تاريخ اليهود جزء من تاريخ المغرب.. تاريخ تعايش ديانتين على أرض واحدة. في هذا الحوار مع شمعون ليفي، رئيس المتحف اليهودي والأستاذ الجامعي والمناضل اليساري، يأخذنا في رحلة اكتشاف تاريخ اليهود في المغرب، معتقداتهم، مهنهم، علاقتهم بالسلطة، ومأساة تهجيرهم إلى إسرائيل.. الوجه الآخر لطرد الفلسطينيين من أرضهم... لنتابع - تتحدث العديد من المصادر عن تباين وجهات النظر إزاء العمل السياسي الذي انخرط فيه اليهود بالمغرب. هلا حدثتنا عن النواة الأولى لهذا العمل؟ < عدد منهم دخل الحركة السياسية في الثلاثينات، وكانوا متأثرين بالأفكار الشيوعية والاشتراكية و... وبعد حرب 1939 وقيام حكومة «بيتان» تحت مراقبة الألمان، كان من أول النصوص التي أخرجتها تلك الحكومة آنذاك «قانون اليهود»، وهو عبارة عن مجموعة من الممنوعات التي تعود باليهودي إلى الوراء. وقد صدرت تلك النصوص بالجريدة الرسمية المغربية، فهل الذي وقع عليها قرأها؟ الله وحده يعلم. كل ما هنالك أنه بعد أن قرأها اليهود جاؤوا ليحتجوا، ربما كلمة احتجاج هنا كبيرة، ولكن على الأقل جاؤوا يقدمون ملاحظاتهم إلى الملك الراحل محمد الخامس، وآنذاك قيل إنه أجابهم بقوله: «إيلا مسوكم أنا غادي نتمس معاكم»، ولكن في ذلك الوقت لم تكن لديه السلطة، بل كانت لدى الفرنسيين. أما الحركة الوطنية في ذلك الوقت، فلم تتخذ أي موقف واضح خلال سنوات 1940-41-42، بل، مع الأسف، هناك بعض الوطنيين الذين ذهبوا إلى ألمانيا لطلب دعم الألمان للمغرب، ولن أذكر الأسماء. في سنة 1942 قدم الأمريكيون، وفي سنة 1943 أسس الحزب الشيوعي المغربي، وكان جزء من المؤسسين يهودا، وسرعان ما توسع وأصبح حزبا يمكن القول نسبيا إنه كان جماهيريا آنذاك، وكان يتكون من بضعة آلاف من المنخرطين من بينهم 500 يهودي مغربي، وهو عدد مهم، فمثلا في ملاح فاس كانت هناك سبع خلايا، وهذا يعني أن الفكرة الوطنية كانت عند اليهود، وكانت في صراع مع أفكار أخرى، فمن جهة كان هناك التيار الفرنسي الذي يقول إن الحل الوحيد هو فرنسا، وهذا الموقف كان عند بعض اليهود وعند بعض المسلمين مثل «المقري» وغيره، والى جانب هذا وجد تيار صهيوني. - هل كان لليهود المغاربة تنظيم معين؟ < شيء مؤكد، فالتنظيم الذي كان قبل الحماية أزالوا عنه الجانب السياسي وتركوا له الجانب الاجتماعي، أي أن كل مدينة عندها «جماعة» من الأعيان ورجال الدين هم الذين يسهرون على تسيير «الجماعة»، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، ويجمعون مساعدات مادية مثلا في أيام الجمعة والأعياد لإعادة توزيعها على الضعفاء والمساكين، كما يهتمون بالجوامع اليهودية والمقابر وحفلات الزفاف، وإلى حد الآن لايزال الوضع كما كان. المشكل هو أنه منذ 1945 ونظام الجماعات اليهودية لم يتغير رغم تطور المجتمع. فمثلا النساء اليهوديات ليس لهن حق في الانتخاب، وفي حقيقة الأمر ليست هناك انتخابات أصلا بل هناك التعيينات بدون تحديد مدة صلاحيتها. - من الأمور التي تستحضر دائما عند التطرق لتاريخ اليهود المغاربة، نجد الجهات التي قامت بتهجير هؤلاء إلى إسرائيل، هل قام الأمريكيون بالتخطيط لهذه الهجرة؟ ومن ساعدهم على ذلك؟ < في سنة 1942، كان الفرنسيون يحررون قوائم بأسماء اليهود وممتلكاتهم في انتظار القيام بعملية التهجير الجماعي إلى ألمانيا النازية. وسرعان ما تغير موقف الإقامة العامة بعد نزوح الحلفاء في 8 نونبر 1942. لكن بعد سنوات قليلة، طرحت قضية الهجرة إلى إسرائيل من طرف الحركة الصهيونية، وفرنسا سهلت الهجرة «السرية». الذي خطط للتهجير ليس أمريكا وإنما الصهاينة بمساعدة الحماية الفرنسية بالمغرب. وبعد الحرب العالمية الثانية، أي 1945، كانت هناك ثلاثة تيارات، فهناك من يقول إن الحل مع فرنسا، وهناك من يقول إن الحل مع الصهيونية، وهناك من قال بأن نكون وطنيين. وإلى غاية 1948، كانت هناك عملية أخذ ورد. أما الحماية الفرنسية، فقد وجدت أن من مصلحتها أن تعين الصهيونية في تهجير عدد من اليهود ذوي المستوى الاقتصادي الضعيف، وهنا يجب التأكيد على أنه ليس كل اليهود أغنياء، بل الأغلبية الساحقة التي هاجرت في 1948 ضعيفة الدخل أو منعدمة الدخل، فمثلا في الدارالبيضاء كان هناك أكثر من 80.000 يهودي، وفي فاس كان هناك 13.000 يهودي، يعيشون في هكتار ونصف -مساحة الملاح- وكان عدد كبير منهم من المتسولين. والذي أتذكره هو أن كل يوم جمعة على الساعة الخامسة مساء قبل حلول السبت، تقوم فرق من اليهود بتجميع الخبز من أجل توزيعه على المساكين، حيث إن هاته الفرق كانت تأخذ من بيتنا خبزة كبيرة أو «ريالا» لمساعدة المساكين... ولك أن تتصور قمة البؤس التي كانت سائدة آنذاك، حيث إن المرء يسد رمقه يوم السبت بخبزة واحدة. وهذه الحالة ليست بعيدة، فهذا هو الوضع المزري الذي كان عليه الملاح في النصف الأول من القرن العشرين. في الوقت الذي أتى فيه الاستعمار إلى المغرب، أساء إلى الاقتصاد التقليدي الذي كان يعيش منه اليهود، فمثلا حينما أدخل الحذاء البلاستيكي قضى على من كانوا يصنعون الحذاء الجلدي التقليدي. وفي 1936، كان في مدينة فاس 1600 حرفي يصنعون «الصقلي» أو خيط الصقلي، ويغطون جميع حاجيات المغرب، فصناعة الصقلي كانت حرفة جيدة و«شريفة»، وأصحابها كانوا يجنون منها أرباحا كبيرة، إذ كانت عائلات بأكملها برجالها ونسائها يصنعون الصقلي ويعيشون من مداخليه. ولكن في منتصف الثلاثينيات، عرفت حرفة الصقلي محليا انهيارا كليا، وكان السبب انفتاح الجمارك المغربية أمام الصقلي الاصطناعي الأوربي، وبذلك فإن ربع ساكنة الملاح تقريبا فقدوا مصدر عيشهم، وأضحوا، بين ليلة وضحاها، دون عمل... فخرجوا للتظاهر في الشارع دون جدوى. في الجنوب أيضا، لم تكن هناك قرية دون يهود يمتهنون حرفا تقليدية محلية. فقبل الحماية كان يصل عدد الساكنة اليهودية إلى حوالي 100 ألف، وبعد الحماية وصل عددهم إلى 270 ألفا، إذن تضاعف العدد... فظهرت الهجرة القروية نحو الدارالبيضاءومراكش... ووصل عدد اليهود في مراكش إلى حوالي 25 ألفا... وعندما كانوا لا يجدون عملا بمراكش كانوا يهاجرون إلى الدارالبيضاء. وفي سنة 1948، ظهرت العروض الصهيونية، فمن أراد العمل والمنزل فعليه بإسرائيل، وفعلا هاجر عدد من اليهود من المساكين. يتبع