الأنترنيت التي يسرت تحويل العالم إلى قرية صغيرة، بقدر ما لها من منافع فإنها لا تخلو من مساوئ، ويقدر ما تتيح لمستعملها من معلومات قيمة فإنها قد تغرقه في سيل من المواقع الإباحية، كما يمكن أن تؤدي إلى سرقة هويته وبياناته الشخصية. يتم بيرنرزلي، مخترع الشبكة العنكبوتية بحث الموضوع في حوار مع ال«بي بي سي» فيما يلي ترجمته: في غشت من عام 1991، أنشأ السير تيم بيرنرز لي أول موقع في شبكة المعلومات الدولية المعروفة بالأنترنت، وبعد أربعة عشر عاما يقول إن أسلوب كتابة المدونات الذي انتشر اليوم هو الأقرب إلى الفكرة الأصلية التي راودته عندما أطلق هذا المشروع وهي فكرة «اقرأ، تفاعل، واكتب. وأجرت «بي بي سي» مؤخرا حوارا مع لي، وبدأ محاوره مارك لاوسن بسؤال صاغه بطريقة نابعة من تجربته الشخصية مع الأنترنت؛ وقال له إنه بسبب اختراعه قد تمكن قبل إجراء الحوار معه من البحث بسهولة عن كل المقالات التي كتبها لي أو كتبت عنه. ولكن، في ذات الوقت، أسفر بحثه عن تلقيه عددا من الروابط الخاصة بالمواقع الإباحية أيضا. كما ان مجرد تصفح الأنترنت يعرض القارئ لاحتمال سرقة هويته وبياناته الشخصية، وتساءل لاوسن هل الفوائد تستحق دفع مثل هذه المضار ثمنا لها؟ وقال لي إن مثل هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بنعم أو لا. وأضاف أنه يشعر بأن الأنترنت يجب أن تكون وسيلة لا تحاول مبدئيا فرض نوع معين من المعلومات على الناس لوضعها فيها. ويرى مخترع الأنترنت أن على كل فرد من ناحيته العمل على وضع محتوى جيد، ويبحث عن الوسائل التي يمكن أن تحميه من العثور صدفة على محتوى رديء أو ضار. ويقول لي إن «الأنترنت في النهاية وسيلة مثلها مثل غيرها، والاتصال وتبادل المعلومات عبر الشبكة هو إحدى هذه الوسائل التي تتعامل معها البشرية بطريقتها، ولذلك لها استخداماتها المفيدة والضارة، فالأمر يرجع إلينا، ولكن علينا أن نتأكد من أن هذه الوسيلة ستظل عالمية، وبعدها نعمل على ضمان دعمها للمجتمع الذي نريد أن نبنيه على أساسها». وأشار بيرنرز لي إلى أنه لا يشعر بالمسؤولية عن مضار الأنترنت، ولكنه يشعر بالمسؤولية إذا ما استخدم أفراد الشبكة وهم يتوقعون شيئا، ثم وجدوا خلافه، ولذلك فهناك الكثيرون الذين يحاولون تحسين الأنترنت. وتوجه بيرنرز لي، الملقب ب«أبي الشبكة الدولية»، إلى قصر باكينجهام للحصول على لقب «حافظ النظام» تقديرا لما أسهم به من خدمات لتطوير شبكة الأنترنت على المستوى الدولي. ومنحت الملكة لقب «فارس» لأبي الشبكة الدولية باستخدام سيف كان ملكا لوالدها الملك جورج السادس خلال احتفال أقيم في قاعة الحفلات بالقصر. وطور بيرنرز برنامج النصوص الفائقة (هايبرتكست) أثناء وجوده بمعهد الفيزياء الجزيئية في كيرن بمدينة جنيف السويسرية. وسهل البرنامج الذي طوره بيرنرز لي للعلماء تبادل الأبحاث والبيانات في ما بينهم عبر شبكة حاسب داخلية والتي أصبحت فيما بعد شبكة الأنترنت. وعن أبرز الإنجازات التي يرى أن الشبكة حققتها، يرى لي أن أبرز صفات الأنترنت هي أنها وسيلة عالمية تتيح للأشخاص العاديين عمل كل ما يريدونه بطريقة أكثر فاعلية، وتسمح لهم بالتواجد في مساحة معلوماتية لا تعرف حدودا جغرافية، وأضاف أنه «يأمل أن تقرب الناس في جميع أنحاء العالم من بعضهم لأنها تجعل الاتصال بين الدول والثقافات المختلفة أكثر سهولة، في البداية كان من السهل إنشاء صفحة جديدة والكتابة فيها وقراءتها من طرف الآخرين والتعليق عليها، وهو ما يشبه كثيرا المدونات التي انتشرت اليوم». ويعتقد لي أيضا أن الأنترنت لا تختلف كوسيلة في هذا الشأن عن غيرها، ويقول إن من يبحث في الأوراق الملقاة في الشارع أو في سلال القمامة عن قصاصات الصحف لا يجب أن يتوقع أن يحصل على معلومات تتمتع بالمصداقية، وعلى من يريد الاستفادة من الشبكة تتبع الروابط التي تؤدي إلى نتائج جيدة والاحتفاظ بها، وأيضا معرفة الروابط والمواقع السيئة وعدم العودة إليها، وينصح لي بأن كل ما لا يتضح مصدره يمكن تجاهله. ويترأس بيرنرز لي حاليا اتحاد الشبكة الدولية بمعهد ماساشوسيتس للتقنية بمدينة بوسطن، حيث يتخذ من المعهد مقرا لعمله كأكاديمي ويعكف بيرنرز لي الآن على تطوير ما يعرف باسم «شبكة الدلالات اللفظية» التي ستعطي معنى أعمق للمواقع. وينهي لاوسن اللقاء مع لي بسؤاله عن رؤيته لمستقبل الأنترنت، ويقول مخترع الشبكة إنها الآن «في مرحلة شد وجذب على أكثر من صعيد، مثل قضايا القرصنة وحقوق الطبع، والرسائل غير المرغوبة، واعتقد أن أكثر هذه القضايا سيحسم، وستصبح الشبكة أكثر استقرارا في المستقبل». ويكمل لي بأنه عندما تبلغ الشبكة عمر الثلاثين يتوقع ألا يتحدث عنها الناس لأنها ستصبح أمرا مسلما به. ويقول في النهاية إنها على قدرما تحافظ على انفتاحها ومرونتها وعالميتها ستكون مساحة تؤدي إلى بناء ما هو متجدد ومتفرد لتصل بنا إلى ما لا نستطيع أن نتخيله الآن». عن ال«بي بي سي»