تعد الأمانة من الفضائل الرئيسية والقيم المهمة في حياة الأفراد والجماعات، وقد اهتم الإسلام بها اهتماما بالغا إلى الحد الذي جعلها من المرتكزات الأساسية في هذا الدين، وهي علامة على صدق الإيمان الخالص لله سبحانه وتعالى وغيابها يعني في الوقت نفسه غياب الإيمان ولا غرابة في ذلك فالإيمان والأمانة مصطلحان مشتقان من أصل لغوي واحد وفي هذا السياق ونظرا لأهميتها جاء الحديث النبوي الشريف ليؤكد هذه الأهمية بيقين صادق فعن أنس رضي الله عنه قال: "ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له". أخرج الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم" فإذا كان الدين والأمانة صنوان لا يفترقان؛ فإن من علامات النفاق خيانة الأمانة فآية المنافق وكما أشار إليه الحديث النبوي الشريف ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". ومن علامة النفاق خيانة الأمانة، ويرتبط بخيانة الأمانة العديد من الرذائل التي تحط من قدر الإنسان أمام نفسه وأمام الناس وأمام الله تعالى.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في حياته في مكة قبل البعثة مشهورا بين قومه بأنه الصادق الآمين ومن أجل ذلك كان يستأمنه الناس على أمانتهم سواء كانت أموالا أو منقولات أو غير ذلك حتى بعد البعثة وعندما هاجر إلى المدينةالمنورة أوصى علي بن أبي طالب أن يرد الأمانات التي كانت مودعة لديه إلى أصحابها حتى ولو كانوا مشركين. والأمانة من القيم التي لا تتجزأ ولا تقبل أنصاف الحلول فأما أمانة، وإما خيانة ولا ثالث لهما كما أن الأمانة لها صور عديدة تشمل كل مجالات الحياة وعلى رأس قائمة الأمانات تأتي الأمانة الكبرى التي اختارها الإنسان لنفسه والتي تعني مسؤوليته على الوفاء بالتزامات التكليف الإلهي المنوطة به في هذا الوجود. فالقرآن الكريم يبين لنا أن الله سبحانه وتعالى عرض هذه الأمانة على السموات والأرض والجبال لفم يطق أي منهما تحمل هذه الأمانة وقبلها الإنسان وأصبح بهذا القبول مسئولا عن هذا الوجود الذي سخره الله له بأرضه وسمائه وما بينهما وهي مهمة ثقيلة، ومسؤولية عظيمة، ومنها تتفرع بقية الأمانات الأخرى.. يتبع في العدد المقبل..