من الأشياء المثيرة للإعجاب إقدام الكثير من دور النشر الفرنسية على نشر إعلانات في الصحف وفي الملاحق الثقافية عن حاجتها إلى كتاب شباب جدد لم ينشروا كتابهم الأول بعد، أو لديهم مخطوطات راقدة ويرغبون في نشرها وتعميمها، وكأن أصحاب هذه الدور يؤمنون بالمثل العربي القائل «يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر». أفكر، بطبيعة الحال، في الطريق التي يكون على الكاتب، المغربي بخاصة والعربي بعامة، أن يقطعها من أجل أن يحقق حلمه في نشر كتابه الأول، حلم عادة ما يصطدم بجيش من المناوئين ومن قتلة المواهب الشابة ومن الأوصياء المتجهمين ومن هواة اليأس ومحترفيه على حد سواء. الكاتبات الشابات تسوقهن «أقدار الكتابة» إلى المشي في طريق ضيق، بل وإلى التدرب على التصدي للتحرش الثقافي لمثقفين مكبوتين يجولون دور النشر والملتقيات ويقدمون النصح «الحسن» في الملاحق الثقافية و»يبركون» مثل اللصوص في الطريق الطويل المؤدي إلى النشر. المؤسف أن هؤلاء لا يجلسون فقط في الطرقات المذكورة ولكن أيضا يترصدون «المواهب» في دور الشباب وفي الجامعات وحتى في الحدائق العامة. لو حكت الكاتبات الشابات عن بداياتهن وعن «الأيادي البيضاء»، التي مدت إليهن قبل أن تسود بفضل الأوساخ غير المرئية التي تفتك بكل ثوب، لكانت الشهادات بالفعل صادمة و»قوية» كما يقول الإخوان في المشرق العربي. في هذه المنطقة المعتمة من التاريخ الأدبي يقع المحظور الثقافي، هنا أو هناك، ولا يجد «المستصرخ» اليد النظيفة التي تمتد إليه وتنتشله من العتمة غير الباهرة التي تحيق به. لو حكى الكتاب الشباب الذكور عن حالات الاستعمال التي تعرضوا إليها، بحسن نية أو بسوء نية، لكانت الشهادات أيضا مخيبة للآمال، كتاب شباب دفعوا دفعا إلى أن يكونوا في هذا «الفيلق» أو ذاك، في تلك «السربة» من خيول السباق أو تلك، في الوقت الذي كان فيه عليهم أن يكرسوا حياتهم الشابة إلى مزيد من القراءة ومن تمارين الكتابة ومن جعل المسام والعقل تنفتح على آفاق الحرية والديمقراطية والكتابة والانتماء إلى أهم قضايا الإنسان، حيوية وجوهرية، في الوطن وفي العالم. يخرج الكاتب الشاب من تجربة الكتابة ممحونا، قلقا، ساخطا على اليوم الذي قادته فيه قدماه إلى مهنة الكتابة، وتخرج الكاتبة الشابة، إذا قيض لها الاستمرار، أكثر سطحية وأشد قابلية لأن تروج للرداءة وللانحطاط الثقافي والفكري. ماذا لو وضعت دور النشر المغربية إعلانات صغيرة مثل هذه، في سبيل البحث عن كتاب شباب جدد أو عن كتاب وكاتبات لم تسعفهم الظروف في نشر كتبهم لسبب من الأسباب. ماذا لو خرجت هذه الدور عن المألوف، وهامت على وجهها في المدن الصغيرة وفي الدواوير وفي الأسواق بحثا عن كتاب قد يكون أفيد، وقد يساهم في صدفة الرفع من القراءة، كتب جميلة وأنيقة وقابلة للهضم، وليس كتلك الكتب المتجهمة المطبوخة في مطبخ»ممجوج» يسبب عسر الهضم. الإقصاء ألوان وموسيقى ولغات، وأعمى من يراه في هيئة واحدة.