تابع ص 1 إن الإسلام أولى اهتماما كبيرا لمنظومة التكافل بكل صيغها الراقية التي تحفظ للمحتاج كرامته ،كما وضع العديد من الاجراءات و الوسائل والآليات التي خص بها الحكام والدولة وجعلها من الواجبات الاجتماعية الملزمة بالتوظيف الامثل لكل خيرات الشعب للرفع من المستوى الاجتماعي والمادي لكل الناس لأن المؤمن القوي، باستقراره وكفافه ومعرفته، مفيد للناس والدولة والأمة ..ولأن تكريس الفقر ونشره وتجذير الخصاص يضعف الدولة داخليا، ويجعلها مستباحة من الغير وتبتز في قوتها وأرزاقها ومستقبلها. كما يضعف قدرات الناس بتعطيل آليات الانتاج عندهم وجعلهم، بسبب سياسات فاشلة، مدخلا لإشكالات ومعضلات تهم الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتوازن النفسي . إن من مسؤوليات الدولة الشرعية والسياسية تأمين وتطوير وتثمين الموارد المالية العامة بكل الطرق الضامنة للمنافسة الشريفة المعتمدة على الجودة والمردودية والاستدامة ، بجعلها في خدمة الناس كافة من جهة وتقوية الاقتصاد الوطني بما يحقق التوازن وإقرار عدالة ضريبة وإقرار حقوق الله في أموال الناس ... كما أن الحد من السياسات الفاشلة المنتجة للفقر بسبب عدم خلق فرص للشغل والانتاج، مسألة جوهرية لا يمكن التعامل معها بالإجراءات الترقيعية التي نسمع عنها من بعض الحكام. لهذا اتفق الفقهاء على أن مسؤولية ولي الأمر / الحكومة في معالجة الفقر واضحة لأنهم في نظر الشرع مستخلفون ومؤتمنون على حقوق الناس وأموالهم وأمنهم وعيشهم، وهم نواب على أموال وقدرات وكنوز الشعب التي توجد بوطنهم، وفي هذا قال ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية « وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فإنما هم أمناء ونواب.. ليسوا ملاكًا. وهذا يعني أن ولي الأمر حين يتصرف في المال العام فإنه لا يتصرف فيه بالأصالة، وإنما بالنيابة، أو الوكالة..» لهذا لابد لأولي الامر من تصحيح الاختلالات الكبيرة في توزيع الثروة الوطنية، وفي طرق تدبيرها وصرفها وتحميل الاثرياء ما يستطيعون حقا وبعدل وإنصاف المسؤولية الجلية في التنمية المجتمعية والاقتصادية مع النهوض بالطبقات الفقيرة لتقوم بدور الانتاج والتشغيل وفق المستطاع، بما يقلص من نسبة الفقر والعطالة وبما يجعل من تعذر إخراجهم من دائرة الفقر، قادرين على العيش الكريم .. لقد حذر القرآن الكريم من تفرد القلة بالثروة وخيرات الأمة، وحذر من الإثراء الفاحش ولو كان مشروعا، ناهيك عنه إن كان محرما وغير قانوني. ولقد اعتبر سيدنا عمر (ض) الموارد المالية حقا مشتركا بين الناس فقال ( والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد ، وما من أحد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته ، فالرجل وبلاؤه في الإسلام ، والرجل وعناؤه وحاجته ، والله لئن بقيت لهم ليصلن الرجل حقه من المال وهو في مكانه يرعى). وروي أن أبو عبيدة تحدث يوماً مع سيدنا عمر(ض ) في استخدام الصحابة في العمل فقال(أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة )... ونختم هذه المقالة بالقول لمن ولوا أمر هذا الشعب أو غيره، أن يتقوا الله في عباد الله وأحباب رسول الله أي الطبقات الفقيرة، وأن ينصفوهم وأن لا يثقلوا كاهلهم برفع الاسعار وحرمانهم من الخيرات التي خلقها الله وسخرها لكل الناس المؤمن والكافر والبر والفاجر ...وأن يتجنبوا في سياساتهم ما يزعج ويغضب من جاء الاسلام لإنصافهم ورفع الحيف والقهر والظلم المادي والمعنوي عنهم. إنهم الفقراء والطبقات الشعبية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب للَّه، وأبغض للَّه، وأعطى للَّه، ومنع للَّه، فقد استكمل الإيمان»، فالحب في الله منه محبة المساكين لا يقوم بالخطب والمزايدات الكلامية بل بالأفعال والسياسات وعلاقتها بنصرة وتقوية أحباب رسول الله ومناصري الأنبياء عبر التاريخ.