاري، "والأربعين حديثا البُلدانية" للإمام أبى طاهر السلفي (ت 576ه)-وهو غير "الأربعين حديثا البُلدانية" لابن عساكر، وقرأ عليه بعض الجزء الثاني من المختصر ابن الحاجب؛ وابن دقيق العيد (ت 702ه)، لقيه في القاهرة، وأجازه في جميع مسموعاته؛ وعبد السلام بن محمد البصري الثمار(ت 696ه)، لقيه في الحرم النبوي، وسمع منه عددا من الأحاديث، وأجازه إجازة عامة؛ وأبو الحجاج يوسف بن حكم التجيبي (ت 691ه)، لقيه العبدري في مكناس في العودة، وقرأ عليه الحديث من "الموطأ".. يقول الأستاذ محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه "من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني" (الدار البيضاء، 1992، ص. 148-149): "ومما تمتاز به هذه الرحلة أن مؤلفها رجل قوي الشخصية، حاد الطبع، كثير النقد، لا يجامل في المواجهة، حريص على المعرفة، متتبع لمجالس العلماء، لا يقتصر على الأخذ عنهم؛ لأنه كان يريد أن يأخذ ويعطي ويتعلم ويعلم. وكان يعتز بأدبه وعلمه لا مباهاة بما يعرف ولكن أملا في أن لا تضيع توجيهاته وتأويلاته التي كان يتوصل إليها باجتهاده وحذقه..". وقد امتاز محمد العبدري بتصديه بالنقد لمشاهير العلماء، واستدراكه عليهم، فهو لا يتردد في نقد القاضي عياض وتصويبه، فيقول عند الكلام على الجُحفة (الرحلة، ط. دمشق: 350): "قال عياض: إنما سميت الجُحفة من سبب سيل الجحاف الذي اجتحف الحجاج عام ثمانون، ولا أدري كيف ينطلق اللسان بحكاية مثل هذا؟ وبعد أن يحكى كيف لا ينتبه عليه؟ وذلك أنها كانت تسمى الجُحفة قبل الإسلام وإلى الآن.. وكان سيل الجحاف في إمارة عبد الملك بن مروان، وكيف سميت به قبل وجوده؟ وأغرب من ذلك أن سيل الجحاف كان بمكة، واجتحف الحجاج من المحصب، وذهب بهم وبأمتعتهم، وهدم بمكة دور كثيرة ودخل المسجد الحرام، وأحاط بالكعبة، وكان ذلك سحر يوم التروية من عام ثمانين، وما شأنه والجُحفة حتى سميت به؟ وهذا مما يكون الإضراب عنه صفحًا أولى". واستدرك العبدري على أبي القاسم السهيلي (ت 581ه بمراكش) في كثير من المعلومات التي أوردها في كتابه "الروض الأنُف"، وتعقب العبدري أبا عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، وصوَّب له المعلومات التي أوردها وكانت تصويباته صادرة عن شاهد عيان، من ذلك قول العبدري (الرحلة، ص: 338): "وما زال أهل الإتقان يقعون في مثل هذا، ألا ترى إلى أبي عُبيد البكريّ، مع تحقيقه وفرط اعتنائه، ونبل تواليفه قد أودع في (مسالكه) من الغلط في صفات البلدان، وتحديدها وترجمتها إلى مالا غاية ورائه، فمن ذلك قوله في الياء مدينة بيت المقدس: أن الجبال محيطة بها، وإنما هي نَشَز من الأرض كما ذكر، وليس بالقرب منها جبل...". وبلغ من علم العبدري أنه أعرض عن الأخذ عن رجال رآهم دونه علمًا، فهو لم يأخذ عن محمد بن عبد السيد في طرابلس (الرحلة، ص. 187)، ولا عن أبى البدر بن جماعة (ت 733ه) في القدس (الرحلة: 473). ونستطيع أن نستشف بعض عناصر منهج العبدري في الوصف والتدوين في قوله في "الرحلة"، (ص. 28): "وبعد، فاني قاصد بعد استخارة الله سبحانه إلى تقييد ما أمكن تقييده، ورسم ما تيسر رسمه وتسويده، مما سما إليه الناظر المطرق، في خبر الرحلة إلى بلاد المشرق، من ذكر أوصاف البلدان، وأحوال من بها من القطان، حسبما أدركه الحس والعيان، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان"... وقد أثارني ما ذكره محمد الدباغ في دراسته عن العبدري ضمن كتابه "من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني" (ص. 151) بقوله: "كان العبدري إذا دخل مدينة فلم يعثر فيها على عالم سخط وأبدى من أجل ذلك أسى كبيرا وأسفا عميقا، واعتبر ذلك المكان كأنه معدوم بالمرة، إذ لا وجود لمكان علا فيه الجهل وخلا من العلماء، ويزيد أساه حدة إذا كان لذلك المكان ماض مجيد(..) فإذا فوجئ بخلو المدن التي زارها من أهل العلم اضطربت نفسه، وضاق صدره وسجل اضطرابه وانفعاله بأسلوب عنيف قد يصل إلى حد الهجاء..". لقد آمن العبدري رحمه الله أن بلدا بلا علم لا يساوي شيئا، وأن وجود أهله غير مكتمل، وأن بطن الأرض أولى بهم من ظهرها ماداموا لم يدركوا أن الاستخلاف في الأرض مبني على العلم باعتباره مؤسسا للعمران.. توفي رحّالتنا الفاضل العبدري الحاحي على الأرجح بعد سنة 700ه، رحمه الله، وجازاه عن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه.