«قلوب محترقة» يحكي قصة مهندس مغربي شاب، كان يقطن بفرنسا قبل أن يقرر العودة إلى المغرب لزيارة خاله الذي يحتضر. أمين الضايع، الشاب التائه الذي يزور خاله المريض يوميا عسى أن يتكلم هذا الأخير ويخبره عن السبب الذي جعله يقسو عليه في طفولته، ويتحول اللقاء بين الشيخ الذي يشرف على الموت وأمين العائد من باريس إلى لحظات طويلة للمحاسبة بين عجوز يموت وشاب يريد أن يحيى دون عقدة الذاكرة المؤلمة، بعد انقطاع كل أشكال التواصل بينهما لأزيد من عشر سنوات. «لقد اخترت أن أشتغل في هذا الفيلم بالأبيض والأسود لقتل جمالية مدينة فاس التي تلمع كالذهب»، هكذا قال أحمد المعنوني، مخرج الشريط الطويل «قلوب محترقة»، الذي انطلق عرضه الأسبوع الماضي في القاعات السينمائية الوطنية، ويستطرد: «لم أقم بإخراج فيلم منذ 26 عاما وصورت هذا الفيلم وكأنه فيلمي الأول». جاء ذلك في اللقاء الذي نظمه السبت الماضي «منتدى المواطنة بالدار البيضاء» لتقديم ومناقشة فيلم المعنوني الحائز على جائزة الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة. في الوقت الذي كان فيه أحمد المعنوني يفسر لزملائه المخرجين والنقاد أسباب اشتغاله باللونين الأبيض والأسود كان الجمهور في سينما «لانكس» بالدار البيضاء مستغربا وغاضبا من المفاجأة التي تلقاها بعد مشاهدته للفيلم، ووصل الأمر ببعض الحاضرين إلى حد اتهام المخرج والمسؤولين ب«الكذب» لأن «الإعلانات المعلقة على بوابة السينما تظهر صورا بالألوان لأبطال الفيلم»، بينما داخل قاعة العرض وجد الجمهور فيلما مصورا بالأبيض والأسود ما عدا المشهدين الأول والأخير في الشريط، وهو ما دفع أحد المتفرجين إلى الصراخ في وجه صاحبة التذاكر ومطالبتها بإرجاع ثمن تذكرته. «قلوب محترقة» يحكي قصة مهندس مغربي شاب، كان يقطن بفرنسا قبل أن يقرر العودة إلى المغرب لزيارة خاله الذي يحتضر. أمين الضايع، الشاب التائه الذي يزور خاله المريض يوميا عسى أن يتكلم هذا الأخير ويخبره عن السبب الذي جعله يقسو عليه في طفولته، ويتحول اللقاء بين الشيخ الذي يشرف على الموت وأمين العائد من باريس إلى لحظات طويلة للمحاسبة بين عجوز يموت وشاب يريد أن يحيى دون عقدة الذاكرة المؤلمة، بعد انقطاع كل أشكال التواصل بينهما على مدى أزيد من عشر سنوات. أمين الضايع يريد أن يعرف كل شيء عن والدته، والخال يرفض الكلام في حضرة الموت، وهنا يفقد المهندس توازنه، ويجد نفسه مرغما على الغوص من جديد في ذكريات طفولته الأليمة، ويصل ألم الذاكرة إلى ذروته حين يتذكر أمين اليوم الذي قام خاله بكيه بآلة للحدادة على فخذه بعدما اكتشف أنه يملأ دفاتر الدراسة بالرسوم. وعلى الرغم من الزيارات المتكررة للمستشفى حيث يرقد خاله، على أمل أن يتكلم، إلا أن أمله الذي يولد كل يوم لم ينفعه في شيء، بل إنه عمق من آلامه وأجج ما كان متواريا خلف مشاعره الإنسانية الطبيعية لسنوات طويلة. الفيلم يبحث في ذاكرة معذبة بالأبيض والأسود لكن انسجام اللونين في الفيلم كسره ظهور هواتف نقالة في بعض اللقطات، بالإضافة إلى ظهور سيارة «كات كات