عرض/عوض الرجوب يعالج كتاب "المجتمع المدني والتمويل الأجنبي: آفاق أم تحديات؟" ظاهرة عامة منتشرة، وهي اعتماد المؤسسات غير الحكومية على التمويل الذي تقدمه الجهات المانحة، والارتباط الوثيق ما بين التمويل والأجندات السياسية. ويقول مؤلف الكتاب الأكاديمي والكاتب السياسي الدكتور ماهر الجعبري، إن العالم يشهد صراعا مريرا بين الثقافات والحضارات، وتضاربا حادا في المصالح بين الدول وأصحاب المبادئ، وهيمنة استبدادية من قبل الدول ذات النفوذ العالمي. أهمية الكتاب -الكتاب: المجتمع المدني والتمويل الأجنبي: "آفاق أم تحديات؟" -المؤلف: ماهر الجعبري -عدد الصفحات: 320 -الناشر: صوت القلم العربي للنشر والتوزيع -الطبعة: الأولى/2010 يعتمد الكتاب -الذي يصفه مؤلفه بأنه حصيلة بحث فكري استهدف دراسة واقع وعمل المؤسسات غير الحكومية (أو منظمات المجتمع المدني)، وآليات عملها وحركيّاتها في المجال السياسي والفكري- على المعالجة الفكرية والسياسية في البحث، وليس على الأسلوب الأكاديمي، وإن لم يخل من ملامحه. ويسعى المؤلف من خلال صفحات الكتاب إلى تقييم مستوى التخريب الفكري والسياسي الناتج عن نشاطات المؤسسات غير الحكومية وبرامجها، وكشف المحاولات الغربية في تفعيل وتسخير المجتمع المدني في الصراع مع الأمة الإسلامية. ويذهب إلى أبعد من ذلك، بمحاولة "تحريك المخلصين من أبناء الأمة للقيام بدورهم في القوامة على فكر المجتمع وحسه، وبالتالي مراقبة ومحاسبة التيار الذي يحرّك هذا المجال الأهلي ويتحرك فيه". يعالج الكتاب مسألة التمويل الأجنبي في ستة محاور، فيبدأ بمحور المجتمع المدني، والمفاهيم التي يقوم عليها، ثم ينتقل للحديث عن المجتمع المدني في الواقع الحالي للأمة الإسلامية. بعد ذلك يدخل المؤلف في صلب الموضوع بالحديث عن التمويل والمؤسسات والجهات المانحة والدولية، ودور منظمات المجتمع المدني كجسور للتطبيع مع الكيان اليهود. يقول المؤلف إن إعداد الكتاب بدأ من الرصد الشخصي لعمل المنظمات غير الحكومية، والمتابعة الميدانية المبنية على خبرة مهنية، من خلال عمله البحثي والأكاديمي والإداري، واتصاله المباشر بشؤون التمويل والجهات المانحة وبرامج المجتمع المدني. المجتمع المدني تضمّن الكتاب عرضا مفصلا ومناقشة واسعة لخلفيات المجتمع المدني في الفكر الغربي، ومقارنة إسقاطاته على الفكر الإسلامي، حيث رجع المؤلف فيه إلى أدبيات الكتّاب من مختلف الخلفيات، وناقش رؤاهم من منظور فكري وإسلامي. وضمن ذلك العرض تطرق الكتاب إلى الخلفية التاريخية للمجتمع المدني، حيث برهن على وجود افتراق بين الخلفية التاريخية للأمة الإسلامية وبين الخلفية التاريخية للمجتمعات الغربية في العصور الظلامية الوسطى، ومن ثم تساءل عن مبررات استيراد مفاهيم نشأت وترعرعت في بيئة غريبة عن تاريخ الأمة الثقافي. ومن خلال نقاشه لخلفية المجتمع المدني التنظيرّية، وارتباطه بموضوعات التنمية والسياسة. بيّن أن المجتمع المدني ينشط لدى تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها التنموية، مبينا أن الإسلام لا يسمح للدولة بالتقاعس، بل يوجب محاسبتها إذا قصّرت، وليس سد ثغراتها من خلال تأسس مؤسسات أهلية تجبر عجزها. " برهن المؤلف على اعتماد العديد من السياسات الغربية على أدوات المجتمع المدني، من خلال الاستشهاد ببعض الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث والإستراتيجيات الأميركية، مثل مركز نيكسون ومؤسسة راند وغيرهما " وفي استعراضه للأدوار العالمية في دفع المجتمع المدني وفي ترويجه بين المسلمين بالبلاد العربية وغير العربية، عرض المؤلف نماذج من أعمال الدول الغربية ومن الاتفاقيات الدولية التي تعبّد الطريق أمام المجتمع المدني، إضافة إلى التمثيل لطبيعة حضوره في بلدان أخرى غير إسلامية مثل روسيا. وخلص في هذا المحور إلى وجود فرق بين المنظور الغربي والشرقي في النظر للمجتمع المدني، وبرهن على