في قلب جبال الأطلس وعلى ارتفاع يتفاوت ما بين 1800 و2000 متر على سطح البحر، يوجد أحد أجمل الأماكن السياحية بالمغرب، هو آيت بوكماز أو الهضبة السعيدة، تبعد 250 كيلومترا عن مراكش و78 كيلومترا عن أزيلال، بتعداد سكاني يصل إلى حوالي 15 ألف نسمة موزعين بين 27 دوارا. في بداية السبعينات من القرن الماضي، بدأت المنطقة تعرف قدوم عدد من السياح وخاصة من الأجانب المستكشفين لجمال طبيعة الأطلس، فكانت بداية إخراج الجوهرة المكنونة من صندوق النسيان، لكن الحدث الأكبر كان ربط القرية بالطريق في سنة 2002، فسنوات قليلة بعد ذلك تضاعف عدد الزوار إلى أضعاف مضاعفة، وارتفع عدد المآوي المرحلية السياحية من أربعة مآو إلى ما يقارب 80 مأوى في السنوات التي تلت فتح الطريق، وأصبحت آيت بوكماز على بعد ساعتين من أزيلال في أقصى الأحوال، وثلاث ساعات ونصف من بني ملال، وعلى بعد أربع ساعات ونصف من مراكش، وأصبحت شهرتها تضاهي أقدم الأماكن السياحية بالجهة. سحر الطبيعة الطريق إلى آيت بوكماز يبدأ من مدينة أزيلال عبر تراب جماعة أكودي نلخير وجماعة آيت أمحمد مرورا ببرنات وآيت عباس قبل آيت بوولي، ووصولا إلى «تبانت». بآيت بوكماز مجموعة من الدواوير والتجمعات السكنية التي راعت في تشييدها المحافظة على جمالية الطابع والمكان واقتصاد الجغرافية، ولعل أول ما يفاجئ الزائر عدم تشييد أي مبنى في السهل الضيق، بل إن كل البيوت إما في أعلى الجبل أو في ظهره، أو عند نهاية المساحات الصالحة للزراعة، الدواوير المتفرقة تكاد تتوحد في الشكل الهندسي للبناء الذي يتم عبر التابوت (دك التراب في كتل قوية دون استعمال الخرسانة أو الرمل)، حيث مازال البناء يحتفظ هناك بوسائله التقليدية التي مر على استخدامها عشرات القرون، أهم الدواوير بآيت بوكماز دواوير: إيخفنيغير، أكوتي، آيت إيمي، آيت أوشي، آيت أوهام، زاوية ألمزي، آيت سلام، تالموضعت، أكرط مزرو. إحصائيات قامت بها السلطات المحلية والجمعيات بالمنطقة أثبتت أن 90 في المائة من زوار المنطقة يعودون إليها في العام الموالي، طبعا مع استقدام مجموعات جديدة، ودعاية مجانية للمنطقة ولجمالها وسحرها. بعد تشييد الطريق، انطلقت رحلة التطور والتقدم والتنمية، وأصبحت المنطقة محجا سياحيا بعدما كانت نسيا منسيا، يعقد بآيت بوكماز السوق الأسبوعي يوم الأحد، وتضم مجموعة من الجمعيات النشيطة سواء في السياحة الجبلية أو في التنمية القروية الجبلية، شباب المنطقة كان لهم أكبر الأثر في التعريف بمؤهلات وسحر الطبيعة بآيت بوكماز، لم ينتظروا الدولة لتقدم لهم مساعداتها، بل فرضوا إيقاعهم واستطاعوا، بفعل قدرتهم العجيبة على التواصل، جلب العديد من المعونات كما يجلبون السياح المغرمين بسحر الطبيعة. حصار الثلوج بسبب تراكم الثلوج تعيش منطقة آيت بوكماز فترة حصار طويلة الأمد تمتد إلى عشرات الأيام، لذلك يستعد سكان المنطقة لفصل الشتاء باكرا بتخزين الحاجيات الأساسية من الحطب أولا ثم المواد الغذائية. ومع بداية شهر ماي من كل سنة تكسو الأزهار والطبيعة الخلابة الهضبة السعيدة وسط الجبال السامقة، وتكون الطريق قد بدأت تودع فترات الإغلاق المتكررة بفعل الثلوج، ويبدأ الأجانب، الذين سبق لهم زيارة آيت بوكماز أو الذين سمعوا بجمالها من معارفهم، بالتدفق على الهضبة السعيدة، قائد قيادة «تبانت» يؤكد أن «90 % من الذين يزورون آيت بوكماز يعودون إليها في السنة القادمة، بل ويصحبون