برادو» في أحد المشاهد، وهو ما جعل كل من شاهدوا الفيلم بسينما «لانكس» يضحكون من التناقض الزمني الواضح لأن لا أحد كان يعرف أن المخرج استعمل الأبيض والأسود فقط لكي «لا تكسر قوة الألوان الأحاسيس التي كنت أريد أن أعبر عنها»، كما علق المعنوني في اللقاء الذي نظمه «منتدى المواطنة». وهو ما دفع عادل، طالب جامعي شاهد الفيلم ب«اللانكس»، إلى التعليق قائلا: «لم نفهم شيئا كنت أظن أن الفيلم مصور في الماضي وتفاجأت حين شاهدت الهواتف النقالة والكات كات». «إلى أمي التي لم أعرفها» كانت تلك أول جملة طالعت المتفرجين بقاعة «اللانكس»، تبعها مشهد في شكل لوحة فنية لمقبرة، ثم توالت الأحداث بنفس القوة ونفس «الضياع»، وبين لقطة وأخرى كانت تعود تيمة «الهجرة» لتسيطر على مضمون الفيلم. وتوالت المواضيع: أمين يسقط في الحب. الحبيبة تريد الرحيل إلى مدينة الأنوار. الذكريات المؤلمة لا تتوقف. معاناة أطفال فاس من استغلال المشغلين وحوادث الشغل. الشيخ العجوز لا زال يحتضر ويرفض الحديث. «فلاش باك» بالأبيض والأسود وحاضر بالأبيض والأسود أيضا. كل شيء قوي يضيع في اللونين، لتعيده الكوميديا الموسيقية بين الفينة والأخرى إلى عوالم الانتظام والاستقرار. «الناس يحضرون بكثافة لمشاهدة الفيلم لكنهم يخرجون محبطين بعد مشاهدته»، هكذا قال محمد المسؤول بالاستقبالات في بوابة سينما «لانكس»، ويستطرد قائلا: «الفيلم لا يستطيع فهمه الناس العاديون لأنه غير مفهوم، ألم تلاحظ الاستقبال الذي حظي به فيلم مرجان أحمد مرجان لعادل إمام، لماذا لا يصورون مثل هذه المواضيع بدل أفلام غير مفهومة؟». وقبل أن ينهي محمد كلامه كان زميله في العمل قد علق: «إنهم يتحدثون مع أنفسهم ولا يبالون بالجمهور»، وحينها علقت حكيمة، شابة شاهدت الفيلم أيضا: «لقد أعجبني الفيلم رغم أنني لم أفهم النهاية». كل من شاهدوا الفيلم لم يفهموا سبب الاحتفاظ بمشهدين فقط بالألوان: المشهد الذي يظهر منظرا عاما لمدينة فاس وصورة الحَداد الذي يعمل على طي الحديد في البداية، بالإضافة إلى مشهد أخير في نهاية الفيلم يبرز الفقيه، صديق المهندس أمين، والذي كان يساعده في طفولته على التخلص من خاله المتعنت. أما بقية القصة فكلها بالأبيض والأسود، حيث تتحول فاس إلى مدينة دون ألوان ودون رحمة. ويصير اللونان عنوانا للمعاناة والألم، وينتهي الفيلم بوفاة الخال، الذي لم يتحدث رغم أنف الموت، ويقوم أمين الضايع بحرق صورته لتطل آخر لقطة قبل الجينيريك: صورة الخال تأكلها النيران وأمين ممدد إلى جانبها ولا أحد يعرف هل مات المهندس أم إنه ارتاح فقط من موت «الطاغية». يشار إلى أن فيلم «قلوب محترقة» لأحمد المعنوني هو جزء من السيرة الذاتية لمخرجه، وقد حصل على جائزة الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة. المعنوني غاب عن الشاشة الفضية لأكثر من 26 سنة، بعد شريطيه الوثائقيين «أليام أليام» سنة 1968، وفيلمه «الحال»، كما يعمل المعنوني حاليا على إنجاز سيناريو فيلم عن «الباشا لكلاوي»، الذي سيقدمه إلى صديقه المخرج العالمي مارتن سكورسيز لتنفيذه.