أعطيت الانطلاقة مساء أول أمس لحدث تخليد احتفالات مرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس وتأسيس الدولة المغربية. ويقول أحمد ابن الصديق، مهندس مغربي كان مسؤولا في وقت سابق عن مؤسسة «صوطيرما» المكلفة بإدارة حامات مولاي يعقوب، إنه صاحب فكرة تخليد هذا الحدث، مضيفا أن الفكرة راودته وهو على متن الطائرة في اتجاه العاصمة الفرنسية. ويورد أنه كان في تلك الأثناء يقرأ كتابا حول تاريخ المغرب، وطور ابن الصديق الفكرة وعرضها على الديوان الملكي في مراسلة خاصة لقيت ترحيب الملك محمد السادس. وترجع بدايات الفكرة إلى أوائل سنة 2007. فتمخضت جمعية «1200 سنة على تأسيس مدينة فاس»، ووجه الملك محمد السادس رسالة إلى الوزير الأول يدعوه فيها إلى تخصيص 150 مليون درهم للحدث الذي ينتظر أن يستمر طيلة سنة 2008 وأشهرا أخرى من سنة 2009، ونصت الرسالة على أن الميزانية العامة للمشروع ستصل إلى 350 مليون درهم. وعين الملك في الرسالة سعد الكتاني مفوضا ساميا لتخليد الحدث ورئيسا للجمعية، كما عين أحمد ابن الصديق مديرا تنفيذيا لها. وأحدثت لجنة وطنية بطلب من الوزير الأول من أجل العمل على عقد اجتماعات معها في أقرب وقت. وتضم هذه اللجنة كلا من وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة. وتعود هذه الرسالة إلى تاريخ 28 شتنبر من السنة الماضية. وتأخرت الاحتفالات المقررة لفاتح يناير من السنة الجارية، وربط أكثر من مصدر بين هذا التأخر والأزمة الداخلية التي عاشتها الجمعية بسبب نزاع بين المدير التنفيذي والرئيس حول الاختصاصات انتهت بإبعاد أحمد ابن الصديق عن المشروع بأكمله، فيما أعيدت هيكلة الجمعية وتحولت وزارة الداخلية إلى صاحبة المشروع. وإلى جانب وزير الداخلية شكيب بنموسى، أدخل في الآونة الأخيرة محمد حصاد، كاتب الدولة في الداخلية، بدوره إلى اللجنة الوطنية للجمعية. ويقول الكتاني إن الغرض من وراء هذا الحدث هو ربط الماضي بالحاضر وتعريف الشباب المغربي بتاريخه وتكريس قيم التسامح والانفتاح والتعايش، وهي كلها مقومات الحضارة المغربية. ويرتقب أن تشهد مختلف جهات المملكة احتفالات لتخليد هذا الحدث، وهي احتفالات يعيب عليها البعض توجهها الفني والموسيقي الصاخب، واستهلاكها للمال العام، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى هذه الميزانيات للاستثمار في الجانب الاجتماعي. وعرضت في ساحة بوجلود، أمام حشد هائل من المتفرجين، لقطات فنية ومسرحية تظهر المغرب في تنوعه اللغوي والثقافي وغناه الحضاري، وبثت لقطات تستحضر حدث المسيرة الخضراء، كما أطلقت بعض الصور للمسيرة التي شهدتها الدارالبيضاء ضد الإرهاب بعد أحداث 16 ماي 2003، وتعمد المنظمون بث عروض غنائية تزاوج بين الأصالة والمعاصرة في مزج بين «الموجات» الفنية القديمة والأجيال الشابة. وعرفت ساحة بوجلود تعزيزات أمنية مكثفة، كما استنفر رجال الوقاية المدنية كل قواهم ونصبوا خيمات بجوار الساحة، فيما سادت حالة من الفوضى في الطرقات الرئيسية للمدينة قبل انطلاق الحفل الذي بدأ حوالي الساعة التاسعة، وذلك بسبب إغلاق بعض المعابر