كتمت أسماء، ابنة السابعة عشر ربيعا، آلام اليتم الذي صنعه هروب الأب المريض، ستة أشهر قبل ولادتها، تاركا إياها بدون اسم عائلي، وقسوة، وظلم الأيام والليالي، التي قذفت بها إلى الفراغ الأسري، وحرمتها من حضن والدها وحب عائلته الواسعة التي اختفت وأخفت معها كل معالم الحياة السعيدة، لكن حدة الآلام تضاعفت مع تقدمها في السن، ومطلب حصولها على اسم عائلي أصبح ملحا لضمان متابعتها الدراسة، واجتيازها لامتحانات الباكالوريا وضمان حصولها على بطاقة التعريف الوطنية. المكتب المختص ببلدية ابن سليمان رفض منحها لقب والدها، رغم أن سجل الحالة المدنية لدى المكتب يؤكد أن عثمان كران والد التلميذة، ومسؤول بالحالة المدنية أحالها على القضاء لانتزاع قرار بإدخال الاسم العائلي، والقضاء الأسري بالمحكمة الابتدائية بابن سليمان يطالب بتواجد الأب ودفتر الحالة المدنية الخاص به من أجل التوقيع على القرار، وبين القضاء والسلطات المحلية تتأرجح وضعية أسماء التي تحمل اللقب المؤقت (أسماء عثمان) بين زميلاتها في الدراسة وجيرانها، لقب لا تجد تبريرا له أمام الأسئلة البريئة لمحيطها القاصر. لم تكن أسماء التلميذة النجيبة، التي تتابع دراستها في مستوى الجذع المشترك علمي بالثانوية التأهيلية الحسن الثاني بابن سليمان، تنتظر أن يعود شبح الماضي الأليم الذي منحها طفولة عرجاء، ليزعجها في مستقبلها الدراسي، ويقلب عليها مواجع الأمس البعيد. قالت أسماء وهي تحاول جاهدة تجفيف دموعها: «أحلم كل ليلة بقدوم أبي، أو أحد أعمامي أو جدتي... لم أفقد الثقة في إحساسي بلقائهم، وهو ما جعلني أستمد قوة العمل والدراسة، وأثابر من أجل غد أفضل»... ليست لأسماء مطالب ثقيلة على أبيها عثمان كران المختفي منذ 18 سنة، فهي ابنته كما تثبت ذلك نسخة موجزة من رسم الولادة مختومة وموقعة من طرف الكاتب العام لبلدية ابن سليمان، توصلت «المساء» بنسخة منها، وليس لها على جدتها (فطومة بنت عبد الرحمان) وعميها(علي وتوفيق) وعماتها الخمس (أمال، رجاء ، حورية، ووفاء، مجيدة، مونية) سوى زيارتها كلما سمحت لهم الأيام، ومساعدتها للحصول على اسمها العائلي. أم أسماء المتزوجة والتي أنجبت طفلة مع زوجها الثاني تؤكد أنها لن تطالب بأية مصاريف أو واجبات كان قد أخل بها زوجها السابق، وتتوسل إلى أسرته من أجل إنقاذ مستقبل ابنتها التي رفض القضاء والسلطات المحلية منحها لقبها من زوجها الأول، إلى حين حضوره شخصيا أو توفر دفتر الحالة المدنية الخاص به. وأوضحت أم أسماء أن زواجها الأول دام زهاء سنة، وأنه إثر مرض نفسي ألم بالزوج خرج من المنزل وهي حامل بأسماء في شهرها الثالث، ولم يعد بعدها، وأضافت أنها ظلت تنتظر عودته إلى رشده، وإنها تطلقت منه بعد ست سنوات من زواجهما، وأن كل أقاربه كانوا يعدونها هي وابنتها في منزل والديها. مشيرة إلى أنها لم تكن تعلم بإشكالية الاسم العائلي الذي تتخبط فيه حاليا ابنتها. وتقيم أسماء حاليا مع جدتها بالحي المحمدي بمدينة ابن سليمان، وتأمل أن تستفيق على صوت والدها أو أحد أقاربها يبشرها بانتهاء كابوس اليتم وحصولها على لقب أبيها كران، مثل باقي بنات حواء.