اعتماد العديد من السياسات الغربية على أدوات المجتمع المدني، من خلال الاستشهاد ببعض الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث والإستراتيجيات الأميركية، مثل مركز نيكسون ومؤسسة راند وغيرهما. مفاهيم في المحور الثاني من الكتاب، دحض المؤلف كافة المفاهيم التي يقوم عليها المجتمع المدني، مثل الليبرالية والديمقراطية التي يعتبرها مناقضة لمبدأ التشريع الإلهي، إضافة إلى تفريقه بين مفهوم "المواطنة" في أدبيات المجتمع المدني كمفهوم علماني، وبين مفهوم "التابعية" في الفكر الإسلامي. كما فرق بين مفهوم التعددية على مستوياتها المختلفة وبين الاختلاف الفقهي في الإسلام، وكذلك بيّن أن مفاهيم حقوق الإنسان -وإن كانت تتقاطع في بعض تفصيلاتها مع بعض الأحكام الشرعية- إلا أنها منبثقة عن خلفية تاريخية أوروبية غريبة عن تاريخ وثقافة الأمة الإسلامية. وناقش الكاتب مفهومين إسلاميين لهما صلة بالمجتمع المدني، وهما التكتل والرعاية، حيث بين أن التكتل والعمل ضمن جماعات هو أمر مشروع في الإسلام، إلا أن دوره محصور في العمل التوعوي والسياسي (النظري)، وليس في المجال الرعوي (التنفيذي)، لأن الرعاية التنفيذية لشؤون الناس منوطة فقط بالدولة في الإسلام. واقع المنظمات وفي دراسته لواقع المنظمات غير الحكومية في فلسطين، عرض المؤلف دوافع القائمين عليها وصنّف برامجها ونشاطاتها وأهدافها، حيث شدد على ضرورة التمييز بين الأهداف المعلنة وأهداف القائمين على تأسيسها (الشخصية)، وكذلك الأهداف الحقيقية (الفكرية والسياسية) التي تسعى لها الجهات التي تقف خلفها. واعتبر أن الأهداف "الإنسانية" وتحسين جودة الحياة للإنسان هي الغلاف الذي يغلف الحقيقة، أما الهدف العام الذي يعبر عن حالة العديد من القائمين على هذه المؤسسات فيتمثل في النفعية المادية أو الوصول إلى المواقع المؤثرة، ومن ثم الظهور كشخصيات عامة في محاولات للتحول إلى قيادات مستقبلية للشارع الفلسطيني. " الأهداف "الإنسانية" وتحسين جودة الحياة للإنسان هي الغلاف الذي يغلف دوافع المنظمات غير الحكومية, أما الهدف العام الذي يعبر عن حالة العديد من القائمين على هذه المؤسسات فيتمثل في النفعية المادية أو الوصول إلى المواقع المؤثرة" ويرى أن الأهداف الحقيقية تصب في الغالب الأعم في المصالح السياسية لجهات أجنبية وفي خدمة الفكر الغربي. واستقرأ جوانب سياسية وفكرية تستهدفها الجهات المانحة منها: تحسين صورة الدولة (أو الدول) التي تقف وراء المنح، ونشر الأفكار الغربية من خلال دعم برامج وحملات ترويج فكرية، والترويج للسياسات والأهداف السياسية والمصالح الغربية. وذكر من الأهداف أيضا: تجنيد الرجال وكسب ولاءات الشخصيات العامة من القائمين على بعض المؤسسات لدول أو توجهات معينة، وبسط الدول للنفوذ والسيطرة والتواجد على الساحة السياسية والمزاحمة حول الموقف الدولي، والحصول على معلومات إستراتيجية من خلال الدراسات التي يتم إعدادها حول الناس والأرض والموارد والتوجهات، وبرهن على تحليلاته من خلال توثيق البحث بعشرات المصادر لكتّاب من مختلف الخلفيات الفكرية والسياسية. الجهات المانحة وفي حديثه عن واقع الجهات الأجنبية المانحة، استشهد بأدبياتها التي تنشرها، ورأى أنها تنفّذ أجندات سياسية وتخلق طبقة من الشخصيات التي تسير ضمن البرامج الغربية. وأبرز فصلا خاصا بارتباط عمل المؤسسات غير الحكومية بترويج التطبيع مع المحتل اليهودي، مستشهدا بالعديد من الجهات التي تنفّذ مشاريع مشتركة مع مؤسسات وأكاديميين من الكيان اليهودي. وعرض نماذج للعديد من الجهات المانحة التي تشترط برامجها تمويل مشاريع تطبيعية، بعدما أسس فكريا وإسلاميا لدحض مفاهيم التطبيع. ومع أن الكتاب ركّز على الواقع الفلسطيني، فإنه مع ذلك تضمّن إطلالة على واقع وتشريعات المجتمع المدني ببقية العالم الإسلامي، حيث اعتبر المؤلف "هذه الظاهرة عامة تتطلب لفت الانتباه في البلاد الأخرى