المحاذية للساحة وإبقائها مفتوحة فقط في وجه الزوار الرسميين المدعوين إلى حضور حفل إعطاء الانطلاقة لهذا الحدث الذي قيل إن تخليده سيتم في مختلف جهات المملكة. وزينت ساحة بوجلود، وهي إحدى الساحات الرئيسية المعروفة في المدينة القديمة بفاس، بالأضواء، وشيدت فيها منصات كبيرة. وحضرت قنوات تلفزية نقلت مباشرة أجواء هذا الاحتفال، وتعرف هذه الساحة في فاس كفضاء للحلايقية، وتقترب الأجواء فيها كل مساء من أجواء جامع الفنا بمراكش. وبمحاذاة هؤلاء يعرض تجار غير منظمين سلعهم في الفضاء المفتوح، ولكن الحفل فرض على كل هؤلاء الاختفاء مؤقتا من الساحة. وحضرت مراسيم إعطاء الانطلاقة لاحتفالات 1200 سنة على تأسيس الدولة المغربية عدد من الشخصيات الدولية، منها عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية. واستغلت المناسبة ليعقد هذا الأخير لقاء بالطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، تدارسا فيه مستجدات الوضع العربي ونتائج القمة العربية الأخيرة في دمشق. وحضر أيضا كل من خافيير بيريز ديكويار، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، والرئيس السابق للحكومة الفرنسية، دومينيك دوفيلبان. واستغلت فيفيان واد، زوجة الرئيس السينغالي عبد الله واد، فرصة حضورها للحفل لتزور المدينة العتيقة لفاس. وشوهدت هذه الأخيرة وهي تبتاع بعض الهدايا من تجار القيصاريات، محاطة بعدد كبير من رجال الأمن ببذل غير رسمية، ووجد هؤلاء الأمنيون التابعون للقصر الملكي صعوبة كبيرة في توفير التغطية الأمنية لعقيلة الرئيس السينغالي بسبب ضيق الأزقة واكتظاظها بالناس، ووقعت مشادات بينهم وبين زوار آخرين بسبب «الازدحام». فيما منع المصورون الصحفيون من شارات تسمح لهم بالتصوير، واحتج بعض هؤلاء على مندوبية وزارة الاتصال بفاس. وعرف توزيع هذه الشارات على الصحفيين نوعا من الارتباك، واتهمت وزارة الاتصال بتوزيع الشارات على صحف لم تعد تصدر منذ مدة وصحف أخرى تصدر مؤقتا بين الفينة والأخرى. فيما «أبعد» صحفيون آخرون من تغطية مراسيم إعطاء الانطلاقة لهذه الاحتفالات. وكان الملك محمد السادس قد أكد في كلمته عزمه على أن تصبح مدينة فاس قطباً نموذجياً للجهوية المتقدمة، مجددا حرصه على وصل ماضي هذه المدينة بمستقبلها الواعد، ضمن استراتيجية متعددة الأبعاد، غايتها إعادة الاعتبار لهذه المدينة.وقال في الرسالة التي وجهها بمناسبة انطلاق هذه الاحتفالات: «إننا حريصون على وصل ماضي فاس المجيد بمستقبلها الواعد، ضمن استراتيجية متعددة الأبعاد، غايتها إعادة الاعتبار لهذه الحاضرة الأثيرة لدى جلالتنا». وأعرب في هذه الرسالة، التي تلاها الأمير مولاي رشيد، عن تصميمه على ترسيخ هوية مدينة فاس، كمنبع للإبداع الفني والحرفي والمبادرة الذاتية، ولحركية الإنتاج والمبادلات، ووجهة سياحية غنية بمؤهلاتها وجاذبيتها الروحية، وهو ما يقتضي تعزيز بنياتها التحتية الحديثة بمختلف أنواعها وتمكينها من التكنولوجيات الجديدة للمعرفة والاتصال وترسيخ الفكر التنويري بين شبابها، ليظل رأسمالها الدائم هو الموارد البشرية المؤهلة.