بين الهجوم الحكومي والدفاع النقابي المفقود بقلم: الحسن العزاوي الفهرس مقدمة 1- بنية المجتمع المغربي 1.1- أهمية "الطبقة الوسطى" 2.1- من مفاهيم "الطبقة الوسطى" 3.1- من "الطبقة" إلى الطبقات الوسطى 4.1- مميزات الطبقات الوسطى بالمغرب 1.4.1- حسب معيار الدخل 2.4.1- الوزن الاقتصادي للطبقات الوسطى من حيث الدخل والاستهلاك 5.1- عود على بدء 2- الظرفية العامة 1.2- العواقب الاجتماعية للخوصصة 2.2- مخلفات الاختلاسات 3.2- بين دعم صندوق المقاصة وتحرير الأسعار 4.2- غلاء المعيشة والاحتجاجات 5.2- انتخابات 2007 أو يوم الاحتجاج الأكبر 6.2- تقاطر التقارير الدولية والرتب المتخلفة للمغرب 7.2- وأخيرا... النضال النقابي 1.7.2- فصول 2008 والتسخينات النقابية 2.7.2- فصول 2009 واتساع الهوة مقدمة عملية الحوار الاجتماعي بالمغرب، لم تدشن إلا في منتصف تسعينيات القرن العشرين. ذلك حين اجتمعت الحكومة جنبا إلى جنب مع النقابات الممثلة للمأجورين ونقابة أرباب العمل سنة 1996. كان الهدف من العملية هو استصدار سلم اجتماعي بعد تحقيق توافق سياسي جمع كل الأطياف الحزبية المشاركة في البرلمان آنذاك. عرفت مسيرة الحوار الاجتماعي عدة تعثرات تجلت إما في توقفها وغيابها عن المسرح الاجتماعي، وإما في عدم تنفيذ الاتفاقات المبرمة، وإما في هزالة نتائجها وخروج أطراف الحوار أكثر فرقة وتناقضا كما هو الحال الذي طبعت به الجولات الحوارية لسنة 2009. فما هي الظرفية العامة التي قدّر للحوار الاجتماعي أن يجري فيها خلال سنة 2009؟ ما هي الخلفيات والمطالب التي حركت الشركاء الاجتماعيين الرئيسيين خلال جولات هذا الحوار؟ وما هي ردود الفعل التي خلفها إعلان الحكومة من جانب واحد، عن نتائج الحوار الاجتماعي؟ 1- بنية المجتمع المغربي إن معرفة البنية الاجتماعية مسألة تفرض نفسها وبإلحاح، على أصحاب القرار من جهة، وعلى الدارسين والفاعلين الاجتماعيين على العموم من جهة أخرى. 1.1- أهمية "الطبقة الوسطى" مبدئيا، تعتبر الطبقات الوسطى هي حجر الزاوية بالنسبة لكل المجتمعات. كما أن عدة خطابات فلسفية وسياسية تقدم الطبقات الوسطى على أنها الدعامة الرئيسية للمجتمعات، نظرا لما لها من دور، إما كمحرك للتغيير المجتمعي، وإما كعامل استقرار له وللنظام السياسي القائم. وفيما يتعلق بالمغرب، فإن المحللين يعترفون بصعوبة تحديد مفهوم "الطبقة الوسطى"، وذلك مادام سؤال كيف تنشأ الثروة بالمغرب ليس له جواب واضح، ومادام دورها السياسي يحمل كل الألوان. 2.1- من مفاهيم "الطبقة الوسطى" تبعا للمقاربة الماركسية، يعتبر المجتمع الرأسمالي مجتمعا ذا قطبين متصارعين يتكونان من: طبقة بورجوازية وطبقة عاملة. وبناء عليه، فإن الطبقة الوسطى تشكل فئة خليطة تتموقع بين القطبين الأساسين. وبهذا تبقى الطبقة الوسطى محكوما عليها أن تتبنى سلوكا انتهازيا "لفائدة هذا القطب أو ذاك حسب المصالح المتعارضة لمكوناتها وظرفية النزاعات الاجتماعية والسياسية" [1]. في حين جاء ماكس ويبر بمعايير نقيضة لتعريف الفئات الاجتماعية. وقد اعتمد في توجهه على التحولات التي طرأت على "المجتمعات ما بعد الصناعية وهيمنة اقتصاد المعرفة وارتقاء فئات اجتماعية جديدة في الدوائر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية." [2] 3.1- من "الطبقة" إلى الطبقات الوسطى إذا كان التحليل الماركسي أصبح متجاوزا عند عموم أهل الاختصاص، فإن المفهوم الذي أصبح متداولا يعطى بصيغة