لم تُغضب نشرة المغرب العربي من مكتب الجزيرة في الرباط بعض الدوائر المحافظة في السلطة فقط، بل أغضبت جيران المغرب في شمال إفريقيا، وخاصة تونس وليبيا اللتين اعتبرتا النشرة المغاربية للجزيرة «عملا عدائيا» ضد نظاميهما الشموليين الغارقين في التسلط. لقد وصل الأمر إلى حد الاقتراب من أزمة دبلوماسية بين الرباط ونظام زين العابدين بنعلي، الذي لم يتوقف عند حدود الاحتجاج الدبلوماسي على نشرة تبث في المغرب وتتحدث عن خروقات حقوق الإنسان في بلاد الزيتون، بل وصل النظام الحاكم في تونس إلى حد التهديد بفتح مكتب أو قناة لجبهة البوليساريو في تونس... وهو ما دفع المغرب إلى أخذ هذه التهديدات بعين الاعتبار ضمن أسباب دفعته إلى إخراس صوت النشرة. أما حاكم ليبيا، فقد كادت مقالات في «المساء» الصيف الماضي، حول عجائب حكمه، تقود إلى أزمة دبلوماسية بين الرباط وطرابلس، وكاد مكتب الجزيرة الموجود في الرباط يقلق هدوءه وترتيباته الثورية تجاه أوربا وأمريكا التي لم تعد إمبريالية تمتص دماء الشعوب، بل صارت قوة عظمى يخطب ودها... لم يصدق نظاما بنعلي والقذافي القروسطيان أن هامش الحرية الإعلامية الموجود في مملكة محمد السادس هامش حقيقي وليس مناورات سياسية هدفها إحراجهما أمام الرأي العام. وعندما كان المسؤولون المغاربة يواجهونهم بحقيقة أن في البلاد صحافة حرة ومستقلة، وأن الدولة لا تملي عليها أجندة الأخبار واتجاهات التعليق، لم يكن جيراننا يصدقون هذه الحكاية، فالتضامن العربي، ووحدة الأمة، ومظلة الجامعة العربية، تتطلب توحيد الموقف من «التسيب الإعلامي» والتصدي للعدو المشترك: حرية الصحافة... المحيط الجيوسياسي يلعب دورا كبيرا في الاتجاه نحو الديمقراطية أو الارتداد نحو الاستبداد. نصف نجاح الانتقال الديمقراطي في إسبانيا صنعه الجوار الأوربي الذي فرض على إسبانيا والبرتغال واليونان، واليوم دول أوربا الشرقية، الاتجاه نحو الديمقراطية والابتعاد عن الشمولية ونظم الحكم المستبدة. أما في العالم العربي، فإن الجوار المتجمد لا يمنع فقط قيام حركات واتجاهات ديمقراطية وسط الشعوب، بل يسعى إلى طمس أية محاولة لخروج أية دولة من نادي الاستبداد العربي. لقد قاطع كل الزعماء العرب، السنة الماضية، تنصيب الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله المنتخب ديمقراطيا، واعتبروا أن العقيد اعلي ولد فال خدعهم عندما سلم البلاد إلى حكم ديمقراطي بعد انقلابه الأبيض على ولد الطايع. ولد فال كان فألا سيئا على أسرة الحكام العرب التي تحولت فيها الجمهوريات إلى ملكيات، والملكيات إلى ضيعات خاصة للأسرة والمقربين... إذا استمر المغرب في الاستماع إلى الوصايا العربية الدكتاتورية، وإذا ما استسلم لابتزاز بعضها بورقة الصحراء، فإنه سيظل خارج العصر الديمقراطي وخارج التاريخ. الديمقراطية والحرية والإعلام الحر ليست أقل شأنا من الصحراء في عالم عربي كله صحراء قاحلة...