إن من أكبر نقاط ضعف المسلمين أمام الغرب، أنهم لم يتخذوا الإجراءات الضرورية في التعامل مع الغرب بعد الحروب الصليبية الغربية المتواصلة، إذ كان على المسلمين في الماضي والحاضر، وسواء كانوا دولاً أم علماء أن يرصدوا تحركات الغرب في بلادهم ونحو البلاد الإسلامية، وبالأخص بعد تحرير هذه البلاد الإسلامية من الصليبين، وكان عليهم مواصلة الحركة الاجتهادية وإعداد القوة، حتى لا يفاجئوا بالغزوات الثقافية، وفي ذلك يقول مستشرق: كان الغرب في القرون الوسطى لا يمكن إلا أن يقال إنه مظلم، وعلى هذا النحو كان الشرق (العالم الإسلامي) ينظر إليه، فكان الغرب عند عالم الشرق الأدنى منطقة لا تستحق التعامل معها، وكانت الجيوش الأجنبية التي جاءت تباعاً إلى سواحل الشرق وحاولت أن تظفر بموطئ قدم في فلسطين متوافقة مع الصورة السلبية التي أخذها الشرق عن المسيحية الغربية. على أن الحملات الصليبية لا توصف في كتابات المؤرخين العرب بأنها تهديد بل إزعاج، ولهذا السبب لم يرَ المسلمون ضرورة في معالجة التطورات في أوروبا بمزيد من التفصيل بعد إخراج الصليبين من الديار المقدسة. وفي (1798) حطت حملة الجنرال بونابرت في مصر، وبفضل التكنولوجيا والتكتيكات المتفوقة هزم الجنود الفرنسيون جيش المماليك، الذي كان يعد أفضل فرسان العالم. وكان ذلك لطمة قاسية لاحترام الذات عند المسلمين، بيد أن حملة بونابرت لم تكن مؤلفة من العسكريين فقط، فقد اشتملت كذلك على "إرسالية مصر" وهي جماعة انضباطية من العلماء والباحثين الذين لم يكونوا مهتمين بالآثار المصرية وحسب بل كذلك بالمناخ ونمو النبات ونظام الري والبنى السياسية والاجتماعية والعديد من الموضوعات الأخرى، وتقرب بعض هؤلاء الباحثين من زملائهم المسلمين المتمسكين بالتقاليد ونشدوا الاحتكاك بهم، ولم يكن أقل الأسباب لحملة بونابرت هو أنها انطلقت من الرغبة في نقل مبادئ الثورة الفرنسية إلى مصر"[1]. فإذا كان العالم الإسلامي في أزمة عامة في التعامل مع الغرب، فهو في أزمة ثقافية كبرى في تحديد من يثقف الآخر في حقوق الإنسان خصوصاً، وإذا كان علماء المسلمين في حالة اتفاق وإجماع على أن الإسلام هو أسمى من ميثاق حقوق الإنسان، وأكثر استيعاباً، وأبقى على الزمن[2]، فكيف يثبتون ذلك للآخرين، وبالأخص إذا كانوا لا يلتزمون بهذه الحقوق في مجتمعاتهم وبلدانهم، بل لا يلتزمون بها في اختلافاتهم السياسية، ولا يمارسونها في حواراتهم الفكرية. إن المسلمين اليوم أمام مسؤولية بيان حقوق الإنسان في الإسلام علمياً وعملياً، نظرياً وتطبيقياً، أي ليس من خلال المصنفات الفكرية فقط، وإنما في رسم الخطط، ووضع المناهج، وإقامة المؤسسات، التي تحول حقوق الإنسان المسلم من حلم إلى حقيقة، ومن نظرية إلى واقع، ومن تطلعات ذهنية إلى إحساسات في الحياة اليومية، ولا يتحقق ذلك حتى يتحول الحق من إيمان إلى عمل صالح، ومن فكرة إلى تجربة، تؤدي إلى تحقيق أهداف الإنسان، في قناعته العقلية، وطمأنته القلبية، وسعادته الدنيوية، ونجاته الأخروية، وهو ما قصد الدين تحقيقه في حياة الإنسان، وفق شريعة ومنهج، يجتمعان على تحقيق مقاصد الشرع والإنسان معا.. —————————————————– 1. الإسلام وعالمية حقوق الإنسان، كريستيان توماشات، مارتن كريله، هانس كونغ، بيتر هاينه، وبسام طيبي، والنص المنقول لكريستيان من بحثه: حقوق الإنسان من المنظور القانوني، ترجمة واختيار: محمود منقذ الهاشمي، مركز الإنماء الحضاري، حلب، الطبعة الأولى، 1995م، ص: 54. 2. انظر كتاب: ندوات علمية في الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف والمجلس الأوروبي في ستراسبورغ حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، مصدر سابق، ص: 7.