اختتمت في الأسبوع الماضي أشغال المؤتمر السابع عشر للأكاديمية اللاتينية حول موضوع «جدلية الحوار : البحث عن تداخل ثقافي» بمداخلتين في الموضوع لكل من المفكرين البارزين، الفرنسي رجيس دوبريه الذي توقف عند شروط الحوار أو بالأحرى «الحوار الجدلي» في ظل خصائص العالم الراهن، والجزائري الفرنسي محمد أركون الذي فضل مفهوم «المنتدى» على مفهوم «الحوار». وشدد ريجيس دوبريه على أنه لا معنى للحوار في غياب الاختلافات التي لا يتعين أن ينظر إليها على أنها أمر«رهيب» أو«شنيع» يجب القضاء عليه لأن «الشعوب ستسخر من كل حوار يظل سجين نخبة معولمة». وأضاف دوبري أن كل من يريد الحوار» يجب أن يكون مستعدا ليعطي ويتلقى لأن من يعتقد أنه يملك حقا بموجب تفوقه، كما هو حال الغرب»، أو «حقا إلهيا» كما هو حال مناصري نظرة معينة للدين، لا يستطيع أن يحاور لأنه مقتنع بأن محاوره «ليس ولا يمكن أن يكون على صواب». وتوقف المفكر الفرنسي عند ثلاثة دوافع للدخول في «حوار جدلي» اليوم، وهي النمو الديمغرافي الكبير وعودة «الأنماط القديمة» والبلقنة التي تواكب العولمة. وقال دوبريه إنه في الوقت «الذي أصبحنا نعيش فيه جنبا إلى جنب بشكل أكبر (بسبب ارتفاع نسبة الذين يعيشون في المدن)، برزت هناك حاجة إلى أن نعيش مع بعضنا أكثر، فالتطرف، حسب ريجيس دوبريه، نتيجة للاحتكاك ومن ثمة ففي الوقت الذي أصبح سكان العالم يتواصلون بينهم على المستوى التقني بشكل أكبر ظهرت الأسوار والجدران عبر العالم، جدران الفصل. كما تحدث دوبريه عن عودة ما أسماه «الأنماط القديمة» التي أصبحت تحتلها الهويات في السياق العالمي الحالي. وبالنسبة إلى دوبري فإن كل ثقافة قائمة الذات تقوم في أساسها على ديانة معينة (البوذية في التبت والكونفوشيوسية في الصين والإسلام بالنسبة إلى الثقافة العربية والمسيحية بالنسبة إلى الغرب). وأضاف أنه إذا كان البعض قد توقع أن يهمل الناس «بطاقة الهوية» ليتلقفوا «البطاقة الزرقاء»(البطاقة البنكية)، فإن ذلك لم يحصل. وربط المفكر الفرنسي بين البلقنة والعولمة، مشيرا في هذا الاتجاه بالخصوص إلى بروز الدولة الإثنية عوض الدولة المدنية وتفتت المجموعات القائمة. وخلص دوبريه إلى أن الحوار الجدلي ضرورة باعتبار أن الثقافة ليست «فضاء للانسجام « كما هو الحال بالنسبة إلى الرياضيات مثلا حيث تسري القواعد في كل مكان، بل فضاء للمواجهة». أما المفكر الجزائري محمد أركون فقد أكد في مستهل مداخلته أنه يدعو إلى مفهوم «المنتدى» عوض الحوار. وانتقد في هذا الصدد الحديث عن تحالف الحضارات، معتبرا إياه «امتدادا إديولوجيا» لمشاريع سابقة كالحوار بين الديانات الذي انطلق في أواسط الستينيات والحوار العربي الأوروبي مع أزمة النفط سنة1973 و»صدام الحضارات» الذي أسال مدادا كثيرا عبر العالم في الأعوام الأخيرة. ودعا أركون إلى ما وصفه ب»العقل الصاعد» الذي يتم بناؤه من خلال «المنتديات» المفتوحة في وجه الجميع دون تمييز ودون سؤال عن هويتهم مع أن كلا منهم يحمل معه رصيده الخاص به. وتوقف محمد أركون عند الثقافة العربية أو«المعبرة عن نفسها بالعربية»، وقال إن فهم طبيعتها وقراءتها يستوجب التمعن في البرامج والتصورات التي تحكم قطاعات البحث العلمي والثقافة والشؤون الدينية والتعليم في كل الأقطار العربية، مسجلا في هذا السياق أنه بعد استقلال هذه الأقطار في النصف الثاني من القرن العشرين كان المفهوم الذي اختير كأساس لكل هذه التصورات هو «الأصالة». وأشار أركون إلى أن الطرح الذي تتم مواجهة المسلمين به، اليوم، هو أن المسيحية لم تفتأ تعمل «العقل النقدي»( اليوناني) في كل الجوانب المتعلقة بالدين، في حين أن «العقل» لم يكن له نفس الوقع في الإسلام. وأضاف أن الرد على هذا الطرح لا يكمن في اتهام الآخر أو بالتظاهر في الشارع كما حدث بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية بل في «الاعتكاف بالمكتبات والبحث حقيقة في الموضوع». وفي هذا السياق اعتبر أن حضور «العقل» اليوناني ظل «هشا» في العالم الإسلامي وتعرض للهجوم «منذ البداية». وأعلن أنه هو نفسه وبالرغم مما كتبه وقاله يمارس على نفسه نوعا من «الرقابة الذاتية «. ونوه بالحرية التي يتحدث بها وهو في المغرب. وأكد محمد أركون على أن الدفاع عن «العقل الصاعد» يفترض الانكباب على الجوانب غير المفكر فيها في الفكر الإسلامي.