المشهد التربوي...إلى أين؟ غالبا ما تقوم الأسرة، وذلك من أجل تكوين نمط من السلوك عند الطفل، بالاعتماد على قصص خيالية مخيفة له ( بقصد أو بدون قصد )، وفى أغلب الأحيان نجد أن رائحة الخضوع والخوف والتعنيف تفوح من هذه القصص التي تمثل في نهاية الأمر نسقا من معايير الاتكال والتخويف التي تجعل الطفل في حالة من القلق والتوتر النفسي الدائمين، ومثل ذلك يؤدى في نهاية الأمر إلى شلل كامل في بنيته الذهبية والعقلية، لينعكس كل ذلك سلبا على تكوين الشخصية. إن اختزال العملية التربوية في جانبها المعرفي وإهمال الجانب النفسي والتربوي الذي يسعى إلى تحقيق التكامل والنمو والازدهار في شخصية الطفل، لمن شأنه أن يعطل التنمية السوية لهذه الشخصية المتمثلة في المجالات العقلية والمهارية والوجدانية.بالإضافة إلى كون الكثير من الآباء لا يتورع عن استخدام أشد أساليب العنف ضد أبنائهم إذا تبين لهم أن ذلك نافع ضمن زيادة مستوى تحصيلهم (الكمي) المدرسي. ليبقى السؤال المحوري المعروف الذي يتم طرحه من قبل الآباء على أبنائهم من حين لآخر: هل نجحت وعلى كم من النقط حصلت ؟؟؟ مما لا ريب فيه أن العنف اللاتربوي يقود إلى إنتاج الشخصية السلبية التي تعتريها روح الهزيمة والضعف والقصور، ويشكل الإطار العام لعملية " تشريط تربوي" سلبية تبدأ في إطار الأسرة وتنتهي في أحضان المؤسسات التربوية و الموازية المختلفة. ومن شأن ذلك إعاقة عملية النمو والتكامل والازدهار في الشخصية، وتعريض الأطفال والناشئة لعملية استلاب شاملة تكرس جميع مظاهر القصور والسلبية في الشخصية الإنسانية. وإذا كانت ممارسة العنف بالوسائل التقليدية قد تقلصت حقا إلى حدودها الدنيا فإن التجربة والملاحظة تشيران إلى ممارسة أنماط جديدة من العنف تتمثل في جملة من المواقف التربوية السلبية التي يبديها ( يسقطها ) بعض الأساتذة على العملية التربوية في إطار المؤسسات التربوية المختلفة. وتتجلى هذه المواقف في أساليب الشتائم والكلمات الفظة التي يطلق عنانها في قاعات التدريس ، وعلى مستوى الملاحظات الواقعية لم يتورع بعض الأساتذة عن استخدام كلمات تحقير وتبخيس متناهية الفظاظة ضد تلامذتهم وهذا غيض من فيض، ويعرف العاملون في هذا الميدان إلى أي حد يمارس بعض المدرسين هذه الأساليب اللاتربوية أثناء قيامهم بواجبهم التربوي. إن ما نعنيه بالتعنيف اللاتربوي إلى حد الهستريا يختلف إلى حد كبير عما نعنيه بالعقوبة التربوية وذلك من حيث الشمولية ودرجة العمق والتأثير. تشكل العقوبة أحد العناصر الأساسية للتشريط العنفي، فالتعنيف اللاتربوي يتكون عبر فعاليات تربوية سلبية متعددة تشكل المناخ العام لعملية تفريغ واستلاب نفسيين. وبهذا المعنى يمكن القول بأن المواقف والخبرات التربوية المؤلمة التي تضرب جذورها عبر الزمان والمكان في تاريخ الطفل تمثل الشروط الموضوعية لما يسمى التعنيف اللاتربوي. وبعبارة أخرى يمكن القول إن التعنيف التربوي يتحقق عبر سلسلة من الخبرات المؤلمة التي يعانيها الطفل عبر سيرته التربوية في إطار الأسرة والمدرسة على حد سواء. إن التربية الديمقراطية تتيح للطفل المناخ الأفضل للنمو والازدهار. وعلى خلاف ذلك فإن العنف من شأنه أن يحقق عملية استلاب شاملة للإنسان. لقد لعبت البيداغوجيات التربوية الحديثة أدوارا حضارية متكاملة في ضوء الإنجازات العلمية المتلاحقة والثورات التكنولوجية المتعاقبة. ولكن نظامنا التربوي مهما بلغت درجة تطوره وفعالياته لم يستطع أن يزيل دفعة واحدة جميع القيم التقليدية المعيقة لحركة النمو والحداثة العلمية والعملية التربوية على وجه الخصوص،لأسباب عدة لعل أهمها أنه لا وجود لأستاذ (ة) من فراغ فهو في نهاية الأمر ينحدر من بيئة اجتماعية تسودها القيم التربوية المغرقة في تخلفها وتقليديتها، إذ تتغلب القيم التقليدية على هذه التي درسها وتعلمها في إطار المؤسسات والمراكز التربوية التي أعد فيها. تسعى السياسات التربوية في أغلب المجتمعات إلى تجسيد المبدأ الديمقراطي في الشأن التربوي، عن طريق تتبنى البيداغوجيات الحديثة في مجال التربية والتكوين. ومع ذلك مازالت مظاهر العنف تجد مكانا لها بين جدران مدارسنا، ومازالت وجنات الأطفال توهج تحت تأثير اللطمات، وأيديهم ترتعش تحت وطأة العصي البلاستيكية والمساطر، ناهيك عما يتعرضون له من حملات التوبيخ والشتائم وأبجدية القهر والتهديد النفسي في إطار المدرسة والأسرة وهكذا فمن شأن ذلك كله أن ينعكس بأفدح الخسائر على مستوى نموهم العقلي والروحي والاجتماعي؟ ومن الصدف التي لا جدال فيها أن هذا الأمر يخدم إلى حد كبير المجتمع الذي يطبع نظامه التربوي بطابعه الخاص، فسمات وملامح نظام تربوي ما تعكس إلى حد كبير سمات وملامح المجتمع الذي يحتويه. إن العلاقة بين النظامين علاقة تتصف بدرجة عليا من التعقيد، فالنظام التربوي السائد هو الأداة التي يكرس فيها المجتمع وجوده ويعيد إنتاج تواصله الثقافي والسياسي والحضاري. وعلى خلاف ذلك يؤدى النظام التربوي السليم وظائف التجديد والإبداع كما يقوم بتمثل التغيرات الحضارية السامية والقيم الثقافية الجديدة بما ينسجم والتطلعات الاجتماعية نحو النهوض الاجتماعي والاقتصادي ولما كذلك السياسي... يتبع...