الجمع أي: الطبقات الوسطى. فهي الصيغة التي نالت الحظ الأوفر في التعريف بها من حيث "الخصائص التي تتميز بها والاستراتيجيات التي تتبناها على اختلاف مكوناتها السوسيومهنية والثقافية والسياسية" [3]. ومن هنا فهي اليوم "تستقطب اهتمام الفاعلين في ميادين التسويق التجاري والسياسي على السواء" [4]. وبهذا أصبح مفهوم الطبقات الوسطى يتم تحديده ب"ترجيح زاوية الفوارق الاجتماعية وتحليلها على أساس مراقبة اقتصادية تعتمد مقاييس توزيع الدخل ومستوى المعيشة." [5] 4.1- مميزات الطبقات الوسطى بالمغرب 1.4.1- حسب معيار الدخل الدراسة التي نشرتها المندوبية السامية للتخطيط[6] أعطت مميزات الطبقات الوسطى بالمغرب. فهي حسب معيار الدخل، تضم 53% من مجموع السكان مقابل 34% بالنسبة للطبقة المتواضعة و13% للطبقة الميسورة[7]. والطبقات الوسطى حسب الدراسة ثلاث فئات من حيث متوسط الدخل الشهري لكل أسرة، وذلك بالرجوع إلى الوسيط الحسابي المسجل على المستوى الوطني (3500 درهم) والمتوسط الوطني (5308 درهم). وهكذا فإن: - الفئة العليا، وتمثل 28% من الطبقات الوسطى، يفوق دخلها 5308 درهم. - الفئة المتوسطة، وتمثل 42%، يتراوح دخلها بين 3500 و5308 درهم. - الفئة الدنيا، وتشكل 30%، يقل دخلها عن 3500 درهم. 2.4.1- الوزن الاقتصادي للطبقات الوسطى من حيث الدخل والاستهلاك تشكل الطبقات الوسطى 44% من دخل الأسر؛ و49% من نفقات استهلاك الأسر. وتعتبر الأجور من أهم مصادر دخلها (44,5%)، في حين تخصص نفقاتها الاستهلاكية للتغذية والسكن بحوالي 66% (مقابل 75% لدى الطبقة المتواضعة)، وتخصص للنقل والمواصلات 9%[8]. إلا أن المثير هو أنه إذا كان مستوى الدخل عند الفئة العليا من الطبقات الوسطى، يفوق مستوى النفقات بنسبة 8%؛ فإنهما يتساويان (!) بالنسبة للفئة المتوسطة؛ في حين يقل مستوى الدخل عن مستوى النفقات بنسبة 12% لدى الفئة الدنيا من الطبقات الوسطى![9]. لذا، نرى أنه من المشروع طرح الأسئلة التالية: أليست الطبقات الوسطى بالمغرب في وضعية هشة؟ ألم تبين الدراسة أعلاه أن نسبة الأسر المدينة (من المديونية) من الطبقات الوسطى تصل إلى 31%؟ وأن قروض الاستهلاك العادي تقدر بنسبة 59,3%؟ هذا، وبناء على ما سبق، كيف هو حال الفئات المتواضعة إذا كان هذا هو حال فئات الطبقات الوسطى؟ 5.1- عود على بدء إذا كانت دراسة المندوبية السامية للتخطيط بيّنت أن الطبقات الوسطى تمثل الأغلبية الاجتماعية(53%)، وختمت دراستها بكون هذه الطبقات تقترب من الطبقات الميسورة أكثر منه من الطبقات المتواضعة، فماذا سيكون الوضع لو أخذنا بمنتقدي هذه الدراسة[10] حيث يفيد هؤلاء أن الطبقات الوسطى لا تتعدى 30%؟ فهل ستصبح نسبة الطبقة المسماة في دراسة المندوبية "متواضعة" هي: (30-53) + 34 = 57%، وبالتالي تصبح الطبقة المتواضعة، حتى لا نقول الفقيرة، تمثل الأغلبية؟ فعن أي استقرار اجتماعي يتم الرهان عليه في ظل الفقر؟ وماذا لو أضفنا هشاشة الطبقات الوسطى؟ 