وضعت «كوف سيك»، وهي إدارة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، لائحة ضمنتها القطاعات التي ستكون أول من يلحقه الضرر في حالة التعرض إلى هجمات عبر الأنترنيت. هذه القطاعات هي المدارات الإلكترونية وقطاع الاتصالات، يتبعها قطاع الأبناك والتزويد بالبترول، قبل الوصول إلى شل حركة البلد ككل وصولا إلى رجال ونساء المطافئ والأطباء الجراحين. ما يمكن أن يحصل بسبب القراصنة هو أسوأ بكثير مما يمكن تصوره. «لماذا لا نتوقع حتى فقدان التحكم في التجهيزات النووية؟» مظهر البناية لا يوحي أبدا بكونها ذات أهمية، لكن الحقيقة غير ذلك، فهذه البناية شاحبة اللون وذات الطابقين هي بالنسبة إلى أمن الهند وسيادتها أهم من معلمتها الشهيرة تاج محل. مكافحة القراصنة تلفت انتباهك، عند صعودك إلى أعلى السلالم، صورة مائلة إلى الصفرة يظهر فيها بعض أفراد الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي) مبتسمين وهم يخرجون للتو من أحد دروس المعلوميات. في الداخل، حوالي ثلاثين من المراهقين المنكفئين على حواسيبهم، يستعملون أسماء مستعارة للتواصل مع قراصنة أنترنيت من العالم أجمع، ويعرفون منهم أسرار هجوم وشيك على شركة طيران محلية تدعى «كينغ فيشر أيرلاينز». أهلا بكم في «إي تو لاب» أول مدرسة في الهند لمكافحة القرصنة في الأنترنيت، والتي تم تأسيسها في حيدر أباد وسط البلاد. في هذه البناية ذات الطابقين التي بنيت عام 1950، يقوم خبراء منذ عام 2003 بتكوين من يطلق عليهم «جيمس بوند دوت كوم»، أي أشباه العميل الذي لا يشق له غبار جيمس بوند، ولكن مجالهم هو الأنترنيت، حيث يكون عليهم التصدي لأي هجوم قد يهدد البلاد عن طريق الأنترنت، حيث تخرج المدرسة 250 خريجا كل سنة. ومن الغريب أن شبكة الأنترنيت قد صنعت في البداية للتصدي لأي هجوم نووي، إلا أن بعض التعديلات الشريرة في الشفرات هنا وهناك كانت كافية لتحويل هذه الآلة التواصلية الفعالة إلى آلة للدمار الشامل. لقد انتهى عصر «سكريبت كيديز» أو عصر القراصنة الذين كانوا «يلهون» ويفرحون بفك بعض الشفرات بدافع بسيط هو تحدي ذكاء الآخرين وحبهم للمعلوميات، الآن جاء عصر قراصنة محاربين محترفين يحركهم الدافع المادي ويفتح شهيتهم. بالطبع. أسلحة الحروب العصرية لم يأت الوقت الذي يجب فيه التخلي عن أسلحة الكلاشنيكوف والفاماس والألغام، ولكن يجب أن تنضاف إلى أسلحة الحرب العصرية هذه أسلحة أخرى تكنولوجية وبات من اللازم على الحكومات أن تعيد النظر في استراتيجيات دفاعها. أو لم يجتمع المجلس الأوربي بداية أبريل في ستراسبورغ في مؤتمر خصص لهذا الموضوع؟ وفي قمة بوخاريست، أوصى حلف شمال الأطلسي بالمزيد من التعاون بين الدول الأعضاء داقا ناقوس الخطر. «ما نحتاج إليه للدفاع عن بلداننا ليس جيوشا برية ولا بحرية ولا أسلحة جوية خارقة»، هكذا قال الجنرال الأمريكي ويليان تي لورد الذي يعتبر أن جهاز حاسوب قد يكون مصدر العشرات من هجمات الحادي عشر من شتنبر». إن تنامي قرصنة الأنترنيت، والذي يعطي قوة أكبر للأفعال الإرهابية، من شأنه أن يزعزع استقرار القوى الدولي الذي نعيش فيه منذ انهيار جدار برلين. وزارة تعترف بأنها تعرضت للقرصنة في أبريل 2007، وفي الوقت الذي كان فيه عدد من عمال البلدية في تالين يقومون بنقل تمثال الجندي البرونزي، التحفة العزيزة على قلوب الروس المقيمين في البلاد، تمت مفاجأة الجميع بقرصنة ستة مواقع إستونية وأصبحت معطلة عن أداء وظائفها، وخلال دقائق كان من المستحيل، في هذا البلد حيث تنجز 97 في المائة من العمليات البنكية عبر الأنترنيت، كان من المستحيل الدخول إلى الأرصدة في مصرف هانسابانك ومصرف سيب، وهما المؤسستان البنكيتان الرئيسيتان في البلاد. بعد ذلك، اعتذر وزير الخارجية الإستوني مرغما إلى موسكو. إذا كان يقف وراء قرصنة بعض من الحواسيب