شوهد نهاية الأسبوع الماضي، وبالضبط يوم السبت الأخير، عدد كبير من الممثلين المعروفين والنقاد السينمائيين، يتجولون بين «الكراريس» الحديدية الصغيرة لباعة الأفلام المتجولين، وبعضهم ممن كانت صوره تملأ صفحات الجرائد الوطنية، للمطالبة «بوقف قرصنة الأفلام»، وبالتالي إغلاق حوانيت أكبر سوق شعبي يوزع الأفلام في المغرب، وكان العديد منهم يرتدي نظارات شمسية كبيرة، وخصوصا بعض الممثلات، لكي لا يكشف أمرهم عند الباعة، ويحصل ما لا تحمد عقباه. وفي الحقيقة، لا يمكن عتاب هؤلاء الممثلين والنقاد وبعض المثقفين، أو اتهامهم ب«قلب الفيستا» أو ب«الحربائية» أو بمصطلحات أخرى من «معجم النفاق»، لأن لهم أعذارهم القوية، التي تشفع لهم والتي يبقى أقواها هو: عدد الأفلام العالمية الجديدة التي تصل إلى هذا السوق نهاية كل أسبوع، والتي لا يمكن عدم اقتنائها سواء كانت مقرصنة أو غير مقرصنة، ومادام شعار «درب غلف» المعروف هو: «أفلام للجميع من الشيخ حتى الرضيع»، وبثمن 10 دراهم للفيلم، فلا يمكن الحكم على المدافعين عن «الملكية الفكرية» ب«النفاق». وليس المغاربة وحدهم من «يتنازلون عن مبادئهم» أمام قوة جذب الأفلام المتداولة في السوق الشعبي، بل أيضا العديد من الأجانب والسياح، الذين اعتادوا زيارة هذا «الموقع السياحي» في عطلة نهاية الأسبوع، ومنهم من تعلم لغة السوق وصار يطلب لائحة الأفلام الجديدة بالدارجة المغربية: «عتيني أفلام موني» (أي النسخة عالية الجودة)، كما صار بعضهم من «رواد المكان»، وأصبحت تربطهم علاقات وطيدة بالعديد من باعة الأفلام، وتحولوا إلى زبائن مخلصين لهم، بالإضافة إلى أن بعض الأجانب المقيمين بالمغرب صاروا يقتنون أفلاما لهم ولعائلاتهم المقيمة في فرنسا أو إسبانيا أو بلجيكا، وهي البلدان الرائدة في «متابعة القراصنة»، لكن قانون «درب غلف» يبقى أقوى من قانون الخارج والداخل، مادام قد استطاع تغيير عادات الأجانب الذين تربوا على «احترام الملكية الفكرية». سيقولون في نهاية الكلام «أنت تشجع القراصنة»، ولهم الحق بمنطق أن سوق «درب غلق»، بالعاصمة الاقتصادية، لا تباع فيه غير الأفلام «المقرصنة»، لكن الغريب أن قوة جذب «درب غلف» اضطرت العديد من «مناهضي» الأفلام المقرصنة والمدافعين عن نظرية «الملكية الفكرية» إلى التخلي عن قناعاتهم «المشروعة» و»القانونية» وانساقوا وراء إغواء العدد الكبير من الأفلام الجديدة التي وصلت إلى هذا السوق الشعبي البيضاوي في الأشهر الأخيرة. وفي هذا الصدد، يخبر باعة سوق «درب غلف» جميع المواطنين والمهتمين بوصول النسخة المقرصنة العالية الجودة لفيلم «آخر الأمنيات»، من بطولة عملاقي سينما هوليود، «جاك نيكولسون» و«مورغان فريمان»، بالثمن العادي (10 دراهم)، وهو الفيلم الذي لازال يعرض في القاعات السينمائية الفرنسية والأمريكية إلى حدود اليوم، ويصل ثمنه على قرص «ديفيدي» أصلي إلى 500 درهم مغربية، كما وصلت أيضا نهاية الأسبوع الماضي النسخة عالية الجودة لفيلم «4 أشهر، 3 أسابيع، ويومان»، الحائز على السعفة الذهبية لدورة مهرجان كان الأخيرة. ليس هذا فقط، بل وصلت في الأيام القليلة الماضية كل الأفلام الحائزة على «أوسكار 2008»، وبجودة عالية، وهكذا صار بإمكان الجميع مشاهدة فيلم «لا وطن للمسنين» الذي حصل على جائزة أوسكار أحسن مخرجين (الشقيقان جويل وإثيان كووين)، وفيلم «ستكون هناك دماء»، الذي حصل على أوسكار أحسن ممثل (داي لويس)، ووصلت أيضا النسخة الفرنسية لفيلم «جونو»، الحائز على أوسكار أحسن سيناريو. كما يخبر باعة «درب غلف» المسؤولين بأن «ما يحدث لنا هو جريمة»، وذلك بعد اعتقال شخصين من المزودين الأساسيين للسوق بالأفلام الجديدة، في الأسابيع القليلة الماضية، ويقول: (م.ك)، أحد أبرز تجار الأفلام بدرب غلف، إن «الاعتقالات لا تشمل غير الباعة، لماذا لا يعتقلون كل المواطنين والفنانين والأجانب الذين يقتنون الأفلام يوميا؟» إنه سؤال يستحق التفكير.