معهم زوارا جدد مما يؤهل المنطقة لأن تلعب دورا رائدا في المستقبل في تطور السياحة الجبلية بالمغرب، وفي تأهيل المنطقة وضخ المزيد من الاستثمارات». كهول المنطقة يتذكرون أن آيت بوكماز كانت منسية، لكن المنطقة مدينة للأجانب، الذين كانوا يأتون لصيد سمك السلمون في وادي الأخضر انطلاقا من سنة 1970، الذين أعجبوا بسحر الجبال وقاموا بحملات دعائية للمنطقة وتنظيم رحلات منظمة انطلاقا من أوربا ووصولا إلى آيت بوكماز. ومع بداية الثمانينات من القرن الماضي، تطورت السياحة الجبلية بعد تأسيس المركز الوحيد في المغرب والعالم العربي في تخريج المرشدين السياحيين الجبليين بآيت بوكماز، المركز الذي يخرج أربعين إطارا مؤهلا كل سنة، يتحولون إلى قادة للمجموعات السياحة ومرشدين لهم في تسلق قمم الأطلس واكتشاف جزء كبير من المغرب المنسي خلف قمم جبال الأطلس المتوسط. عمر بن آيت بوكماز واحد من هؤلاء المرشدين، لم يكتف بما يقدمه لمنطقته بالتعريف بها وتحبيب السياح فيها، بل قام رفقة شباب آخرين بتأسيس جمعية سرعان ما تطور أداؤها وتنوعت اهتماماتها ومجالات تدخلها، استقبلنا بمركز الاستقبال الذي استأجرته الجمعية لإيواء 58 فتاة كل سنة من الفتيات اللواتي اجتزن مرحلة التعليم الابتدائي. تقوم الجمعية بتقديم خدمات مجانية لهن، من مثل الأكل والإيواء وتوفير مؤطرين تربويين لتقديم دروس دعم لهن، الفتيات اللواتي كان استقبالهن لنا حارا أعربن عن سعادتهن بالإقامة في مركز الاستقبال وبإتاحة الفرصة لهن لإتمام دراستهن، أقربهن من المؤسسة الإعدادية يبعد محل سكناها بسبعة كيلومترات وسط الجبال، وأبعدهن يوجد مقر سكناها على بعد 20 كيلومترا من مركز تبانت. المشرفة على المركز أكدت أن الإمكانات والمجهودات التي توفرها الجمعية والصبر والجهد لا يوازي حجم الفرحة الكبيرة التي يشعر بها المتطوعون بالجمعية عند تلقي النتائج الإيجابية والمعدلات المرتفعة التي تحصل عليها نزيلات المركز والتي تصل إلى درجات جد ممتازة. وديان وعيون يؤكد عمر المرشد السياحي أن «مناطق آيت بوكماز تتوفر على ما يقارب 54 من العيون الكبرى وثلاثة أودية كبرى أيضا، تتشكل روافدها المائية كلها من الثلوج التي تصمد أمام حرارة الشمس في غالب الأحيان حتى أواخر شهر ماي، ثم تبدأ في التساقط أواخر شهر أكتوبر، وتوجد بالمنطقة عدة فجاج من أحسن ما في الأطلس الكبير، مثل فجاج، مكون واندراس بتاساوت، هذا إلى جانب أربعة مواقع للتسلق، وموقع «تاغيا»، كما تضم بالإضافة إلى ذلك مجموعة من المدارات السياحية انطلاقا من آيت بوكماز إلى جبل «مكون» ذهابا وإيابا لمدة خمسة أيام، ثم من نفس النقطة إلى واحة قبائل آيت عطا مدة أربعة أيام، ويبقى المدار الطويل أو «العبور الأكبر» للأطلس المغربي يمتد من آيت بوكماز إلى توبقال مسيرة 13 يوما بمعدل 6 ساعات في اليوم، ونفس الشيء من آيت بوكماز وصولا إلى إملشيل، بينما بعض المدارات توصل حتى مدينة أكادير، وأخرى إلى الجهة الشرقية»، وأثناء كل رحلة يقوم عمر بكل الترتيبات الضرورية، من لوازم الأكل ومحطات الاستراحة والنوم. ومع كل هذا، تشكو السياحة من عدة معيقات حاول عمر تلخيصها في «غياب بنيات تحتية قادرة على استيعاب السياح الذين تغريهم المنطقة، وغياب برامج سياحية ودعائية تساهم في إنعاش مستوى العاملين في القطاع، رغم وجود عدد كبير من المآوي التي بنيت بمواصفات تراعي هندسة وجمالية المكان وبطرق تقليدية