الإستونية المقرصنة قراصنة من أصل روسي، فإن الكريملين قد أنكر تورطه في هذه العملية. بعد هذه الواقعة بشهرين، وفي أوج فصل الصيف، جاء دور الولاياتالمتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لتتلقى زيارات غير متوقعة، بل غير مرغوب فيها، على مواقعها الإلكترونية و«بشكل متكرر»، كما يؤكد ذلك وزير الشؤون الخارجية الألماني. مئات الحواسيب أصبحت بين ليلة وضحاها معطلة، وأصابع الاتهام كانت تشير إلى بيكين، التي ردت بأنها غير مسؤولة عما حصل، مشيرة إلى أن الصين تؤوي أكبر عدد من الحواسيب في العالم وأن من السهل على قراصنة «أجانب» أن يتحكموا فيها لأغراضهم الشخصية. في متناول الجميع أن تصبح قرصان أنترنيت هو أمر في متناول أي كان. الأمر يحتاج إلى القليل من الذكاء وحوالي 500 أورو. بعدها يمكنك أن تشل حركة موقع إلكتروني حكومي لساعات طويلة، يكفي أن تشتري لائحة تضم العناوين الإلكترونية، تكون متوفرة في منتديات على الأنترنيت متاحة للعموم، سواء تلك التي تتناول الموضة أو تلك التي تتناول آخر وصفات المطبخ أو غيرها، الدخول إلى هذه المنتديات يتيح لقرصان الأنترنيت المبتدئ أن يتعلم كيف يتعرف على الحواسيب الأكثر هشاشة وأن يرسل إليها الفيروس ويتحكم فيها عن بعد. مثل هذه العملية تمكن القرصان من امتلاك جيش صغير من الحواسيب التي يستعبدها ويتحكم فيها لحسابه. العملية فعالة ويبقى صاحبها تقريبا مجهولا. «لست أنت من يهاجم، وإنما هناك أجهزة حاسوب تهاجم بأمر منك، «يقول نيكولا ساديراك، مدير مدرسة المعلوميات «إيبيتيك». الأكثر من ذلك، أن الفوارق القانونية التي تختلف على مستوى العالم من دولة إلى أخرى هي التي تحمي مرتكبي مثل هذه الجرائم. «هولندا التي تحمي الحياة الشخصية للأفراد، تمنع من الربط بين أن تكون موصولا بالأنترنيت وبين أن تعرف بهويتك». هذا ما يقال لك في «كاسبير سكاي» منتج البرامج المضادة للفيروسات، حيث تم التعرف على بلدان أخرى يمكن اعتبارها «جنة» أو مرتعا لقراصنة الأنترنيت في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. « لقد أصبحت القرصنة الإلكترونية مثل لعبة أطفال، يقول أحد الخبراء في حلف شمال الأطلسي، لكنها يمكن أن تخلف خسائر في حجم الخسائر التي تخلفها الأسلحة المتعارف عليها». في الثالث من فبراير، عشرات الملايين من القطريين والماليزيين والمصريين فوجئوا بأن وجدوا أنفسهم أمام شاشات سوداء، محرومين من الولوج إلى حساباتهم البنكية ومن استعمال الهاتف أو التلفزيون عبر الأنترنيت، ما حدث ببساطة هو أن كابلا بحريا تم استهدافه. وبعد أن اعتقد المحققون في البداية أنها مجرد حادثة لم يعودوا اليوم يستبعدون أن ما وقع كان وراءه فعل إجرامي. خطورة التهديد «يمكن بسهولة تهديد شبكات النقل أوالتزويد بالطاقة بشكل تام» يحذر كيوم تيسيي، أحد المسؤولين في الشركة الأوربية للذكاء الإستراتيجي، وهي شركة خاصة «للذكاء الاقتصادي». في الرابع والعشرين من أبريل، وضعت «كوف سيك»، وهي إدارة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، لائحة ضمنتها القطاعات التي ستكون أول من يلحقه الضرر في حالة التعرض إلى هجمات عبر الأنترنيت. هذه القطاعات هي المدارات الإلكترونية وقطاع الاتصالات، يتبعها قطاع الأبناك والتزويد بالبترول، قبل الوصول إلى شل حركة البلد ككل وصولا إلى رجال ونساء المطافئ والأطباء الجراحين. ما يمكن أن يحصل بسبب القراصنة هو أسوأ بكثير مما يمكن تصوره. «لماذا لا نتوقع حتى فقدان التحكم في التجهيزات النووية؟»، يتساءل أحد الخبراء في الناشر الإسرائيلي «تشيك بوينت». لحسن الحظ، لم نصل بعد إلى هذا الحد، لكن المعيش اليومي لحرب الأنترنيت يتكون أساسا من حرب عصابات يخوضها أشخاص مجهولون يكونون هم الأذرع التي تتحرك في الخفاء. عن مجلة «ليكسبريس» ترجمة سناء ثابت