أجواء صاخبة في السوق المركزي في الدارالبيضاء. لكن السوق يضم قسما لا يُرَى فيه الكثير من المغاربة، بل إن معظم الموجودين فيه ينتمون إلى البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، مثل ساحل العاج وغينيا والكاميرون. ريتشارد وينونغ تقني كهربائي كاميروني يعمل أيضا في السوق. وتدير زوجته صالون تجميل في السوق نفسه. ريتشارد وغيره من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية الذين رأوا في البداية أن المغرب دولة عبور فقط في طريقه إلى أوروبا، لكنه غيّر رأيه بعد ذلك، إذ يقول "رأيت أن ذلك غير مهم بالنسبة لي، لأنني حصلت على بعض الوظائف التي بإمكاني القيام بها في المغرب. الأمور تسير على ما يرام معي، ولا حاجة للذهاب إلى أوروبا". في السنوات الأربع الماضية، حصل الآلاف من أفارقة جنوب الصحراء على وثائق إقامة مغربية، وذلك بعد مبادرتين أطلقتهما الحكومة المغربية من أجل جعل إقامة المهاجرين قانونية في المغرب. ريتشارد واحد مما يقرب من 20 ألفا من المهاجرين المنتظرين حاليا للنظر في وثائقهم بالمغرب. لديه العديد من الأصدقاء والأقارب الذين توجهوا إلى أوروبا. لكن لم تكن لكل قصصهم نهاية سعيدة، كما يقول ريتشارد "المسألة صعبة للغاية. ومنهم من فقد حياته ومنهم من نجح". محمد مبويو، من جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعيش في شمال الرباط. وهو صحفي وصل عام 2013 إلى المغرب هرباً من الاضطهاد السياسي، ولديه الآن برنامجه الخاص في الإذاعة المغربية. لقد كان عليه أن يترك جمهورية الكونغو الديمقراطية لإنقاذ حياته. وهو يقول إن "جمهورية الكونغو الديمقراطية باتت منطقة أزمات حالياً"، مضيفاً أنه عمل صحفيا في بلده وأنه يواجه "بعض التهديدات من الحكومة". بعض الأفارقة يفضلون تجنب المخاطرة بحياتهم في رحلة البحر، ويختارون البقاء في المغرب وبناء حياة جديدة لهم هناك. لقد تلقى مبويو مساعدة من منظمة "AMAPPE" التي تساند في تكوين الشركات الصغيرة، وتقدم المشورة والتمويل والتدريب لمن يعملون بشكل مستقل لحسابهم الخاص. وقد خصصت أحد مشاريعها لمساعدة المهاجرين، وكثير منهم من أفارقة جنوب الصحراء الكبرى. ويقول مبويو في هذا السياق "لقد منحتني منظمة AMAPPE دعمها المالي. لقد اشترَتْ لي حاسوبا، وهو أداة مهمة لأي صحفي". وها هو مبويو يجد أن من السهل عليه الاندماج في المجتمع المغربي، لأنه يتحدث الفرنسية، ويضيف قائلاً "يمكنك العثور على وظيفة، وبإمكانك تدبير حياتك". ويرى حسن الرفاعي، الذي يعمل لدى منظمة "AMAPPE"، أن العديد من المهاجرين قد تغيرت وجهة نظرهم عن المغرب في السنوات الأخيرة، قائلا "المهاجرون يعتبرون أنفسهم في موطنهم هنا في المغرب، وهذا يمنح المهاجر أو اللاجئ شعورا بالانتماء لثقافة بلاد يشترك فيها بالثقافة أيضا". ويرى الرفاعي أن المغرب قد تحول إلى بلد مضيف للمهاجرين أيضا. ويأتي ذلك رغم أن إضفاء الصفة القانونية على آلاف الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى يمثل تحولا كبيرا في السياسة المغربية. وإن أردنا الحكم على ذلك من خلال رد فعل طلاب الجامعات في الرباط فسنرى أنه تغيير يلقى ترحيبا من قِبَل الكثير من المغاربة. فقد قال أحد الطلاب لقناة دي دبليو الألمانية إنه منفتح على فكرة مجيء الناس من جنسيات أخرى إلى بلاده للدراسة أو العمل، مضيفا "توجد فقط أقلية من المغاربة المتعصبين ضد الوافدين من بلدان أخرى"، مشيرا إلى أن المغاربة أنفسهم يهاجرون كثيرا إلى البلدان أو القارات الأخرى، ويضيف "أعتقد أن هذا شيء طبيعي. إذا كانوا جيدين في عملهم فسيكون تأثيرهم أفضل على الاقتصاد، وهذا أفضل بالتأكيد..".