أنشطة تربوية وتحسيسية للأطفال ومناقشات فكرية حول القيم والتربية والإعلام المسائية العربية حظيت مشاركة الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء في الفترة من 13 إلى 23 فبراير 2014، بمتابعة مكثفة من قبل زوار المعرض. فبالإضافة إلى الأنشطة التي تتعلق بالطفولة، والتي كُرِّس لها هذه السنة الرواق المشترك للهيئة والمجلس الوطني للحقوق الإنسان، تمت برمجة أنشطة فكرية وثقافة لها ارتباط وثيق بظاهرة الرشوة وسبل مكافحتها. ففي الجوانب المتعلقة بموضوع الدورة أي الطفولة، أشرفت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة على تقديم عرض مسرحي للكراكيز بعنوان "بستان عمي معسول"، مستهدفة بذلك جمهور الناشئة رغبة في غرس قيم النزاهة وذلك اعتبارا لما للتربية من دور أساسي في هذا الجانب خصوصا في السنوات الأولى. كما أعدت بالمناسبة كتابين هما عبارة عن قصص قصيرة للأطفال بعنوان "أبني وطني"، وكذلك قصة مصورة بعنوان "بستان عمي معسول"، وهما عملان يتناولان مخاطر الرشوة وضرورة التنديد بها ورفضها بل والتبليغ عنها، من أجل بناء مجتمع سليم قائم على المساواة وتكافؤ الفرص. الرواق المشترك بين الهيئة المركزية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي استقبل ما يقارب 20 ألف زائر، كان أيضا فضاء للنقاش وتبادل الأفكار بخصوص عدد من القضايا التي ارتأت الهيئة إدراجها في برنامجها بالنظر لارتباطها الأكيد بمجال عملها. وهي قضايا تروم في جوهرها ترسيخ قيم المواطنة واستنهاض مشاركة المواطنين في الدفع بورش مكافحة الفساد في طريق النجاح. لم تركز الهيئة في انتقاء المواضيع التي أثثت بها برنامجها على الجوانب الزجرية بالرغم من أهميتها، لكنها بالمقابل حاولت ملامسة دواخل المواطنين الذي تتبعوا هذه الأنشطة من أجل أن تجعل منهم ركيزة أساسية من ركائز رفض الفساد، وكذلك قنوات لتوعية مَنْ حولهم بأن للرشوة مخاطر حتى وإن لم تكن ظاهرة للجميع، وأن أشكالها متنوعة على خلاف ما قد يعتقد البعض. في هذا السياق، تم افتتاح أنشطة الهيئة في الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب بلقاء مفتوح مع الشباب أطره السيد خالد العرايشي الكاتب العام للهيئة، وخصص لمناقشة المفاهيم المختلفة للرشوة وتجلياتها ونظرة الشباب إليها وإلى سبل الوقاية منها ومحاربتها. ثم بعد ذلك، كان لزوار الرواق لقاءات على التوالي مع الأساتذة السادة والسيدات المختار الهراس، وفؤاد شفيقي، وخديجة شاكر، وادريس العيساوي، ومحمد الطوزي، وأمينة المسعودي، بالإضافة إلى السيد عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية، وذلك لمناقشة مواضيع التربية على القيم، وماهية القيم السائدة والتي ينبغي ترسيخها أكثر، وعلاقة الإعلام بالتربية على المواطنة والقيم الإيجابية، وكذلك أهمية الديموقراطية التشاركية وقواعدها والجديد الذي تضمنته مقتضيات دستور 2011 بهذا الخصوص. ما ميز هذه الأنشطة بالإضافة إلى اللقاء الذي نشطه الكاتب العربي بنجلون مؤلف قصص "أبني وطني"، هو التفاعل المكثف للحاضرين من خلال أسئلتهم وإسهامهم الجدي في النقاش سواء تعلق الأمر باللقاءات المخصصة للأطفال أو تلك الموجهة للكبار. بقيت الإشارة إلى أن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، قدمت بهذه المناسبة، للمكتبة العربية، ترجمة لكتاب مرجعي هام هو "الفساد في المدن" الذي أشرف على تأليفه روبرت كليتغارد الذي يعتبر أحد الشخصيات المرجعية في مجال مكافحة الفساد على الصعيد العالمي. وهو ما يمكن أن نقرأه في الفقرة التالية المقتطفة من التصدير الذي كتبه عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة للترجمة العربية إذ يقول "يصر كليتغارد، مبتكر المعادلة المشهورة (الفساد=الاحتكار+السلطة التقديرية-إعطاء الحساب-الشفافية)، على أن مكافحة الفساد تحتاج إلى استراتيجية شمولية أقطابها الزجر والوقاية والتوعية، وأنه بدون هذه الاستراتيجية لن تؤول الجهود المبذولة في هذا الإطار إلا إلى الفشل. هذه الفكرة، التي عادة ما تكون موجهة إلى الحكومات الوطنية، نجدها حاضرة في كتابه هذا "الفساد في المدن"، كما نجد أنه من الممكن تكييفها بنفس الأبعاد ولكن مع مراعاة السياقات المحلية المتعلقة بالمدن والبلديات التي تعرف أنواعا من الفساد يختلف في أشكال تفاعله وانتشاره عما يمكن أن يكون عليه على المستوى الوطني".