"يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه المناظرة الوطنية الثانية من نوعها حول الرياضة المغربية، اعتبارا لما يحظى به هذا القطاع، لدى جلالتنا، من بالغ العناية والاهتمام ولما نعلقه من آمال على هذا الملتقى، في بلورة انطلاقة جديدة تكفل النهوض بأحوال الرياضة المغربية، ولن يتأتى ذلك إلا بتجاوز ما يعيقها من اختلالات منافية لنبل أهدافها ومناقضة لدورها الحيوي، في ترسيخ المواطنة الكريمة والغيرة الوطنية وبناء مجتمع ديمقراطي حداثي سليم". المقتطف أعلاه، الذي تضمنته الرسالة الملكية الموجهة يوم 24 اكتوبر 2008، إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية، منح النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، شرف تنظيم ندوة مفتوحة يوم 27 غشت 2010، بعنوان: "ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية وسبل القضاء عليها" وقد كان لها قصب السبق لما صمت المعنيون بالرياضة في بلادنا صَمْت أصحاب القبور، ومن أجل فتح باب النقاش حول الظاهرة، فقد بادرت النقابة حينها بدعوة العديد من الشخصيات .. وزير الشباب والرياضة، والي الأمن بولاية الدارالبيضاء الكبرى، وكل من رئيسي نادي الوداد ونادي الرجاء، رئيس عصبة الدارالبيضاء، ثم رؤساء جمعيات المحبين، وذلك من أجل دراسة الموضوع من كل جوانبه دراسة متأنية، تمكن من إيجاد سبل ناجعة للقضاء على الظاهرة (الغول) التي طالما قضت مضاجع كل أفراد المجتمع المغربي، حيث في العشرية الأخيرة، شهدت عدة ملاعب، وخلال العديد من اللقاءات الرياضية أعمال شغب، سواء داخل المدرجات أو خارجها، مما تسبب في حدوث خسائر كبيرة في تجهيزات الفضاءات الرياضية، وإلحاق أضرار مهمة بممتلكات المواطنين، كما تخريب وسائل النقل .. وبغية تفادي مثل هذه الأحداث التي ليست من أخلاق المغاربة الذين لهم غيرة على وطنهم، كان هدف النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لما بادرت بدعوة المسؤولين السالفي الذكر، الذين أخطئوا آنذاك خطأ فادحا بعدم تلبية الدعوة، بحيث آثروا التغيب الاختياري، بدل الحضور وإغناء فعاليات الندوة بآرائهم والخروج بتوصيات، للتصدي لهذه الظاهرة، والانكباب على تنظيم حملات تحسيسية. ولعل أسطع مثال على الموقف السلبي الذي اتخذه المسؤولون عن الميدان الرياضي المغربي، الذين- لحاجة في نفوسهم- تهربوا من مواجهة الرأي العام الوطني، هو الصور الصادمة، التي رافقت الحدث المأسوي الذي عاش أطواره سكان مدينة الدارالبيضاء الكبرى، خلال اللقاء الرياضي الذي جمع فريق الجيش الملكي بالوداد البيضاوي بمركب محمد الخامس على الخصوص، وساكنة المغرب بأجمعها على العموم، بمناسبة المباراة التي أجريت السبت 14 أبريل الجاري برسم منافسات الدورة 25 من البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول في كرة القدم، والتي عرفت منحى آخر، حيث علاوة على ما عرفته تجهيزات المركب من تخريب وإتلاف، وما أُلحق من أضرار بالممتلكات الخاصة والعامة خارجه، هناك عدد كبير من المواطنين أصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة، من جراء الهجوم الذي قامت به الجماهير التي أقدمت على الرشق بالحجارة وأشياء أخرى، والقيام بكل أنواع العنف والتخريب، ومن المعلوم أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى ما هو أفضع، إلى إزهاق روح أحد المحبين- المسمى قيد حياته: حمزة البقالي- الذي لاذنب له إلا أن حبه في التمتع بمتابعة فريقه المفضل عن قرب دفعه إلى القدوم من مدينة مكناس إلى الدارالبيضاء التي شهد مركبها فعاليات اللقاء الرياضي، وبهذا كان ضحية الهدوء الذي يلى العاصفة. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن الوطنية عند بعضهم قد هانت إلى درجة تدهورت أحوالها، مما زاد من حجم النقص في الاعتبار للقضايا الوطنية، بحيث أقدم أصحاب المسؤولية على رفض نداء الواجب الوطني، حين أعلنت النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، موقفها بجرأة وشجاعة لما تعلق الأمر باستفحال الظاهرة، بحيث كانت ترمي من وراء تنظيم الندوة التي دعت إليها، تنوير الرأي العام الوطني، ووضعه في الصورة الحقيقية لظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية، واطلاعه في نفس الوقت على آراء المهتمين بالميدان الرياضي ببلاد، في وقت التزمت فيه الجهات المعنية بالشأن الرياضي بالتفرج على الوضع من بعيد، ولم تدعُها المسؤولية إلى التحرك إلا بعد فوات الأوان، وهكذا انتفض الجميع، وأصبحنا نسمع بعض الأصوات وهي تتباكى من هول الفاجعة، وأخرى تلقي باللائمة على الآخرين، ولم تخل الساحة من متحسرين ومنظرين جدد يدلون بتصاريح صحفية هنا وهناك، وممن تفتقت عبقرياتهم على تنظيم جلسات وندوات يعلنون من خلالها على سن قوانين زجرية، وابتكار أساليب الردع والصرامة و الحزم، مع الحث على إحداث لجنة لمكافحة الشغب، وتفعيل ما يمكنُ من منع القاصرين من الولوج إلى الملاعب الرياضية بمفردهم، وكأن القاصرين هم وحدهم من أقدم على خلق الفتنة، وهم من سلك السلوك الأرعن الذي تسبب في الفوضى الرياضية التي شهدها المركب المذكور .. كما أن عدة صحف أضافت وحذفت ونشرت ما يثير شهية القراء للحديث عن وقائع السبت الأسود كما يحلو لبعضهم بتسميته، مع أن المسؤولية تتحملها عدة جهات وهي معروفة عند العادي والبادي ولا داعي لتغطية الشمس بالغربال، لذلك دعونا نتساءل، أليس من الأجدى أن تحاكم الرؤوس المسؤولة -ومنها طبعا التي رفضت الحضور إلى ندوتنا السابقة- والتي تكون بفعلها هذا قد هيأت وساهمت وفتحت الأبواب لعمليات الشغب والفوضى بسكوتها ..؟ السؤال الذي تفرضه المناسبة، لماذا أدار كل هذا الحشد الذي انتفض بعد وقوع الكارثة ظهره للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي كانت سباقة لكسر حاجز الصمت الذي كان يلف الظاهرة، وبذلت ما يمكن من مجهودات وبإمكانيات ذاتية محدودة من أجل استضافة المسؤولين المشار إليهم قصد وضع خطط وبرامج الوقاية من حدوث مثل هذه الكوارث، ليدي كل من هؤلاء بدلوه في الموضوع اليوم، بيد أن حجر الزاوية يظل هو التنظيم الغير محكم بالمدرجات، وعدم مراقبة مداخل الملاعب من طرف جهات مسؤولة لمنع كل شيء يشجع على القيام بأعمال العنف والتصرفات الطائشة التي تتنافى مع عاداتنا وهويتنا المغربية. إذن، المنعطف الجديد الذي اتخذته الظاهرة، يدعو مختلف الجهات المختصة وكل المتدخلين إلى وقفات تأملية أملا في إيجاد حلول ناجعة لمحاربة ظاهرة الشغب هذه، والتفكير في الحلول الكفيلة التي تعفي المجتمع من خسائر اقتصادية واجتماعية، وهنا يبقى النموذج الذي قدمته النقابة، التي نبهت إلى خطر ظاهرة الشغب مبكرا، مساهمة منها في الحفاظ على العادات والتقاليد التي قدم الآباء والأجداد أرواحهم فداء لها، لنعيش اليوم في مجتمع ديمقراطي حداثي، لكن عجرفة أصحاب المسؤوليات، منعتهم من النزول من أبراجهم العاجية للمشاركة في الندوة التي أريد لها أن تكون خارطة الطريق لمستقبل كروي بدون كوارث في الملاعب. الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة