أصدرت الشاعرة أمينة المريني ديوانا شعريا تحت عنوان"المكابدات"عن منشورات حلقة الفكر المغربي المكتب المركزي فاس-مطبعة ريمديا-بإيداع قانونى0135-2005. غلاف الديوان بريشة الفنان كريم تابث حيت تظهر عليه لوحة، وهى عبارة عن لهيب مشتعل منبعث من أعماق الأرض. و ألسنة اللهيب في اتجاه الأفق الأعلى. وعلى ظهر الغلاف، مقطع من قصيدة(موقف العبور).من: ص(99-110)، المقطع ما قبل الأخير الذى تبدأه بقولها: سيرقد هذا الجميل فقد جاء الديوان في حوالي سبع وثلاثين ومائة صفحة من المقطع المتوسط ضاما واحدا وعشرين نصا شعريا تتراوح في مساحاتها النصية، بين الطويلة و القصيرة و ذلك توافقا مع ما سيتتبعه النفس الشعري، من تمدد أو تملص، و كذا ما يقتضيه الموضوع الشعري، من مواد و إسنادات معجمية و تركيبية و دلالية و تخييلية. و القصائد هي:عزف منفلت من عزف منفرد على (1)-يافع(9)- السجينة1(13)-السجينة2(17)-مقام الحروف(23)-سلوك(26)- موقف الانبهار(30)-العابر(34)- موعد(42)-حبيبي(47)-)-المنفى(55)-ذات(61)-لقاء(69)-هاتف(75)-موقف الشرب- موقف الهلاك(91)-موقف ا لعبور(99)-موقفا لنعمى(111)-رؤيا(116)-أمنيات(119) مكابدات(121),,, , إن تيمه الاحتراق، عند الشاعرة أمينة المريني، نابعة من نار الوجد والأحاسيس الدفينة، لواقع مرير ومؤلم. يتجلى من خلال بركانية النص الشعري المتضمن للغة متفجرة. انه مفهوم البركانية عند الفيلسوف الفرنسي : " جاك دريدا". فالنص عند أمينة المزيني يتحرك بقوة انفجاره الداخلي في اتجاه الأفق البعيد لعالم الطهرانية والصفاء والخوارق فالبركانية تفجر المعاني، المولدة لفضاءات متحررة، تنحو نحو إشراقة الاختراق. فلغة الاحتراق تبتعد عن كل خطابية، وتتعرى من جسما نيتها، لتنكشف أنوارا تضيء بوهجها الواقع المظلم والمعتم كما تكسب النص نورانيته. فهذه البؤر المستعملة والساخنة. تنتظم في شريط ملتهب،في أحضان واقعنا الذي وصل إلى وضعية مأساوية حيث صارت معه سخونة القصائد ولوعة الشعراء، تصطدم ببرودة الحكام، الذين يقفون على قمم الجبال، لا في شموخها بل في برودتها وفي هذا المقام تقترب الشاعرة من الواقع المرير و المشتعل بحرارة المعاناة والمأساة لتكتوي بناره كعامة الناس . علها تجد ما يطفئ لهيب حرقتها، التي تشتعل في الوجدان وفي كل الأحاسيس. ففي ظل هذا الاحتراق وأنات المكتوين تأتي هذه القصائد لتروي ظمآنا وتثلج صدورنا. إن فضاء القصيدة في ديوان المكابدات. يحيلنا على استحضار بنية النار، في الموضوعات الشعرية العربية والمغربية .منها على الخصوص وبما تفصح عنه من حرقة متجردة في وجدان الشاعرة، التي تدخل محراب القصيدة متجرعة لهيب الاحتراق لاختراق فضاء آخر تقول: ليثه لو رأى خافقي مشعلا في الدجى عشقه راشفا جمره لو درى- ليثني أنني جئت إليه (1) إن هذا الاحتراق الشعري تتفيأ الشاعرة تحت ظلال لهيبه متخلصة من برودة الغربة والضياع وتتغيا الدفء والاسترخاء تقول: وأرخيت حسني على زنده (2) وأشعلني من بها صده (3) فالشاعرة تحترق بعشقها للحبيب الذي تكتوي بناره وهيامه. أنها لحظة من لحظات الشوق الممهور بالألم والمكابدة للارتقاء إلى مقام تروي فيه ظمأها تقول: نجيء ظماء بأقصى اشتعالاتنا لنسلك هذا الطريق الشهي الذي بيننا............. ترى مقامات ماء على مد أشواقنا ......................................... 1 - المكابدات: 2 - ..........: 15 3-................: 16 وحين سلكنا طويلا نرش لظانا على دربنا وقلنا: " اخترقنا مقام الجنون احترقنا بكشف الفنون تجلى الحبيب بساتين شدو تموج على كفنا (4) النص أعلاه، يسفر عن حالتي: الاحتراق والاختراق، باعتبارهما، فضاء تسبح فيه الشاعرة .، حيث يشكل مشهدا دراميا بين مقامين متضادين. بين مقام التخلي/ الاحتراق ومقام التجلي/ الاختراق تقول: هنا شمعدان تشظى فتونا إذا القلب في سبحات المجال احترق فصولا من الجمر والثلج لم تخترق(5) إن اختراق مقام الحبيب، يعد خلاص الشاعرة من كل هذه المشاق والمرارة. فالشاعرة تغوص في ثنايا اللحظات الصوفية،التي تتجاوز فيها العالم المرئي من خلال سفر روحي. لذا فان احتراقها: اختراق لعالم الكشوفات ،التي تتراءى لها من خلال وجدها وشطحاتها الصوفية. و تؤهلها لعالم تسمو فيه الروح للظفر بالحبيب تقول: لوجهك أشعلت كأسي وشمسي وهيأت للوجد شعري وعطري اشتياقي احتراقي(6) والملاحظ أن الاحتراق، الذي يدثر المتن الشعري يعبر عن: حالة انحباس وجداني، يحنق مشاعرها الجياشة. كما أن بعضه يتعلق بلحظة الخجل والانبهار كقولها: ويحرسني في أقاصي الهوى ظمأ عند شط النهر كما أن بعض مشاهد الاحتراق تتعلق بتذوق المأساة تقول: تذوقوا الغيب المتضمخ في أكؤس بردها أوقدها(7) تتغير مشاهد الاحتراق. إلاأن الحالة الاختراقية، لعالم الوجد، تظل ميسما من مياس تجربة الشاعرة الصوفية. للبحث عن حالة جديدة ترتقي إليها. تقول: لعلي أصوغ من الوجد أغرب شكل .............................. ستحرقني منك هذي الحروف(8) والشاعرة، تبدو من المخلصات للإشارات الحر وفية ،حيث تصوغ من الحروف عتبة للخرق. والحرف والخرق، لهما معنى من معاني الجناس التصحيفي لكون أحدهما يزيد عن الآخر بنقطة. والنقطة هي سر الحقيقة عند التصوف، كما هو الأمر عند إمام التصوف، محمد أبو عبد الله لغزواني (مول القصور) في تسمية ديوانه الشعري ب: سر النقطة الأزلية في التعريف بالذات المحمدية. إن الحقل المتجانس من الألفاظ في المتن الشعري: اللهيب/الاشتعال/الجمر/اللظى/النار/ الزند/ الاحتراق/ الحرق/ أوقدها/ الظمأ/ .... يعد ملمحا من ملامح الهاجس الدلالي، الذي يخيم على ذهنية الشاعرة،حيث تتحول هواجسها و كل مشاعرها، إلى رماد ناتج عن الاحتراق و الاشتعال. الذي يشعل دواخلها و كل أحاسيسها فألفاظ الحقل الدلالي