2- الظرفية العامة 1.2- العواقب الاجتماعية للخوصصة إذا كانت الخوصصة هي تفويت مؤسسات عمومية إلى مستثمرين خواص مغاربة كانوا أو أجانب، فقد كان الهدف المعلن من ورائها هو أنها ستساعد الاقتصاد الوطني على الإقلاع. لكن تطبيقها على أرض الواقع كانت له مجموعة من العواقب الوخيمة على المستوى الاجتماعي. فتبعا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية، نهج المغرب سياسة التخلي عن مجالات اجتماعية حيوية: التعليم والصحة والسكن والشغل. مما جعل الحقوق الأربعة المرتبطة بها تضيع من أيدي الفقراء وكذلك الطبقات الوسطى. فالتعليم أصبح ينتج خريجين جامعيين بشهادات غير ملائمة لسوق الشغل فاستفحلت ظاهرة المعطلين حملة الشهادات بما فيها الدكتوراه. أما التراجع عن مجانية العلاج فخلق ضحايا من الشرائح العريضة التي لم تضمد جراحها منذ خروج المعمر الأجنبي! كما أن رغبة الدولة في جلب الاستثمارات الخارجية دفعتها إلى ممارسة ضغوط على المأجورين سواء من خلال التكبيل القانوني (مدونة الشغل نموذجا)، أو من خلال القمع والمنع لكل أشكال الاحتجاجات العمالية، وقد وصل الأمر إلى درجة التسريح الجماعي ولم تتحرك الدولة. وهذا ما جعل النقابات تضع الحريات النقابية في مقدمة مطالبها. وبالفعل فقد دخل الأجانب على خط الاستثمار المغربي بشكل مكثف، إذ بلغت حصة المستثمرين الأجانب المقتنين للمؤسسات المخوصصة بالمغرب 82,4%، مقابل 17,6% للمستثمرين المغاربة[11]. وهو ما يرهن الاقتصاد الوطني في أيادي مؤسسات الرأسمال الدولي التي، بطبيعتها، لا تبالي بالهم الاجتماعي. ولعل ما زاد الطين بلة، أن معظم عائدات الخوصصة، بدل أن تصرف في الاستثمار المنتج –وللتذكير فقد كانت المؤسسات التي شملتها الخوصصة منتجة بامتياز!- فقد تم صرفها إما في سد عجز ميزانية التسيير للحكومات المتعاقبة، وإما ضخت في صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي لا يخضع لأية رقابة قبلية ولا بعدية سواء من طرف الحكومة أو البرلمان. هذا وإن المبادرات التي مولها الصندوق المذكور اتخذت كلها – منذ سنة 2000- من طرف الملك. فأصبحت لا ترى للحكومة حركة، ولا تسمع لها صوتا، بل غُيّبت تماما اقتصاديا واجتماعيا، وأُبعد البرلمان. فكان لهذا التهميش أن زاد من تقليص دور هذه المؤسسات العمومية، والأدهى والأمر أنه جعل الكثير من مهامها عرضة للتفويت لصالح مكاتب الدراسات وخصوصا الأجنبية منها! 2.2- مخلفات الاختلاسات الاختلاسات، أو ما سمي بالكوارث الاجتماعية نظرا لارتباطها المباشر أو غير المباشر بقطاعات اجتماعية واسعة، مست أرزاق العباد، وزعزعت الثقة والاطمئنان على المال العام. فكان أن أسست جمعيات تعنى بحماية المال العام، كما أقيمت محاكمة رمزية لخمسين سنة من نهب وإهدار المال العام بالمغرب، كان المتهم فيها هو الدولة المغربية[12]. يكفي أن نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، بسرقة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (115 مليار درهم)، وهو أحد أكبر صناديق الحماية الاجتماعية بالمغرب. قدر الادعاء العام للمحاكمة الرمزية أن هذا المبلغ وحده كاف لتوفير 4 ملايين منصب شغل، أو بناء 22400 مدرسة نموذجية، أو بناء مليون و67 ألف وحدة سكنية اقتصادية، أو 25000 مستشفى متوسط. ثم قضية القرض العقاري والسياحي (8 مليار درهم)، قضية القرض الفلاحي، وهلم جرا. هذا وإذا أضفنا أن وضعية صناديق التقاعد صعبة للغاية[13]، فإن من الخيارات المطروحة، والتي تنعكس سلبا على فئة المأجورين، هي الرفع من السن الموجب للتقاعد ومن الاقتطاعات، وهو، إذا ما تم، سيزيد من التوترات الاجتماعية، وينقص من المردودية، نظرا للتقدم في السن. 3.2- بين دعم صندوق المقاصة وتحرير الأسعار يتركز دور صندوق المقاصة في دعم مواد الاستهلاك الأساسية بهدف الإبقاء على أسعارها مستقرة وخصوصا عند تقلبات أثمان تلك المواد. وهذا الدعم يعتبر جزءا