تاريخ اليهود جزء من تاريخ المغرب.. تاريخ تعايش ديانتين على أرض واحدة. في هذا الحوار مع شمعون ليفي، رئيس المتحف اليهودي والأستاذ الجامعي والمناضل اليساري، يأخذنا في رحلة اكتشاف تاريخ اليهود في المغرب، معتقداتهم، مهنهم، علاقتهم بالسلطة، ومأساة تهجيرهم إلى إسرائيل.. الوجه الآخر لطرد الفلسطينيين من أرضهم... لنتابع - لننتقل الآن إلى الحديث عن جانب تجربتك الشخصية وعلاقتك الأولى بالعمل السياسي، ما الذي جذبك إلى حلبة السياسة؟ وهل واجهتك صعوبات؟ < بالنسبة إلي، بدأ عملي السياسي في 20 غشت 1953، لا أسميه عملا، في البداية كان شعورا سياسيا. كنت آنذاك ألاحظ وأناقش مع إخوتي قضايا مثل قضية سلطان البلاد ثم نفيه من طرف الفرنسيين... وآنذاك كان لدي إحساس بأن تلك الوضعية سيتولد عنها انفجار شعبي وعمليات فدائية... آنذاك كنت أبلغ من العمر 19 سنة وأشكل واحدا من ذلك الشباب اليهودي المثقف والقليل، ولكن كان له دور وحس سياسي على خلاف مسؤولي الجماعات اليهودية الرسمية بصفة عامة. هذا هو التحليل الذي كنا كشباب يهودي نفسر به الوضعية آنذاك، وكان هو النقاش السائد داخل الشبيبة اليهودية المغربية. وكنت آنذاك على أهبة الاستعداد للذهاب إلى باريس من أجل استكمال دراستي. كنا كشباب نطرح سؤالا دائما وباستمرار: ما هو دورنا أمام التحديات التي تعترض البلاد؟ كنا نرى كشباب يهودي مثقف أنه علينا أن نقوم بدورنا. وفعلا عندما كنا طلبة، ولدى إقامتنا بفرنسا، حدث هناك اتصال مع الوطنيين من حزب الاستقلال وبعض الشيوعيين. وأستحضر هنا حادثة مجيء الجنرال «كيوم» الذي أتى لتدشين دار المغرب (la Maison du Maroc) بباريس التي كنا نقطن بها... حيث اجتمعنا -كل الطلبة القاطنين بالدار من يهود ومسلمين ونصارى- وأعلننا رفضنا استقبال هذا الجنرال وقدومه إلى مقر سكنانا. واتخذنا قرارا بمغادرة جميع الطلبة لدار المغرب، وأن تكون فارغة أثناء قدوم الجنرال، وقمنا بمظاهرة طلابية في الحي الجامعي، ورفعنا شعار: «Guillaume Assassin»، وكان ذلك في ديسمبر 1953، وكانت تلك أول مظاهرة في الشارع لطلبة المغرب بباريس تندد بالاستعمار الفرنسي. فتلك الفترة تؤرخ لوجود مناضلين وطنيين يهود مغاربة متواجدين في باريس آنذاك. وبعد ذلك سرعان ما أسندت إلي مسؤولية بلجنة الطلبة المغاربة الشيوعيين. - كيف كانت علاقتك بعلي يعته؟ < يمكن أن أختزل علاقتي بالمرحوم علي يعته في فترتين : - الفترة الأولى الطويلة والعريقة، هي التي كنا فيها على خط واحد من أجل بناء الحزب وازدهاره والتضحية من أجل مبادئه، حتى يكون لبنة في صرح تقدم وتطور المجتمع. ففي الوقت الذي كان فيه علي يعته في المنفى، رجعت أنا إلى المغرب بعد حصولي على دبلوم الدراسات العليا حول «حرب الريف». وكنت هنا بالمغرب مسؤولا كطالب بين 1956-1958، حيث أنهينا مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب - الفترة الثانية وهي فترة السنوات الأخيرة، حيث سادت علاقة ثقة متبادلة، وكانت لديه ثقة كبيرة بي. - كنت من ضمن المؤسسين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. من اقترح عليكم إسناد رئاسته الشرفية إلى الحسن الثاني؟ < كنت شخصيا من بين المؤسسين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنة 1956 مع صديقي الحميم عبد الكريم بوجيبار، كنا من المؤسسين، هو الكاتب العام، وأنا أمين صندوق اللجنة التي كونت اتحاد الطلبة. وقمت أنا وعبد الكريم بوجيبار بتحرير وصياغة جميع الوثائق التحضيرية للمؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، من قوانين وبرامج وتنظيم المؤتمر نفسه، باتصالنا مع جميع الفروع أو الجمعيات المغربية الموجودة آنذاك عبر العالم. وقضينا حوالي ثلاثة أشهر في سنة 1956 في الرباط، أنا وعبد الكريم بوجيبار، للتحضير لهذا المؤتمر التأسيسي، الذي تميز بحضور ولي العهد آنذاك مولاي الحسن حفل افتتاحه. وقبل ذلك تم استقبالنا من طرف محمد الخامس، حيث وجهنا إليه دعوة لحضور المؤتمر التأسيسي، كما وجهنا دعوة مماثلة إلى ولي العهد آنذاك، أي الملك الراحل الحسن الثاني، الذي شرفنا بحضوره. وهكذا تهيأ وتكون الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في دجنبر 1956 بالرباط. - تحدثتم عن علاقتكم بعلي يعته التي تميزت في الفترات الأولى بالتوافق التام وبالنضال، وبعد ذلك تلتها فترة أو مرحلة خلافات، ما هي النقط الأساسية التي جعلت هوة الخلاف بينكما تتسع؟ < النقاش السائد اليوم داخل الحزب، هو النقاش نفسه الذي كان سبب الخلاف، ليس هناك نقاش آخر غيره. أول مرة صوتت ضد تقرير المكتب السياسي الذي كنت عضوا فيه، وصوتت ضد تقرير علي يعته في سنة 1992-1993 في الوقت الذي كان فيه اليوسفي وغيره يريدون الدخول في الحكومة، وكان هناك نقاش حول هذه المسألة، بينما حزب الاتحاد الاشتراكي لم يقبل بهذا الأمر. وكان موقف علي يعته هو أن الحزب كان على خطأ. وأنا أيضا في ذلك الوقت كنت أرى أنهم ليسوا على صواب، لأنهم في نهاية المطاف، وبعد سنة من ذلك، قبلوا بنفس الأمور. ولكن في ذلك الوقت كنت شخصيا أقول: «أيها الرفاق دورنا ليس هو الضغط على اليسار بل نتفاهم مع اليسار للضغط على اليمين، يعني أننا مقتنعون الآن بأنه حان الوقت للدخول في الحكومة، نحن بمعية حزب الاتحاد الاشتراكي. ولكن إذا ما امتنع صديقنا حزب الاتحاد الاشتراكي عن المشاركة فيجب أن نسانده ونمتنع بدورنا عن المشاركة في الحكومة هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن نحترم النقاش الدائر بين مكونات حزب الاتحاد الاشتراكي، لكي لا تضيع قيمته لأنه بالفعل لديهم نقاش، ويجب أن نساعدهم في هذا النقاش، وآنذاك قلت لا، وصوتت ضد موقف اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية. ومنذ ذلك اليوم انتهى كل شيء، إذ أصبحت أحضر كل الاجتماعات وأعبر عن وجهة نظري، وأدافع عنها، وأسمع كل ما يوجه إلي، أما اللجنة المركزية فكانت تحترمني، لكن الأقلية هي التي كانت تساندني. - قرار حل الحزب الشيوعي المغربي، هل كان له تأثير على مسارك النضالي؟ < الحزب منع مرارا، في المرة الأولى في سنة 1952 مع حزب الاستقلال، وهذا بمثابة اعتراف بالدور الوطني الذي لعبه الحزب الشيوعي في تلك الفترة. وحل في المرة الثانية في سنة 1960 في عهد محمد الخامس بناء على خطبة قيل فيها أن مبادئ الحزب الشيوعي تتعارض مع الإسلام. الدورة الأولى في 1959 ربحناها والقضاء اعترف بقانونية الحزب الشيوعي، فيما بعد اختلقوا بعض الأمور المتعلقة بتنافي مبادئ الحزب مع الدين، واستأنفوا الحكم وتم منعنا. أما في المرة الثالثة، فقد أصبحنا نشتغل في إطار سري أو شبه سري إلى حدود سنة 1968، حيث غيرنا الاسم وسمينا الحزب بحزب التحرر والاشتراكية بنفس المسيرين والأعضاء. يتبع