استنتج عمر أفا وهو أستاذ بكلية الآداب بالرباط من خلال البحوث التي أجراها حول تاريخ المخطوط الأمازيغي المكتوب بالحرف العربي أن المغرب في عمومه مجال لانجاز المخطوط باللغة الأمازيغية بمختلف اقسامها، الزناتية والمصمودية والصنهاجية، سواء في الريف أو في الأطلس المتوسط أو في جهات سوس. وأكد افا في مداخلة ألقاها في ندوة نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ سنة 2003 في موضوع «المخطوط الأمازيغي: أهميته ومجالاته» أن منطقة سوس أكثر جهات البلاد اغتناء بالمخطوط الأمازيغي ووثائقه. وقال إن السبب قد يعود إلى الموقع الجغرافي الذي جعل هذه الجهة الجنوبية بمنأى عن التأثيرات الوافدة فاحتفظت بكثير من الاستقرار اللغوي والاجتماعي والإقتصادي والسياسي أيضا. واستنتج كذلك أن اللغة العربية والحرف العربي في ظل الإسلام خدما اللغة الأمازيغية وحافظا على أصالتها واستمرارها، كما حافظا على لغات أمم أعجمية أخرى، لأن الإسلام لايمحي خصوصيات الأمم سيما الإيجابية منها، ولأن الأمازيغ اقتنعوا كل الاقتناع، بأن الإسلام واللغة العربية والحرف العربي من صميم هويتهم. واستدل على ذلك من حيث الانتاج باللسان الأمازيغي وأعطى نموذجا بأسرة علمية سوسية هي الأسرة الالغية التي منها محمد المختار السوسي المتضلع في اللغة العربية وأساليبها، وأنتج بها وترجم إلى الأمازيغية كتاب الاربعين النووية ويؤلف قاموسا أمازيغيا ويترجم والده الشيخ علي الدرقاوي كتاب «الأمير» المصري في الفقه وترجم أخوه الفقيه سيدي عبدالله بن علي المتوفى قريبا سنة 1995 إلى الأمازيغية كتاب نوراليقين في سيرة سيد المرسلين في مجلدين. وترجم قسم العبادات من رسالة ابن ابي زيد القيرواني في مجلد وترجم كتاب رياض الصالحين للامام النووي في أربعة مجلدات. وقدم محمد أديوان وهو كذلك استاذ بكلية الآداب بالرباط في الندوة المشار إليها قراءة انثروبولوجية في مخطوط ديني أمازيغي هو«بحر الدموع» لمحمد أوزال. وذكر أديوان بخصوص الإشكالات العامة حول المخطوط الأمازيغي بما في ذلك العنوان الذي يحمله «بحر الدموع» أو «نهر الدموع» أسيف ن ءيمطاون» وقال بهذا الخصوص، إن هذه التسمية تحمل عناصر دالة على البواعث التي حملت المؤلف على كتابة هذا النص. وهذا الخطاب يحمل في طياته استجابة مكبوتة لدى المؤلف عبر عنها ضمنيا وهي رغبة ملحة في البكاء. واعتبر كذلك أن لهذا المخطوط دورا كبيرا في خلق نمط من الثقافة الوسطى التي تدمج بنيات الثقافة الاسلامية العربية، ثقافة المدن، في بنيات ثقافة البادية التي تجمعها اللغة الامازيغية في سوس. وأضاف أنه إذا كانت الثقافة الدينية الناصرية ثقافة إسلامية عربية على شاكلة ما يوجد في الشق الثقافي في حواضر فاس ومراكش وتطوان، فإن «بحر الدموع» وغيره من مخطوطات الأمازيغ في ازمنة مختلفة كان لها دور كبير في ترسيخ مضامين ثقافة الحواضر ببرتوكلاتها الرسمية الخاصة في مناخات يدوية تدعمها ثقافة ريفية حميمية تتلقى هذه الثقافة الوسطى عبر معبر اللغة الأمازيغية وتنفتح عليها وتتفاعل معها. واعتبر «بحر الدموع» لأوزال نموذج المخطوط الذي كان يحمل على عاتقه تعليم الدين الاسلامي على نطاق واسع للشعب المغربي قاطبة في اللسان الامازيغي، ولاسيما في المجال السوسي ومايقترن به من المجالات التداولية اللغوية. واعتبر الإنتقال من الأمازيغية إلى الخط العربي أمرا يؤدي إلى تحديد أصل هذه الرغبة في نفس المؤلف، وهي رغبة إشاعة العلم الديني في الأوساط، وأحصى حوالي 25 مخطوطا مثل «أمازيغ» لابراهيم ازناك، يدرس الدين والفقه والتصوف ومن ذلك في الفقه كتاب «الحوض» لأوزال. وبالنسبة لكتاب «بحر الدموع» بالحرف العربي فقد قال أديوان إن لذلك ثلاثة أبعاد، للاعلان أولا عن الانخراط في دائرة الثقافة الاسلامية، وتقريب مضامين الاسلام بالحرف العربي وهو مايمكن الفقهاء أنفسهم، من القيام بأدوارهم التثقيفية والتربوية في مساجدهم وزواياهم وبالقرب من عامة الناس، والبعد الأخير يتمثل في تعميق مضامين الثقافة الأمازيغية وتلقيحها بالثقافة الاسلامية. وأكد محمد حمام وهو أستاذ جامعي وباحث، في مداخلة ساهم بها في ندوة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية أن المخطوطات الأمازيغية التي تم ضبطها وجردها في أوربا هي المخطوطات المحفوظة بإيكس أون بروفانص بفرنسا. وذكر انه في سنة 1995 صدر للباحث الهولندي نيكو فان دين بوخارت دليل بعنوان:«دليل المخطوطات العربية الامازيغية: مجموعة روكس باكس أون بروفانص» ويقع هذا الدليل في 126 صفحة ويضم مقدمتين إحداهما بالفرنسية وأخرى بالانجليزية وكل واحدة منهما تتألف من وصف لمجموعة أ.روكس وكلمة حول أسماء المؤلفين الأمازيغ ونظام الكتابة. وقال إن مجموعة مخزون روكس تتكون من مخطوطات أمازيغية وعربية كان ارسين روكس قد جمعها خلال مقامه الطويل بالمغرب منذ أن حل به كجندي سنة 1913 إلى سنة 1956. وهذه النصوص مكتوبة بالحرف العربي مع تكييف للصواتية الأمازيغية، هذا مايفسر تسميتها من طرف ارسين روكس بالمخطوطات العربية الأمازيغية وأغلب تلك المخطوطات كتب بلسان أهل سوس أي تشلحيت باستثناء بعض المخطوطات التي هي من الأطلس المتوسط. ويتوزع هذا الرصيد من المخطوطات الأمازيغية بين أجزاء مجلدة وأخرى مبتورة وأوراق بدون غلاف ومن المخطوطات المثيرة للانتباه ترجمة للسيرة النبوية المشهورة لابن هشام وهناك مخطوط مؤلف في الفقه الاسلامي بالأمازيغية بعنوان «تافوكت ن الدين» شمس الدين لصاحبه علي أوحماد الإلغي والد العلامة محمد المختار السوسي الدرقاوي وجدير بالاشارة أن هذا المخطوط حرر على شكل قصيدة شعرية تتألف من عشرة آلاف بيت.