غير مباشر من أجور العمال، وتخفيفا وحماية للفقراء ومحدودي الدخل. إلا أن السياسات المتعاقبة للدولة عملت تدريجيا على إلغاء الدعم أو تقليص نسبته، حتى أنه لم يبق إلى حدود سنة 2009 إلا السكر؛ والدقيق المسمى وطني؛ والبوتان، بعد أن كان الدعم يشمل كلا من الحليب والزبدة والزيوت ودقيق القمح الصب ومواد فلاحية أخرى. هذا ويشكو نظام المقاصة من عدة اختلالات أهمها عدم فعالية المؤسسات المسيّرة، وتقليص الميزانية المرصودة إليه خلال سنة 2010 إلى 14 مليار درهم فقط[14]. كما أن هناك تخوفات كبيرة مما سمي مشاورات بين الحكومة والمجموعة الاحتكارية "أونا" بالخصوص، بقصد الدفع إلى التحرير الشامل للأسعار، بعد أن أصبحت هذه المجموعة تحتكر إنتاج السكر، وتهيمن على المطاحن والزيوت و...، وإن كانت تعتبر حاليا المستفيد الأول من دعم صندوق المقاصة.[15] 4.2- غلاء المعيشة والاحتجاجات في ظل الهشاشة الاجتماعية التي يعرفها المغرب، والبطالة، وتراجع مجانية المجالات العمومية المفصلية، والمضاربات التي تغيب فيها المنافسة الحقيقية، والاختلالات التي تعرفها معظم الصناديق، إضافة إلى ارتهان الدولة في أيدي الرأسمال الخارجي، وتخليها عن أمنها الغذائي لضمان الاكتفاء الذاتي، على الأقل، من المواد الأساسية. فإن الدولة لم تستطع أن تصمد أمام التقلبات، فرفعت أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والطاقة مما ضاعف أسعار جميع المواد والخدمات. وكنتيجة حتمية، اشتدت الاحتجاجات الجماهيرية، أو ما أطلق عليه الانتفاضات على ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وخدمات الماء الشروب والكهرباء، وذلك منذ شهر أكتوبر 2005. هذا الغلاء لم يصاحبه ارتفاع في الأجور للطبقة العاملة التي وجدت نفسها أقرب ما تكون إلى الفقراء من عامة الشعب. وقد تزامنت تلك الاحتجاجات مع الصخب الإعلامي الذي واكب الإعلان عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ ماي من نفس السنة، والتي أعلنت عن محاربة الفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين. وهذا يعني أن المشاكل أعقد من أن تحل بذر الرماد في العيون. كان هذا الاحتجاج في غياب أي حراك يذكر، نقابي كان أو سياسي للأحزاب، اللهم بعض التنظيمات المرتبطة عضويا بالجماهير. وقد فسر بعض المحليين هذا الغياب بمثابة انحياز للسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي تنهجها الدولة. واعتبرها البعض الآخر، تفويتا لفرصة الضغط على الدولة لإعادة القطار الاجتماعي إلى سكته. 5.2- انتخابات 2007 أو يوم الاحتجاج الأكبر جاءت الانتخابات التشريعية بالمغرب ليوم 7 شتنبر 2007، لتعطي للشعب فرصة التعبير عن رفضه للسياسات الرسمية وخصوصا الاقتصادية والاجتماعية. فكان التعبير واضحا انطلاقا من النتائج المهولة للمقاطعة التي تجلت أولا في الامتناع عن التسجيل، ثانيا الامتناع عن التصويت، فلم تتجاوز نسبة المصوتين 37% من عدد المسجلين (57% منهم ليس لهم أي مستوى دراسي)، ناهيك عن أن 5/1 الأصوات المدلى بها اعتبرت ملغاة وهو نوع ثالث من الاحتجاج [16]. وهكذا فإن التساؤل حول مشروعية مجلس النواب الذي انبثق عن هذه الانتخابات يكتسب كامل الموضوعية. وطبعا ما يقال عنه يقال عن الحكومة وباقي المؤسسات الأخرى. 