ومن حق العامل في التنمية والإنتاج أن يأخذ من ثمار عمله بما ينفعه في حياته وحياة من يعولمه لكونه قد عمل بقوته وجهده والثروة الطبيعية لا تنتج بدون عمل، ولذلك أعطى الإسلام للعامل حقه، وحذر من مغبة طمس حقوق العامل الذي كان سببا في حصول التنمية والإنتاج؛ لأن وسائلهما لإنتاج وحدها وكذلك رأس المال لا ينتج وهو مجمد فلا بد له من السواعد الدافعة، وبذلك تحصل المزاوجة بين المال والعمل، والتجارة أيضا معتبرة ذات قيمة في مجال التنمية، فإن الإسلام يقر المضاربات التجارية البريئة من الاستغلال البشع، أو الربا الحرام، ويقرر كذلك أن صاحب المال يتحمل الخسارة إذا حصلت لكون العامل قد خسر من جانبه جهده وأتعابه فتعادلت الكفتان، وقد أجاز الفقهاء إعطاء المكافئة على العمل مما يعرف عندهم بالجعالة، إذا ابتعدت عن الربا المحرم بنص القرآن في قوله تعالى "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" [البقرة، 274]، وفي نص الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن شر المكاسب الربا ومن أكله ملأ الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل، الحديث والعمل من أجل الكسب الحلال فريضة على المسلمين، وإلا تعطل الإنتاج وتوقفت التنمية، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل من إنسان أو دابة إلا وكتب له به صدقة". فلا كسب إلا بالعمل، ويحرم الكسب بالربا والاحتكار الممنوع، والقمار وما في معنى ذلك، مما فيه أكل أموال الناس بالباطل أو استغلالهم استغلالا يمنعه الإسلام ولا يقره، وفي القرآن الكريم: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [النساء، 29]. وحرم الإسلام تجميد المال عن الإنتاج والتنمية فقال سبحانه وتعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ" [التوبة، 35]… والإسلام لا يمنع استثمار المال بالوجه الشرعي مما ينشط الاقتصاد ويرفع من شأن التنمية ويوجه المال فيما يفيد مجتمعه، ويمنع عنه التحلل الخلقي في الكسب لأن الثروة ليست مذمومة في الإسلام إلا إذا صحبها المحرم أو العبث بالحقوقّ، أو التصرف بما يخالف الشرع وفي الحديث "ليس منا من ترك دنياه لآخرته أو آخرته لدنياه" ويقول سبحانه وتعالى : "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الاَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الاِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" [إبراهيم، 34-36]. يتبع في العدد المقبل.. ————————————– عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون ص: 32-33 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه/ 1996م).