مع إدخال اللمسة الفنية التقليدية وتجهيزها بالمعدات الضرورية.» وتنشط بالمنطقة عدة جمعيات محلية، كما ظهرت مؤخرا حركة جمعوية ذات علاقة بالسياحة التضامنية، حيث تتكلف جمعية فرنسية بإرسال أفواج السياح إلى المنطقة، ليبقى جزء من عائدات هذه العملية لتمويل بعض المشاريع الاجتماعية، حيث ساهم جانب منها في حفر الآبار وبناء خزان للماء. ومنطقة (آيت بوكماز) التي تتوفر على أحد أروع المنتجعات السياحية العالمية، حسب تأكيد رئيس المجلس الجهوي للسياحة ببني ملال، المنتجع الذي يندرج في إطار السياحة الريفية، وذلك للمناظر الطبيعية الخلابة التي يتمتع بها، كما تم بالمنطقة إنجاز اكتشافات علمية مثيرة، أهمها اكتشاف بقايا ديناصور عملاق يعود تاريخه إلى 800 مليون سنة. الفلاحة والسياحة يعتمد السكان على الزراعة والسياحة وعلى الثروة الحيوانية التي تتشكل من الماعز والأبقار والأغنام، وعلى تربية النحل، وأنشطة زراعية متنوعة أهمها حقول القمح والتفاح والجوز، كما تستثمر المنطقة ثروة مائية متنامية تستغل بطرق جد تقليدية، وتشكو من واقع جغرافي بتضاريس صعبة. كما تتيح آيت بوكماز، المشكلة من عدة تجمعات سكنية غنية بما وهبها الله من طبيعة ساحرة وأنهار جارية، فرصة لتسلق جبالها الشامخة أهمها جبل «مكون» و «تكدييد» و«أزوركي». كما تشتهر المنطقة بالنحت على الخشب، وتشتهر آيت بوكماز بأصناف من الخشب لا توجد خارجها، مثل خشب محلي يسمى «تاولت»، وخشب العرعار والجوز. يصل عدد الجمعيات بالمنطقة إلى ما يقارب 13 جمعية، منها النشيطة والأقل نشاطا، وينشط عدد منها في مجالات الصحة، والتمدرس، والماء الصالح للشرب، إلى جانب البيئة، وبفضل الحركة الجمعوية تم خلق مركز آيت بوكماز للتربية والتكوين بالنسبة إلى النساء، وتم أيضا خلق وحدة لصنع جبن الماعز من طرف المركز الدولي من أجل التنمية الفلاحية... إلى جانب عدة أنشطة أخرى، كالشراكة بين جمعية اغبالو للسياحة ومركز التعاون الدولي للتنمية الزراعية لتطوير آيت بوكماز سنة 2002، التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المحلي، وتعبئة للسكان واستنفار المنتخبين لتطوير الوادي وتحسين إدارة مياه الشرب والري، وتحسين الإنتاج الزراعي وتسويق المنتجات المحلية (العسل، والتفاح والجوز والجبن...) وتعزيز قدرة المؤسسات المحلية في مجال إدارة المشاريع والتنمية المستدامة. من أهم المنشآت القديمة التي مازالت تحتفظ بها المنطقة، قصبة سيدي موسى التي يرجع تاريخها إلى أكثر من 430 سنة، وتصنف كتراث عالمي من طرف اليونسكو، ثم قصبة «سيدي شيتا» هذا إلى جانب بعض القصبات ب»آيت إيمي» التي يرجع تاريخها لأكثر من 100 سنة، وأصبحت هذه القصبات، التي ظلت تصارع الزمن، عبارة عن مخازن جماعية لسكان المنطقة، إلى جانب وجود نقوش صخرية يرجع تاريخها إلى ملايين السنين، خاصة بمنطقة «آيت بوولي وبأكرط زكاغن» بآيت بوكماز، وبقايا آثار أقدام الديناصورات التي يرجع تاريخها إلى أكثر من 180 مليون سنة، بأكرط نزروا ودوار باقليوين. ولأن منطقة آيت بوكماز متميزة في كل شيء، فإن أنواعا من اللباس المحلي بدأ يكتسب شهرة عالمية، خاصة وأنه مرتبط بعدة تقاليد وعادات تخص المنطقة، خاصة وأنها مرتبطة بطرق إحياء حفلات الزفاف، وأكبر رموز المنطقة فرقة بوغانيم الموسيقية المتميزة في كل شيء، مما يجعلها من أهم المناظر الثقافية بالمغرب التي تحاول الحفاظ بصعوبة على شكلها الأصلي.