6.2- تقاطر التقارير الدولية والرتب المتخلفة للمغرب إن تقرير الأممالمتحدة للتنمية البشرية لسنة 2007/2008 وضع المغرب في الرتبة 126 من بين 170 دولة شملها التقرير، وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات من بداية العمل بالخطة الوطنية للتنمية البشرية. وهذا الترتيب أكد الفرق الواضح بين البهرجة الإعلامية وبين الواقع الميداني. وللتأكيد تراجعت رتبة المغرب إلى 130، سنة 2009. هذا ومن المعلوم أن تقرير الأممالمتحدة يرتكز على مؤشر الوضع الاجتماعي والمستوى العلمي والثقافي والدخل الفردي والرعاية الصحية والاجتماعية. وجاء الترتيب العالمي الخاص بمؤشر الفساد لسنة 2008 ليضع المغرب، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، في الرتبة 80 بعد أن كانت 72. وقد أكد معه جل الخبراء على عدم حصول تطور في محاربة الرشوة. هذا وقد أصبح في الربتة 89 سنة 2009. وتراجع المغرب من المرتبة 48 إلى المرتبة 63 (سنة 2009) في ترتيب المؤشر العالمي للسلم والاستقرار. ويخلص التقرير إلى أن الدول الآمنة هي في الغالب من توجد فيها مستويات عالية من الديمقراطية والشفافية. ونختم بتقرير "مؤشر الدول الفاشلة" الذي يحتل فيه المغرب الرتبة 93 من بين 178 دولة على الصعيد العالمي، بعدما كان في الرتبة 86 خلال سنة 2007. وحسب التقرير فإن المغرب يوجد في درجة الخطر ضمن خريطة الدول الأكثر هشاشة، والأقل فعالية في العالم. 7.2- وأخيرا... النضال النقابي بعد تنصيب حكومة عباس الفاسي التي اضطرها الضغط الشعبي، حين تلقت الضوء الأخضر من فوق، لتخصيص أزيد من 20 مليار درهم من أجل تدعيم صندوق المقاصة، وبعد هدوء نسبي لعاصفة احتجاجات المواطنين، وتنامي الجدل حول تهرب النقابات من مسؤوليتها[17]، وبعد "تحزيب" تنسيقيات مناهضة الغلاء، بل ومحاولات مخزنتها مما أدى إلى ظهور بوادر الخلافات التي هددت استمرارها، مما أدى في الأخير إلى تجميد التنسيق. إذاك تململت النقابات لوحدها لتطالب بفتح حوار اجتماعي فأعلنت إضرابا إنذاريا يوم 13 فبراير 2008 في صفوف الوظيفة العمومية، شارك فيه كل من الفيدرالية الديمقراطية للشغل (ف.د.ش)؛ الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (إ.و.ش.م)؛ الاتحاد المغربي للشغل (إ.م.ش)؛ والمنظمة الديمقراطية للشغل (م.د.ش). 1.7.2- فصول 2008 والتسخينات النقابية بدأ الحوار الاجتماعي واستمر خلال مجموعة جولات تخللتها لعبة جر الحبل في جو لم يكن المواطنون يؤمنون بجدية تصريحات الزعماء النقابيين ولا في حكومة قاطعوا الانتخابات التي جاءت على إثرها. إلا أن الموقف اللافت للنظر جاء من قبل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (ك.د.ش). فقبيل بدء الجولة الثالثة من المفاوضات، وفي سابقة مثيرة، أعلن فريقها النيابي بمجلس المستشارين عن انسحابه من هذه الغرفة احتجاجا على غلاء الأسعار ورفض الحكومة الاستجابة لمطالب الفئات الاجتماعية المسحوقة واتهم مجلس المستشارين بأنه لا يقوم بدوره الاجتماعي بالخصوص. جاء هذا الانسحاب بقرار من المجلس الوطني ك.د.ش بتاريخ 19/04/2008 كما هددت المركزية بإضراب عام إذا لم تقدم الحكومة عرضا أحسن. وبالفعل، حدث ما لم يكن متوقعا، حين جاء الرد الحكومي من طرف واحد في نهاية أبريل 2008 ليعلن التزامات الحكومة التي تقدمت بها خلال جولات الحوار. ومن طبيعة الحال انعكس هذا الرد على مسيرات فاتح ماي 2008 التي كانت تردد شعارات مضادة للغلاء ورافضة للإعلان الحكومي. ولعل هذا ما ضخ بعض الدماء في شرايين النقابات، ونفَّس معنويا، على الأقل، على المحرومين. هذا وقد أعلنت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن إضراب عام ليوم 21 ماي احتجاجا على نتائج الحوار الاجتماعي وانفراد الحكومة بإعلان تنفيذ مقترحاتها، والإعلان عن الإضراب العام أثار لغطا كبيرا في وسائل الإعلام التي خوّفت من نزول جماعة العدل والإحسان إلى الشارع بحكم أن أعضاءها موجودون في كل قطاعات الك.