والنهضة لابد فيها من رأي عام ينصر حقا ويخذل باطلا؛ لأنه إلى جانب المنظور يوجد غير المنظور، والشر يلبس لباس الخير، ثم هم لا يقولون شيئا، ومن لا يبني لدنياه يخسر دنياه وأخراه، ونحن أمة فتتتها الطبيعة، وربطتها برغم الطبيعة أحاسيس القلوب، وبأننا جميعا معا لتكسير حائط التخلف، والتقدم هو الضبط والربط، والتقدم بدون استصلاح الأنفس كأرض لا تنتج أو زيادة أرض تنتج القليل أو تنتج الكثير ولكن ما وراء الكثير أكثر، والتقدم تصنيع وفن وتقنية، والفن يكون أكثر قيمة وأعود بالنفع، والتخلف المادي يصحبه التخلف الروحي، ورغم هذا وذاك فلنترك للشباب يفكر ويحقق ويدبر فلعل أن يكون لنا منه شعاع يضيء طريق الغد، فإني أرى حاضر الأمة باهت النور فالشباب في حاجة إلى صيانة ورعاية ليستعيد توازنه السليم.. كما أن الذي يجري على أركان متباعدة من الأرض عند الآخر السائر المتقدم، جدير أن يجري على أرض الإسلام لو أحسنا التصرف لنكون أهلا لخدمة الأوطان في جلائل الأمور، فالأوطان تدعوا إلى بذل الجهد دفاعا عنها والشباب يستجيب، والناس يسمون هذه الاستجابة بالتضحية الكبرى التي تدعوا إلى تنمية كل المواهب التي هي في الشباب، حتى يؤهل ليعطي لأمته وللإنسانية خير ما يعطيه الشاب النابه من عمل جليل أو حكم سديد، أو لجلب فائدة عامة أو لدفع خطر مستطير. وبالتعب والعرق يسجل للإنسان قصة نجاحه في صراعه مع الطبيعة في الحياة، وهذا النجاح يتطلب تعبا وجهدا ومالا وعرقا وتفكيرا وتدبيرا ليكون لنا مكان وسط بلدان العالم المتقدم، وبالرغم في كثير من الأوقات تكون إمكانيات النجاح ضعيفة، وقادم الأيام سيحدد الإجابة للتغلب على أعقد وأكبر مشكلة نواجهها للانتصار في الحياة، وإبراز طاقات التفوق والخروج من بؤرة الحيرة والضياع والتيه ظافرين بما يخدم الحرية التي تنشدها الإنسانية، ولأنها حارس الحلم الإنساني وجذوتها المشتعلة بإلحاح شواغل الحاضر التي لا تحجب عنا رؤية المستقبل. والشباب في حاجة الى طبيعة تربوية مثالية طيبة التعارف تحمل في طيات جوانحها لكل أبناء وبنات آدم رحيق الحياة، وردم شروخ التقاطع الإنساني والاهتمام بمستقبل البشرية، بصيغة تتوافق مع تطلعات الإنسان، ودعمه للاتصال والتواصل الحضاري الفعال، ومن لا يحسن الدفاع عن مصالح أمته، ومن لا يتمتع بالثقة والنزاهة التي تمكنه من أن يقوم بمهمته بأمانة وصدق لا يمكن أن يساهم في خلق مشروع حضاري متجدد وأصيل. والحياة الحديثة لا يتفهمها فهما دقيقا إلا من تمثلها وأخرجها مشرقة الجوانب، نابضة بالحيوية، يقطر منها الخير كما يقطر العنبر والندى، والشباب هو المنجم الذي يزود الحياة بالوقود، وهو خير من يغير مسيرة القوافل الضالة نحو المنابع التي تصنع الحياة وتروي القلوب الموات، والشباب من هذا النوع لا ينسى أمته ولا يتنكر لأهله، هم الذين أناروا الطريق للرجال النابهين وهم فوق ذلك كواكب ساطعة استضاءت البشرية بأفكارهم في العصر الوسيط وما تزال تستضيء ويرحم الله الشاعر المتنبي يوم قال: وإذا كانت النفس كبارا تعبت في مرادها الأجسام هؤلاء مقاييسهم كانت مستوحاة من السماء بصرت الناس في أنفسهم، وكلما أمعنا النظر في وجوه الشباب الضاجة بالعافية المالك في قلبه كل حنان الدنيا الذي لا يعرف الزيف، ترفرف على سيماه كل أطياف السعادة، فكيف به إذا أضيف إلى ذلك الذكاء والثقافة والفطنة، يقطف من ثمار أشجار الحياة وهو يفجر طاقاته ومواهبه، ويمتلك مفاتيح الفضاء المسدود ليفتح للبشرية أن تتمدد على حافات الرياض المزهرة للحياة المتدفقة، شباب يبحث عن الخير في البر والبحر والجو ليقهر صمت صحراء القطيعة بين بني البشر وظلامها وجدبها، وبالعلم لاشك يقدم كل يوم الجديد والجوهر الأصيل لفك معضلة الأصالة والمعاصرة التي حيرت الإنسانية، وبصياغة الفكر المعاصر بين التقاليد والعصرنة بمعناها العلمي والتكنولوجي، وذلك هو الأمل الكبير في حل إشكالية التقدم ودخول عصر الإصلاحات.. وبالله التوفيق وهو المستعان..