مرت 52 سنة على تأسيس جهاز الأمن الوطني، الذي يحيي يوم 16 ماي من كل سنة ذكرى تأسيسه التي تمت في نفس اليوم من عام 1956، شهورا قليلة بعد حصول المغرب على استقلاله. وتعد ذكرى تأسيس الأمن الوطني مناسبة للوقوف على الأعمال التي مافتئت أسرة الأمن الوطني تقدمها للمغرب والمغاربة والمسؤوليات الملقاة على عاتقها في ظل التحولات التي يشهدها العالم وكذا التحديات التي يواجهها المجتمع المغربي، خاصة بعد أن أصبح بلدا غير بعيد عن الضربات الإرهابية التي تعد ضربات 16 ماي 2003 الإرهابية أخطرها، إلى جانب أخرى تعرض لها بعد هذا التاريخ خاصة يوم 11 مارس 2007 و10 و14 أبريل 2007، والتي لعب رجال الأمن الوطني فيها دورا كبيرا في إفشال خطط الإرهابيين الذين حاولوا إسقاط عدد أكبر من الضحايا لولا العناية الإلهية ويقظة رجال الأمن الوطني الذين كانت لهم اليد الفضلى في إنقاذ البلاد من كارثة إرهابية جديدة يعلم الله ما كانت ستكون لها من تبعات. أكيد أن ذكرى تأسيس الأمن الوطني تعتبر مناسبة لاستحضار كل التضحيات التي يقدمها رجال ونساء جعلوا أنفسهم في خدمة الأمن، فهم يجوبون الطرقات ونحن نيام لينتشر الأمن بين المواطنين، ولا يتوانون عن تقديم يد العون لكل من يلجأ إليهم، حتى في أحلك الظروف، وهو ما يؤكد أن عمل أسرة الأمن الوطني انتقلت من مفهومه الكلاسيكي إلى مفهوم حديث يرتكز على العمل عن قرب مع الساكنة، والمساهمة في إيجاد حلول فعالة ودائمة للمشاكل الأمنية التي تقلق المواطنين، واستبدال منطق الاستجابة المنتظمة لنداء السكان بمنطق استباق الانشغالات، والعمل على أن تكون الشرطة على الصورة التي يريدها المواطنون من خلال آلية للحوار والتحاور بما يساير متطلبات العصرنة والتطور. فبين تأسيس الأمن الوطني عام 1956 واحتفاله اليوم بمرور 52 سنة من التواجد الدائم في كل الطرقات والشوارع، جرت مياه كثيرة في بيت رجال الأمن الذين ساهموا في حماية أمن الوطن والمواطنين من كل الهزات التي تعرض لها طيلة هذه السنين. وبالتالي، ففي الوقت الذي كان فيه الانتماء إلى أسرة الأمن الوطني يعد بمثابة شهادة فخر لكل الأسر التي نجح أبناؤها في ولوج هذا المجال نظرا للمكانة التي يحتلها رجل الأمن في السابق، أصبح اليوم الكثير من العاملين في هذا القطاع يبحثون عن بدائل من أجل مواجهة أزماتهم المالية والاجتماعية. في هذا السياق، وإذا كان الاحتفال بذكرى تأسيس الأمن، لن يخلو من خطابات رنانة وتنويهات وتكريمات لبعض من هؤلاء الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن والمواطنين، فإنني أعتقد أن التكريم الأول الذي يجب أن يتم التفكير فيه ينصب في العمل على الزيادة في أجور نساء ورجال الأمن الوطني من أجل تحفيزهم على القيام بواجبهم على أحسن ما يرام. ففي الوقت الذي نجد فيه رجل الأمن بأوروبا مثلا يتقاضى أجرا لا يقل عن 1500 أورو أو أكثر، نلاحظ أن رجال الأمن ببلدنا مازالوا يتقاضون أجورا مخجلة تتراوح ما بين 2600 و3000 درهم للمرتبين في الدرجات السفلى كحراس أمن أو شرطة المرور، علما بأن حتى بعض ذوي الدرجات لا تتعدى أجورهم 7000 أو 8000 درهم، بما فيها الحوافز والتعويضات عن الأخطار، وهي مبالغ أعتقد أنها مخجلة ولا تتماشى مع التضحيات التي بذلها أفراد هذا الجهاز من أجل حماية الوطن ونشر الطمأنينة بين أفراده. إن نساء ورجال الأمن الوطني اعتادوا على إطاعة الأوامر وتطبيقها بحذافيرها، وبالتالي، فإن هذا الجهاز لا يعرف الانتماء النقابي أو السياسي، وهو ما يعني بكل بساطة غياب جهاز تنظيمي يدافع عن مصالحه، لكن هل من المعقول أن يتم منح الرواتب الكبيرة والزيادات لكل العاملين في قطاعات الوظيفة العمومية، ويتم استثناء رجال الأمن منها لكونهم لا يدخلون في إضرابات أو اعتصامات. إن أكبر تكريم يمكن منحه لرجل الأمن في ذكرى تأسيسه هو الإعلان عن مجموعة من التدابير التي من شأنها أن تحفظ كرامته وتجعله يقوم بعمله الأمني دون أية ضغوطات أو أية مغريات، خاصة وأن بلادنا في أمس الحاجة إلى جهود هؤلاء من أجل مواجهة الأخطار التي تتربص بنا من كل ناحية، ولضمان الأمن والطمأنينة لكل أفراد المجتمع. فهل ستكون الذكرى ال52 لتأسيس الأمن الوطني مناسبة للإعلان عن تدابير من شأنها تحسين أجور العاملين بالجهاز وضمان السكن والتطبيب والتمدرس لأبنائهم، أم سيتم الاكتفاء بتوزيع شهادات تقديرية لا تغني ولا تسمن من جوع وتنويهات بأفراد هذا الجهاز الذين يعانون في صمت دون أن يصل أنينهم إلى آذان المسؤولين. وكل ذكرى ونساء ورجال الأمن الوطني بألف خير.