د.ش[18]. وهو ما لم يتم، إذ أضرب منهم فقط المعنيون نقابيا. 2.7.2- فصول 2009 واتساع الهوة إذا كانت حكومة عباس قد أصدرت رؤيتها الخاصة بنتائج الحوار الاجتماعي غير عابئة برد فعل المركزيات النقابية، فإنها على المستوى القطاعي أصدرت من جانب واحد البرنامج الاستعجالي للتربية والتكوين فرفضته (ن.و.ت/ك.د.ش) وقبلت به باقي النقابات كأمر واقع. والوزارة المعنية دخلت في أجرأة برنامجها منذ الدخول المدرسي 2008-2009. وهناك أيضا الوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة التي "استفردت بتمرير مشروع مرسوم النظام الأساسي الخاص بهيئة متصرفي الإدارات العمومية من خارج مسطرة الحوار والتفاوض والتعاقد" [19]، وقد تمت المصادقة عليه من طرف مجلس الحكومة بتاريخ 01/10/2009 أي ليلة تجديد ثلث مجلس المستشارين بمن فيهم ممثلي المأجورين. إن الاستفراد الحكومي بالقرارات أصبح قاعدة إذن وليس استثناء، والنقابات بعضها يندد والآخر ينخرط. فيصبح الرأي العام في غياب التعبئة الجادة، لا نقول منقسما، وإنما لا مبال حتى وإن كان هو الخاسر. وذلك نتيجة التفرقة النقابية بالرغم من توحد الملفات المطلبية في عمومها. طول السنة 2009 كانت الحكومة تحاور النقابات عبر ما يمكن الاصطلاح عليه بالجناحين: جناح الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وجناح ما أطلق على نفسه "الجبهة النقابية" المكونة من المتحاورين الثلاثة: الفيدرالية الديمقراطية للشغل؛ والاتحاد المغربي للشغل؛ والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، هذا وينضاف إليها في المحطات التي تعتبرها نضالية، المنظمة الديمقراطية للشغل، وبعض النقابات المستقلة، وهي قابلة للتوسع كما تؤكده بياناتها. نستنتج أن هناك شرخا في الصف النقابي أصبحت معالمه تزيد اتضاحا، وهو أكيد، ليس في مصلحة الطبقة العاملة. ومن جانب آخر، فإن الاستفراد الحكومي أصبح سياسة حكومية تضع مصداقية العمل النقابي في الميزان. تاريخ النشر: الثلاثاء 20 أبريل/نيسان 2010 [1] أحمد لحليمي، دفاتر التخطيط، عدد 25. [2] نفس المصدر. [3] نفس المصدر. [4] نفس المصدر. [5] نفس المصدر. [6] العدد 25 من دفاتر التخطيط لشهري شتنبر/ أكتوبر 2009. [7] مصدر سابق، ص:9. [8] مصدر سابق، ص:10. [9] مصدر سابق، ص10 و11. [10] الاقتصادي إدريس بنعلي، Aujourd'hui le Maroc, 15/5/2009. [11] محمد نجيب بوليف "الاستثمار والتمويل بالمغرب بين تحديات الواقع وواقع التشريع" الحلقة السادسة: حول الخوصصة. [12] 25/3/2006، الهيئة الوطنية لحماية المال العام. [13] جريدة المساء، عدد 887. [14] جريدة التجديد، 27/10/2009، عن دراسة للمندوبية السامية للتخطيط. [15] جريدة المغربية، 01/12/2007. [16] النسب المئوية عن بيان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: 11/09/2007. [17] بيان تأسيس التوجه النقابي الكفاحي 1/09/2007. [18] جريدة الأحداث المغربية 6 ماي 2008. [19] بيان المكتب التنفيذي، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل 10/10/2009.