المعبرة عن هذه الحالة تجعل النص الشعري، كومة رماد و شظايا متناثرة. ولفظ الاحتراق أو الاختراق يتجلى من خلال عدة حمولات وصيغ من خلال المعجم: *معجم الاحتراق في ديوان مكابدات: إن الوحدة المعجمية تشكل العناصر الكبرى التي يتكون منها بناء النصوص الشعرية عند أمينة المرينى لاعتماد المعجم على اللغة باعتبارها تتمثل المستوى الرفيع و الراقي للتعبير,لدا فالمدخل لدراسة المعجم هو لغته خصوصا من حيث جوانبها المعجمية٬ فكل عملية تخص التحليل و الدراسة في الشعر لا بد لها من ملامسة اللغة سواء من الناحية الصوتية أو المعجمية أو التركيبية0و يتجلى لنا معجم الاختراق من خلال الألفاظ المكونة للغة الشعرية في ديوان مكابدات حسب الجدول الآتى: صيغها التركيبية عددها كتواترها حسب الصفحات اللفظة مشعلا/اشتعالاتنا/اشتعل/يشعلني/اشتعلت/أشعله/ اشعلنى/اشتعلت 8مرات 7-16-26-53 مشعلا ستحرقني/احترقنا/احتراق/حرق/الحرق/الحرائق/احتراقي/احترق/محرق 9مرات 24-29-44-46-50-66-72- 123-126 ستحرقني اللظى/تلظى/ لظانا/ لظاها/اللظى/ اللظى جمره/الجمر/بجمره/الجمر/الجمر 6مرات 6 مرات 13-21-29-44-100-123- 7/45/58/92/104/121 اللظى الجمر نارا/ناره مرتان 13-127 نارا زنده مرة واحدة 15 زنده لهيبي/ لهيب/ ملتهب/ لهبل/ لهيب/ اللهيب/ اللهيب 7مرات 22-50-57-57-73-81-95 لهيبي ﻈمأ/ﻈمأ/ﻈمأ/ﻈمأ 4مرات 26-70-103-124- ﻈمأ انطفاء/يطفئ مرتان 43-106 انطفاء شمعدان مرة واحدة 44 شمعدان وفدها مرة واحدة 66 وفدها اكتويت/ انكويت مرتان 117-131 اكتويت رماد مرة واحدة 95 رماد المجموع:50 لفظة تدل على الاحتراق يتضح لنا من خلال الجدول أعلاه أن الحقل المعجمي الدال عل الاحتراق من أغنى المعاجم لدى الشاعرة أمينة المرينى انه احتراق الذات واحتراق المدنس من أجل الحفاظ على الجوهر وصفاء الروح، وكل ما هو مقدس. إن التشكيل اللغوي للفظة احترق والتي وردت تسع مرات يوحي بتجنيس اشتقاقي لكل دلالات اللفظة، ولكل مكوناتها الصرفية والتركيبية حيث وردت مرة فعلا ماضيا بضمير الجماعة- احترقنا- ثم فعلا مضارعا – ستحرقني- ثم في صيغة افتعال احتراقي ثم وردت في صيغة المبني المجهول –فتحرق- ثم وردت صفة مشبهة- حرق- ثم بصيغة مصدرية –الحرق- ثم بصيغة منتهى الجموع- الحرائق-. لقد وظفت الشاعرة لفظة الاحتراق بصيغة الشمول والتعميم لأن عملية الاحتراق مست كل المكونات المحيطة بالشاعرة والعملية نفسها تنسحب على لفظة الاشتعال التي وردت ثماني مرات مدثرة أغلب النصوص. كما إن لفظتي : الاحتراق/ الاختراق تشكلان تجنيسا سمعيا نظرا للعلاقةالتواشجية التي تربط بينهما في الحقل الصوفي . إن تيمة الاحتراق تشكل نصا إبداعيا تبحث فيه الشاعرة عن كل ما يدفئ مفاصل مجتمعنا التي أصابها الوهن بفعل الجمود والركود والبرودة التي تسري في الشرايين،لتجاوز حالة الرتابة وإشعال نار الحركية