تبحر مصر في بحر من النيران المشتعلة، والدعوة إلى الفوضى الخلاقة علنية، خطط التقسيم على أساس طائفي وعرقي، تفتيت الكيانات الكبرى إلى شظايا صغيرة بحيث تتحول إسرائيل إلى الكيان الأقوى، المهيمن على كل المستويات، الأسبوع الماضي حمل نذرا تبعث على الخشية، فالنيران التي تحيط بمصر، والتي نجحت السياسة الخارجية المصرية في تجنب مخاطرها، بدأت تنتقل إلى داخلها، وهذا يدفع بقضية سلامة الدولة المصرية إلى الصدارة، والدولة التي أعنيها هي مصر ذاتها، دائما يجري الخلط بين مفهومي الدولة والنظام، أي نظام سياسي عابر، أما الدولة فباقية بركائزها الأساسية من بشر ونهر وحجر وزرع وثروات وكيان متماسك، إن سلامة الدولة تقتضي الوعي بما يحدق بها من مخاطر، وكما ذكرت فإن التعامل مع ما يأتي من الخارج في عالم متغير وتسوده دعاوى العولمة وتسييد نمط واحد من الثقافة على كل المستويات، ومع تأجيج الصراع بين الثقافات، ظرف عالمي صعب ودقيق لابد أن تكون له انعكاسات على الداخل، خاصة أن مصر في قلب العالم، تؤثر وتتأثر، هنا تبرز قضية سلامة الدولة، أي سلامة مصر كوطن وكيان وحمايته من التشرذم والمخاطر الداخلية التي أعتبرها أخطر من الخارجية، وفي رأيي أن ما يتهددنا الآن يقتضي أن ننتبه إلى المواطن التي يمكن أن تشكل ركائز تهدد سلامة الدولة. أولا قضية الوحدة الوطنية، وتلك أخطر الثغرات التي يمكن النفاذ من خلالها إلى العصب الرئيسي وتلك قضية نشير إليها دائما وننبه إلى النقاط السلبية فيها والتي جعلها مشكلة رئيسية تصاعد موجات التطرف، وجهل كل طرف بالآخر في إطار الوطن. ثانيا، قضية العدالة الاجتماعية، الشعور العام الذي يؤكده الواقع، غياب العدالة الاجتماعية إلى حد لم يحدث في تاريخ مصر، لقد وصل الانقسام في المجتمع المصري إلى حد مفزع، خاصة بعد انهيار الطبقة الوسطى، وفقدان الملايين للرعاية، والأخطر فقدانهم للأمل في مستقبل أفضل مما دفع بشباب كثيرين إلى إلقاء أنفسهم في البحر بحثا عن سراب الأمل، يحدث هذا مع زيادة تركيز الثروة في أيدي عدد محدود من الأفراد يمكن معرفتهم بالاسم، وقلة ممن يدورون حولهم. نشرت الصحف الأسبوع الماضي عن شهادة من هيئات متخصصة في أوروبا تشيد بزيادة معدل النمو في الاقتصاد المصري إلى ما يتجاوز سبعة في المائة، ممكن أن يكون هذا صحيحا، ولكن هذا النمو لم يصل إلى عموم الشعب، إذا كان الاقتصاد المصري قد حقق نموا من هذا العائد، فهذا اتجه إلى عدد محدود من الأفراد الذين يكدسون المليارات، وبعضهم نشاطه غامض وأصوله أكثر غموضا، قليل من الأثرياء الجدد الذين نعرف لهم تاريخا، من هنا تبدو الحاجة ماسة إلى إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، بما يكفل الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، من يتحمل أعباء الأزمة الآن جهاز الأمن، ولكن الأمن وحده لا يكفي، وقد برز ذلك في أحداث المحلة، الأمن علاج وقتي، لكن ما يحقق الاستقرار العدالة. العدالة في الخطط، والعدالة في السياسات، إن ما يزعجني تلك النظرة العلوية التي تتعامل مع المصريين كقطيع من البشر، فقراء يستحقون بعض الإحسان وليس الحق في حياة كريمة تتحقق فيها الشروط الدنيا للحياة الإنسانية، لأول مرة تبرز في واقعنا ظاهرة احتقار الشعب، وهذا ما لم يحدث في زمن المماليك ولا الأتراك ولا الاحتلال الأجنبي. ثالثا: الحد من الفساد، الذي أصبح منظومة، أقول الحد منه وليس اجتثاثه فهذا مستحيل الآن، الحد منه بما يكفل سلامة الدولة، إن انتشار الفساد، وانتفاء مبدأ الحساب يؤدي إلى مخاطر جمة بالإضافة إلى العوامل الأخرى السابقة، مخاطر رأينا تجربة صغيرة لها في المحلة الأسبوع الماضي، عنف ومشاهد فوضى ودماء أتمنى أن ينقذ الوطن منها، ولن يتحقق ذلك إلا بالعدل على كافة المستويات. عن «أخبار الأدب»