لفظ مواطن من مدينة الفنيدق صبيحة يوم الأربعاء أنفاسه في ضيافة ولاية أمن تطوان. كانت عقارب الساعة تشير إلى حوالي السابعة مساء من يوم الثلاثاء الماضي، عندما كان أحمد خالي الدواس، ذو الخمسة والأربعين عاما، يلاعب ابنه صابر في منزله فتلقى مكالمة هاتفية من شخص مجهول يخبره فيها بأنه يريد لقاءه لأمر مهم. بدافع حب الاستطلاع سيغادر أحمد المنزل ليلتقي الشخص المذكور، وأثناء الحديث بينهما وقفت أمام باب منزله سيارتان نزل منها ثمانية أشخاص بلباس مدني، سنعرف فيما بعد أنهم من عناصر الشرطة القضائية، «أشهروا مسدساتهم، وطرحوا أبي أرضا قبل أن يباغته أحدهم بضربة بمقبض مسدسه على الرأس، ليسقط أبي في شبه غيبوبة والدم يفور من أذنه وبدؤوا يركلونه بأقدامهم ثم اقتادوه وهو في تلك الحالة السيئة في سيارتهم»، يقول الطفل صابر ابن الضحية، والذي لا يتجاوز عمره 15 سنة، لكن رغم سنه فقد تعرض هو أيضا لضربة من طرف أحد العناصر الأمنية ما تزال آثارها بادية على وجهه. ويحكي محمد الدواس، وهو أب الضحية، أثناء لقائه بجريدة «المساء»، أنه توجه بعد اعتقال ابنه إلى مفوضية أمن الفنيدق ليستفسر عن مصيره، لكنها نفت علمها بأي اعتقال، ليتوجه مرة أخرى إلى ولاية أمن تطوان، «علمت حينها أن ابني يوجد في حالة خطيرة بمستشفى سانية الرمل»، يقول الأب. ذهب محمد والطفل صابر وبعض أصدقاء الضحية للاطلاع على أحوال الضحية في المستشفى، ليتعرضوا كلهم للاعتقال هناك، فيما سمح للأب برؤية ابنه الذي كان في حالة غيبوبة، وهو مقيد اليد في الفراش، «كان في حالة يرثى لها» يقول الأب، مضيفا أنه حاول أن يتكلم مع ابنه «لكن دون جدوى». في ذلك الوقت أبقت ولاية أمن تطوان على صابر الطفل القاصر وبعض أصدقاء الضحية رهن الاعتقال إلى حدود الرابعة صباحا، «كنت أقول لهم إنني يجب أن أذهب إلى المدرسة وإنني مازلت طفلا فأجابني أحدهم: واش نتا دين... وجه القراية»، يبكي صابر بشدة، ويضيف الأب أنه توجه في اليوم الموالي إلى المستشفى لزيارة ابنه، ولكنه لم يجد له أثرا هناك، فتوجه إلى ولاية أمن تطوان، وكانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، «أكد لي أحد رجال الأمن أن ابني بخير وهو مازال رهن الاعتقال لديهم، بينما الحقيقة أن ابني كان قد لفظ أنفاسه في الرابعة صباحا»، يتأسف الأب بحسرة، وهو يعانق حفيدتيه راوية ونهيلة. «ما الذي يجرى داخل ولاية أمن تطوان؟»، تتساءل أسماء الشنتوف زوجة الضحية، مضيفة أنه «في كل يوم نسمع عن إجهاض للنساء وتعذيب بالصعق الكهربائي وتهديدات بالاغتصاب داخل مخافرها». أسماء مازالت مذهولة لا تصدق أنها لن ترى زوجها حيا بعد اليوم، وتطالب بمعاقبة المسؤولين عن وفاة زوجها، «إذا كان زوجي قاتلا أو يتاجر بالمخدرات فهناك القانون. لكن أن يتم قتله بهذه الوحشية فهذا هو الإرهاب»، تتحسر الزوجة. في لقائنا بأحد النشطاء الحقوقيين، ذكر هذا الأخير أنه «لا أحد يتصور أن تحدث مثل هذه الانتهاكات في الوقت الذي لم تمر فيه سوى أيام على عودة وزير العدل عبد الواحد الراضي من جنيف بعد تقديم تقريره الدوري حول وضعية حقوق الإنسان، لتبييض صورة المغرب الحقوقية»، مستغربا «كيف تمارس ولاية أمن تطوان كل هذه الانتهاكات في مدينة اختارها الملك كعاصمته الصيفية». إلى حدود الآن ترفض أسرة الضحية استلام الجثة إلى أن تتوفر على ضمانات حقيقية لإخضاعها لتشريح طبي مسؤول يكشف حالة الضرب المفضي إلى الموت.