كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف من صباح أول أمس الخميس حين بدأت الحركة تدب في محيط محكمة الاستئناف بالرباط التي كانت تستعد لاستضافة المتهمين بتشكيل خلية بلعيرج. الإجراءات الأمنية مشددة، حيث يقف رجلا أمن على عتبة بوابة وحيدة فتحت في وجه المتقاضين، يتفحص أحدهما استدعاء المتقاضين لولوج المحكمة، فيما يحرص الآخر على مرورهم من تحت جهاز الكشف بالسكانير. كبار مسؤولي الأمن يتبادلون معلومات تفيد بقرب وصول خلية بلعيرج إلى استئنافية الرباط على متن سيارات الأمن. وبعد لحظة، يسبق رجل أمن من فرقة «كوكبة الدراجين» موكب اقتياد خلية بلعيرج إلى محكمة الاستئناف بالرباط ويرفع أمن المرور علامة قف في وجه مستعملي شارع النخيل بحي الرياض ليفسح المجال للموكب القادم من كوميسارية المعاريف بالبيضاء إلى حي الرياض الهادئ بالعاصمة. حضرت سيارات الأمن التي تقل عناصر خلية «بلعيرج» إلى جنايات الرباط قبل متم العاشرة صباحا، وضرب طوق أمني على الصحافيين الواقفين تحت لهيب شمس حارقة، الذين دخلوا في مشاجرات مع الأمن بسبب منعهم من الاقتراب والتقاط الصور. إدارة الأمن الوطني جندت عشر سيارات كبرى لنقل 35 شخصا من المشتبه فيهم، وخمسين رجل أمن من فرقة مكافحة الإرهاب لتأمين عرضهم على النيابة العامة وقاضي التحقيق. تصل سيارات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تباعا، وتدير ظهرها لبوابة المحكمة المفضية إلى زنازين بطابقها الأرضي، فيضع رجال الأمن أيديهم على زناد المسدسات بينما أفراد خلية بلعيرج يترجلون من السيارات تحت مراقبة لصيقة من الأمن، وهم يحاولون إخفاء وجوههم عن عدسات الكامرات. تمر الساعات بشكل ثقيل على المتهمين وسريع على قلوب عائلات «مفجوعة من هول ما حدث». بداخل المحكمة التي عاشت يوما غير عادي، كان محامو شبكة بلعيرج يتبادلون المشورة في ما بينهم حول ما سيطرحونه على لحسن العوفير، الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالرباط. قبل ركوب النقيب بنعمرو وعبد الرحيم الجامعي وخالد السفياني والمصطفى الرميد ومحمد الصبار المصعد في اتجاه الطابق الثالث حيث مكتب الوكيل العام، التحق بهم وفد عن دفاع المتهم ماء العينين العبادلة، يمثل هيئة العيونأكادير. تغادر هيئة الدفاع مكتب النيابة العامة بعد لقاء دام لدقائق مع الوكيل العام، ويخوض الجميع في حديث حول ما اعتبروه حرمانا للدفاع من حق نسخ محاضر «خلية بلعيرج». يقول ماء العينين محمد الأغضف أبوبكر عن هيئة المحامين بالعيونوأكادير: «لقد اطلعت على التهم الموجهة إلى موكلي عن طريق الصحافة، لا غير، ولم نتمكن بعد من نسخ المحاضر». يودع أعضاء الدفاع مقر استئنافية الرباط وهم غاضبون، وينتظر الصحافيون تحقق خبر حول خروج الوكيل العام لتلاوة بلاغ يتضمن التكييف القانوني للتهم الموجهة إلى «خلية بلعيرج» كما صاغته النيابة العامة، لكن لا شيء من ذلك تحقق، حيث تم نقل المتهمين مباشرة إلى ملحقة سلا للمثول أمام قاضي التحقيق. إنزال أمني غير مسبوق عرفته مدينة سلا، حيث أصبحت مثل ثكنة عسكرية بعد أن تم إغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى البوابة الخلفية للمحكمة والاستعانة بالعشرات من عناصر الشرطة والقوات المساعدة، إضافة إلى رجال أمن بزي مدني، غير أن الوقفة الاحتجاجية التي نبتت فجأة ودون أن ينتبه أحد إليها بعثرت أوراق المسؤولين الأمنيين الذين لجؤوا، بعد ارتباك واضح، إلى الاستعانة بالحواجز الأمنية وطلب الإمدادات من أجل فرض طوق أمني على أسر المعتقلين الذين رفعوا لافتة كبيرة تحمل صورة المرواني، الأمين العام لحزب الأمة، وتتضمن شعارا يدين العنف ويدعو إلى السلم الاجتماعي والعمل الديمقراطي في إطار الشرعية الدستورية والقانون. خلال هذه الوقفة، تم ترديد العديد من الشعارات من بينها «حزب الأمة.. همة ...همة» وترديد اللطيف و«الله أكبر» كلما مرت سيارة شرطة قبل أن يعود الهدوء من جديد وسط أجواء الترقب والإعياء عدد كبير من أهالي المعتقلين الذين حاولنا أخذ تصريحاتهم كانوا يردون بالقول إنهم لا يعلمون أي شي إلى حد الساعة وإن الصدمة مما يحدث تجعل كل الكلام دون جدوى مادامت الصورة لم تتضح بعد. في حدود الساعة الثالثة، كان أول الوافدين إلى بهو المحكمة سيدتان في العقد الثالث بزي صحرواي قبل أن تخرجا من حقيبتيهما زي المحاماة ليكتشف الحاضرون أن الأمر يتعلق بأختي العبادلة ماء العينين اللتين انتصبتا للدفاع عنه، ليتوالى بعد ذلك وصول المحامين وسط المزيد من الإنزال الأمني. ومع اقتراب الساعة الخامسة، تدافع الصحفيون والمصورون أمام السياج الحديدي المحيط بالبوابة الخلفية لمحكمة سلا أملا في التقاط صور للمعتقلين، غير أن الأمر سيتطور إلى مشادات بين أحد الصحفيين ورجال الأمن بعد أن تمت محاصرتهم بطريقة مستفزة، حيث تم اللجوء إلى اعتراض الكاميرات والعدسات من طرف الأمن. عاد الهدوء المفقود الى محكمة سلا، وشرع قاضي التحقيق عبد القادر الشنتوف في الاستماع ابتدائيا إلى المتهمين في ليلة كانت بيضاء لدى خلية بلعيرج التي قرأت اللطيف وهي تسكن زنازين سجن الزاكي الباردة لأول مرة.