للارتقاء إلى عالم الطهارة وإحراق كل ما هو مدنس. إنه الاحتراق الذي سيبدد عتمة الجهل والظلم والتخلف. ويزيل ا لغشاوة عن النظرة القاصرة. إن لغة الاحتراق تحيل على عالم آخر انه عالم التصوف الذي يتجاوز الذات، وكل ما يعلق بها من مدنس يجعل الشاعرة تتيه في عالم الكشف في اتجاه الوجود العرفاني ويستحيل الاحتراق اختراقا تقول الشاعرة: وحين سلكنا طويلا نرش لظانا على دربنا وقلنا: " اخترقنا مقام الجنون احترقنا بكشف الظنون" (9) إن الشاعرة تبحث عن اختراق الكون العجائبي للظفر بمقامات علوية إن المتن الشعري عند أمينة المر يني يبدو لهيبا كالجمر لايقدر احد على الإمساك به إلا من أوتي الصبر والجلد والحلم أو من كان في حالة الجذب والوجد الصوفيين. إن معجم الاحتراق هو تسريح للألفاظ للوقوف على سلوكها اللغوي في مقامات متباعدة في كل مقام احتراق ثم اختراق إلى لحظة التسامي والطهرانية. واللغة عند أمينة المريني تلبس حلة صوفية وتنزاح عن معانيها المعجمية إلى معاني ذات دلالات جديدة.حيث تشكل لغة شعرية خاصة مع اعتماد التأمل والخرق والانزياح وهذا مايعبر عن ملمح الجمال في شعرها من خلال الصورة الشعرية. * صورة الاحتراق : تظهر صور الاحتراق من خلال بعض التراكيب الضدية والمتقابلة كقولها: مرشوش هذا الطين بصحو الثلج وملتهب (10) وقولها: تجرد فتاي الشفيف ترابا ونارا وماء كما تتجلى الصورة الاستعارية المعبرة عن الاحتراق والحرقة بصيغ بلاغية جميلة في قولها: ليلته رأى خافقي مشعلا في الدجى عشقه راشفا جمره لو درى- لبثني أنني جئت إليه(11) إنها استعارة تمثيلية، لحالة الولع والشوق والصبابة وحرقة الوجد. حيث جعلت العشق يشتعل كما جعلت الجمر يرتشف. ولذلك فان اللغة ،عند الشاعرة أمينة المريني، تمتاز بانزياحاتها، عن كل ماهو عاد ومألوف،حيث ترتدي من الإيحاء، والرمز والتشبيه والاستعارة، مايجعلها متميزة. مما يخرجها عن المعتاد والمتداول. لقد حققت الشاعرة أمينة المريني: قمة النضج الفني فا ستطاعت أن ترقى إلى قمم عالية، لتذويب الجليد بشعلتها الوقادة.، تاركة وراءها، كل إنتاجات المدنس كالتفل،والتي تلهت وراء نعيم البطون والأجساد والمعبرة عن الترهات والهرطقات والخربشات وكل مايهيم في وادي الزندقات. والتي تقف عند حدود جغرافية الجسد ونزوات العاطفة الكاذبة. إنها تلك الإنتاجات الغريبة والمشوشة على الابداع والمرفوعة فوق هامة الزمن الثقافي الممسوخ. ولذالك فان الشاعرة أمينة المر يني تحترق من اجل إشعال فتيلة النور وغير آبهة بالمتعة الجسدية. بل ترنو الى ماهو إنساني وحضاري في اتجاه الأفق البعيد انه عالم الصفاء والطهارة. وعلى العموم فان ديوان المكابدات يتميز بملكته الموضوعية، في بناء بهاء جمالي للقصيدة العربية المغربية التي تنزاح بأنات الاحتراق إلى هذا السمت من الخطاب الشعري الاختراقي . في اكادير 18/7/2010