قال بعض رجال الأمن إنهم وجدوا أنفسهم في وضع حرج، صباح أمس بالدار البيضاء، بعد تلقيهم لتعليمات صارمة بتفريق وقفة احتجاجية نظمتها عائلات المعتقلين الإسلاميين أمام بوابة المركب السجني «عكاشة»، وقال رجل أمن إنه يشعر داخليا بالغبن لأنه مجبر على طرد نساء في عمر والدته ملهوفات على معرفة مصير أبنائهن المعتقلين، وقال آخر مخاطبا الأمهات بلباقة: «الله يرحم الوالدين تحركوا ليا من هنا، واش باغين تخرجو ليا على خدمدتي». وعندما طفقت الأمهات المحتجات يقرأن اللطيف ويدعين الله لإهلاك من تجبر عليهن، تدخل نائب رئيس منطقة الحي المحمدي عين السبع الأمنية لحث عناصر الشرطة على تفريق النسوة المتظاهرات واستعمال العنف لطرد الجميع لتفريق «الجوقة». هكذا بدت الساحة الكبيرة المطلة على سجن عكاشة بالدار البيضاء صباح أمس، حاجز أمني عبارة عن درع بشري نصب للحيلولة دون وصول أمهات المعتقلين الإسلاميين إلى بوابة السجن الرئيسية، سائقو سيارات أجرة من الصنف الصغير يرقبون حشدا من النسوة المحاطات بدرع أمني آخر، مصورون فوتغرافيون يلتقطون صورا لامرأة أغمي عليها للتو بعد أن انخرطت في نوبة بكاء هستيرية بعد أن عنفها بشدة مسؤول أمني ووصفها ب«العاهرة»، شيخ وقور طاعن في السن بلحيته البيضاء يتحدث إلى رجل استعلامات عامة أوفدته ولاية أمن البيضاء ل«تغطية» الوقفة. وسط جو مشحون بالتشنج ومضايقة الشرطة انبرت أمهات المعتقلين الإسلاميين يرددن شعارات تدعو المندوبية العامة للسجون إلى التدخل لإنقاذ حياة أبنائها المضربين عن الطعام منذ شهرين بالتمام والكمال، بعض النسوة كن يرتدين خمارا يخفي كل معالم أجسادهن، ولا تظهر من وراء لباسهن سوى العيون، ثمة أمهات جئن مرفوقات بأبنائهن الرضع، أخريات طاعنات في السن كن يمشين بتثاقل ورغم حالتهن الصحية المتدهورة فقد تكبدن العناء وجئن للاحتجاج أملا في إنقاذ فلذات أكبادهن من موت محقق. محمد بوخليفي، الشيخ الذي انضم إلى الحشد المتظاهر، قال ل«المساء» إن ابنه عبد العزيز يقضي عقوبة سجنية تصل إلى 30 سنة، قضى منها 7 سنوات إلى حد الآن وبحسب والده فإن الشرطة لفقت لولده تهما خطيرة وصدر في حقة حكم قاس أثناء محاكمته. ظل عبد العزيز بوخليفي يقطن مع والده بحي «زرابة» الصفيحي التابع لمقاطعة سيدي مومن قبل أن يلقى به في السجن بتهم ملفقة على حد قول والده. عبد الرحيم مهتاد، رئيس لجنة «النصير» لمساعدة المعتقلين الإسلاميين بالمغرب، أكد أن الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها صباح أمس بعض عائلات 260 معتقلا إسلاميا مضربين عن الطعام منذ شهرين، تأتي لتنبيه المسؤولين إلى خطورة الأوضاع الصحية المتدهورة للمعتقلين المضربين، مشيرا إلى أن 7 معتقلين نقلوا إلى المستشفى بعد تدهور حالتهم الصحية بشكل خطير. الأمهات اللواتي تعرضن صباح أمس لتعنيف الشرطة انخرطن في موجة بكاء جماعية، العاجزات منهن طفقن يرددن كلمات «حسبنا الله ونعم الوكيل» و«أبناؤنا يموتون في السجن وأنتم تتفرجون عليهم» و«أنقذوا حياة أولادنا إننا نحملكم مسؤولية هلاكهم». واتصلت «المساء» بإدارة سجن عكاشة، لنقل وجهة نظرها حول الموضوع، وبعد أن استقبلنا أحد نواب المدير ووعدنا بمدنا بكافة المعطيات، عاد مجددا ليخبرنا بأن المدير مشغول جدا في اجتماع للجنة الشؤون التربوية والثقافية وسيتصل بنا فيما بعد، قبل أن يصفق وراءه بابا حديديا صغيرا ويتركنا خارج بوابة حديدية طالها الصدأ. بمجرد أن شرعت النسوة الغاضبات في تحميل الدولة المغربية مسؤولية الصمت عن الأوضاع الصحية المتدهورة لأبنائها حتى نادى مسؤول أمني على عناصر من قوات «البلير» طالبا منهم طرد الأمهات بعيدا عن الشارع المطل على بوابة السجن المحلي عكاشة وكان أن اختلط الحبال بالنابل وشوهد رجال الشرطة يدفعون بعنف الأمهات ويطلبن منهن الذهاب إلى حال سبيلهن. اللافت خلال الوقفة هو إصرار النسوة المتظاهرات على الهتاف عاليا رغم تحذيرات الشرطة، فتدخل العميد المركزي لأمن عين السبع الحي المحمدي، لطرد سيدة طاعنة في السن كانت تفترش الأرض بعد أن أعياها التعب، خاطبته السيدة بالقول: يا ابني اتركني لحالي، الله وحده يعلم مابي «فكان أن دفعها العميد المركزي بعنف مجبرا إياها على الالتحاق بالنسوة اللواتي سبق له أن أشرف بشكل شخصي على طردهن من أمام سجن عكاشة. بعد أن جاوزت الساعة الثانية عشرة تدخل عبد الرحيم مهتاد، رئيس لجنة «النصير» لمساندة المعتقلين الإسلاميين، ليطلب من الأمهات المحتجات الانسحاب خوفا من تعرضهن لهجوم من قبل الشرطة، قبل أن يتعرض هو نفسه للاعتقال ويقتاد إلى وجهة مجهولة. وأكدت الزاهية زليك، والدة المعتقل عبد العزيز الصيباري، المحكوم ب12 سنة سجنا منذ سنة 2002، أن ابنها يعاني من مضاعفات صحية خطيرة ملتمسة من السلطات المغربية التدخل لإنقاذ حياته إسوة بزملائه المضربين عن الطعام منذ شهرين. هكذا، ناشدت أمهات المعتقلين الإسلاميين بالمغرب وزارة العدل التدخل لإنقاذ حياة أبنائها المضربين عن الطعام، في وقفة نظمت بعد تجاهل الجهات المسؤولة لمطالب المعتقلين الإسلاميين المضربين عن الطعام بالسجون المغربية، واعتبارا للحالة الصحية المتدهورة التي أصبح عليها معظم المضربين عن الطعام والتي نقل على إثرها عدد منهم إلى المستشفيات. ومن المتوقع أن ترتحل الأمهات اليوم الأربعاء إلى الرباط لتنفيذ وقفة ثانية أمام مقر وزارة العدل أملا في إنقاذ حياة أبنائهن.