وأخيرا سقط القناع عن رأس الغول ، وسقطت معه كل المساحيق التي يتزين بها لتسويق جمال سحنة لم تندمل ندوبها القديمة بعد ، وتأكد لكل الذين تفاءلوا بانخفاض أسهم منتوجات مصانع المخزن القمعية في بورصة المغرب ، أن الأمر ليس سوى سحابة صيف عابرة. ولأن شعارات الحرية وحقوق الانسان و الديمقراطية هي في العمق تكثيف و تجميع لجملة ﺁمال وطموحات وتحليلات ، تتوج بإجراءات ملموسة ،تنعكس ايجابا على حياة المواطن ، فقد تبين بما لم يعد معه مجال للشك أن المسؤولين المغاربة ينتجون هذه الشعارات إذا هم نطقوا بها ، لكن دون أن تكون لديهم مرجعية أو مخزون ثقافي يرتبطون به في هذا المجال . فبعد أيام قليلة من إطلاق عاهل البلاد سلسلة من الاصلاحات وصفت بالجريئة و التاريخية ، في خضم ما يحدث في العالم العربي من حراك وثورات شعبية ، وتحطيم لجدار الخوف و الصمت ، أبى بعض المسؤولين من الذين لايريدون مغادرة أبراجهم العالية ليتقاسموا مع البسطاء هوجسهم ، الا أن يقدموا لشعب المغربي الدروس الحية ، و الأمثلة الملموسة ، لرفع اللبس الحاصل عند المغاربة في التمييز بين النظرية و الواقع ، بداية بتدخل بربري أقدمت عليه قوات الأمن العمومية مؤخرا بالرباط في حق أساتذة لا يتأففون من وعورة الجبال ولا من قساوة شتائها ، ولا يثنيهم بعدهم عن ذويهم من أداء رسالتهم في تحرير عقول فلذات أكباد هذا الوطن ، من ظلمات الجهل ودهاليزه السحيقة ، ذنبهم أنهم أرادوا أن يعبروا عن مظالمهم وبؤس أحوال مهنتهم . وبدل أن يجدوا ﺁذانا صاغية ، كرم المخزن مقامهم بوجبة دسمة لونا وطعما ورائحة ، اشتملت كل أنواع السب و الشتم و الضرب . وهذا النوع من التعاطي الأمني مع تظاهرة سلمية حضارية تنشد مطالب مشروعة ، وبغض النظر عن المنتسبين اليها ، بتهشيم رؤوس المحتجين وعظامهم في مشهد يشيب له الولدان ،يدفع كل متتبع غيور على مصلحة البلاد الى طرح أكثر من علامة استفهام وتعجب ، حول هوية هؤلاء المسؤولين الذين يقتنصون الفرص لخلط الأوراق و الالتفاف على ارادة الملك و الشعب في الاصلاح ، بهدف التاَمر على هذا الوطن ، في مرحلة حساسة يستوجب معها اللجوء الى أساليب الحوار و الاصغاء و العمل بدل اخراس الالسن بالهروات .وفي الوقت الذي كنا ننتظرفتح تحقيق في تلك الإعتداءات ، هاهو المخزن يقدم لمن يهمه الأمرالمحور الثاني من الدرس نفسه ، من خلال إعادة إحياء سنة التضييق على الخطوط التحريرية المواطنة، التي تريد التصدي للفساد الذي بات ينخرالمجتمع ، واعتقال الصحفيين الذين يقدسون أخلاقيات مهنتهم ويصدحون بقول الحق ، والحق هو جوهر عبارة السلطة الرابعة كما هو مفهوم في كل الديموقراطيات ، والحال أن متابعة الصحفي رشيد نيني مدير جريدة المساء في حالة اعتقال، يشكل المثال الواضح على سفسطائية المسؤولين عبر ما روجوا له من قصاصات مشروخة و مكشوفة النوايا ، فمتى كان الكشف عن هوية المرتشين والمتلاعبين بأموال الدولة للرأي العام مساسا بامن الدولة ؟.. و طبعا المقصود هنا بأمن الدولة، أمن مصالح المفسدين الخاصة ونفوذهم الذي يتجاوز دائرة القانون. إن هذه المتابعة القضائية هي في الأساس متابعة لكل الاقلام الحرة و قلب خطير للأدوار يجعل من الضحية جلادا والجلاد ضحية ، في مسلسل أراد أخطبوط الفساد الذي طالت مجساته الأخضر واليابس، أن يكون عنوانه صحفيون مع وقف التنفيذ. إن الاستحقاق المهم و التحدي الكبير الذي ينتظر المغاربة يكمن اساسا في اجتتاث هذه العقليات التي لم تعد قادرة على مسايرة إيقاع التغييرات التي يشهدها المغرب ، فيبدو أن إشارات جلالة الملك الواضحة ، ورغبته الاكيدة في دمقرطة المجتمع ، من خلال تعديل عميق لدستور يقوم على مبدأ احترام كرامة الانسان وضمان العيش الكريم ، أوقع العديد من رعاة التقليد المخزني العتيق في صدمة وجودية وصلت ببعضهم الى فقدان السيطرة على أفعالهم وهذا ما يجسده مواجهتهم لكل احتجاج سلمي بالعنف ، واعتقال الصحفيين في محاولات يائسة لاستعادة ادوار لايريدون افتقادها . و الحال أن تحقيق الديمقراطية المنشودة يستدعي من المجتمع باختلاف أطيافه وحساسياته ،الإصطفاف مع عاهل البلاد في خندق واحد لمواجهة كل هؤلاء المقاومين للتغيير ومعهم كل المفسدين الذين يريدون من المغاربة أن يعيشوا في حالة وصفها جبران خليل جبران بقوله : وهل في الغاب عدل لا ولا فيها عقا ب.