إن الاستثمار النمائي من متطلبات الحياة الرغيدة، والركود خطر على الاقتصاد والنماء، يجمد الثروة ويؤخر التقدم، ويسيء للتوازن فلا تستطيع الدولة بذلك أن تتغلب على المشاكل الملحة، فتظل محصورة في نطاق التأخر والجمود والفقر، وذلك ما يزيدها تباطؤا في نموها إن لم يوقفه بالمرة، والإسلام هو العنصر الفعال للخروج من الضائقة إلى سعة التنمية والاستثمار، فمذهبه استثماري إنمائي برفضه للادخار التجميدي ودعوته إلى إطلاق المال للتنمية والإنتاج لصالح الجماعة والأمة، يحرم الاكتناز الموقف للاستثمار، الذي هو الهدف المفيد والمخلص من آفات الفقر، وما ينتج عنه من مفاسد كثيرة، وليست ثروة الفرد في النظرة الإسلامية خاصة به قاصرة منافعها عليه، بل يشاركه غيره فيها بما هو محدد في الشريعة فإن استبد بثروته وقطع بها الطريق عن منافع الناس ومالهم من حقوق شرعية ثابتة كانت حينئذ ثروة ضارة، لكون صاحبها لم يخضع لما أمره الله به من نفع ولما حمله من حقوق لا هوادة فيها، وكل إثراء حصل بالاغتصاب أو بالحيل أو بغيرهما من الطرق المحرمة شرعا، لكونه اعتداء وظلما صارخا وملكية فاسدة لأن الإسلام يمنع الإثراء بدون سبب شرعي، ولا يشجب الترف المفيد للجماعة باستثماره وتنميته ومعروفه بل يحبذه لكونه ثراء كريما فاعلا خاضعا لأوامر الله ونواهيه مانحا لأصحاب الحقوق حقوقهم لا يفسد ولا يحيد عن الطريق الاصوب والحق المطاع، وتعد مثل هاته الثروة ثروة للأمة كلها، ما دامت الاستفادة منها حاصلة وهي بعيدة عن أن تقتصر فوائدها على الفرد الثري بجشعه وطمعه. إن المتاجرة بجميع أشكالها وطرقها مباحة إسلاميا، إذا كانت صحيحة وسليمة من وجهة نظر الشرع، وهي مجال واسع للتنمية بكل مسالكها وميادينها وهي من الأعمال الهامة في حقول التعامل والصناعات والبناء وفي القرآن الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" [النساء، 29]. فالتراضي واجب وكذلك الابتعاد عن الربا والغش والاختلاس كما هو ثابت في آيات أخرى.. يتبع في العدد المقبل.. عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون ص: 37-38 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه/ 1996م).