[email protected] هناك فصيلة من الصحافيين وكتاب الرأي في المغرب بمجرد ما يفكك الأمن خلية لها علاقة بالإرهاب ويعطي وزير الداخلية روايته الرسمية للحدث، حتى ينخرطوا في حملة لتخوين كل من يضع الرواية الرسمية محط تساؤل. أو على رأي افتتاحية جريدة الاتحاد الاشتراكي «من مع الوطن ومن ضده». وهذا يذكرنا بالتقسيم الذي أعطاه جورج بوش للعالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث قسمه إلى محور للشر وآخر للخير. هناك مسألة أساسية يجب التأكيد عليها بقوة، وهي أن إرهاب الأبرياء وقتلهم وترميل نسائهم وتيتيم أبنائهم شيء لا يقبله لا الله ولا العبد. ولهذا لا نقبل تحت ذريعة الترديد الببغاوي للرواية الرسمية تخوين كل من يخضع هذه الرواية لقليل من المنطق. الجميع هذه الأيام يتحدث عن الخطر الإرهابي المحدق بالمغرب. والواقع أن المغرب أصبح في السنوات الأخيرة ليس فقط بلدا تظهر بصمات أبنائه في أغلب العمليات الإرهابية التي تحدث في مختلف بقاع العالم، ولكن أصبح أيضا مختبرا لتجريب أشكال بدائية من العمليات الإرهابية تستعين بأبسط المواد الكيماوية التي تباع في محلات العقاقير. والمغرب ليس البلد الوحيد المهدد بالإرهاب في العالم. فقد شاهدنا كيف اهتزت لندن ومدريد وغيرها من العواصم الأوربية تحت دوي الحقائب المفخخة. والأهم من ذلك أننا تابعنا كيف تعاملت أجهزة الأمن ومؤسسة القضاء مع المتهمين المتورطين في هذه العمليات. لم يتم اللجوء إلى خطف المتهمين من بيوتهم لاستنطاقهم في المخافر السرية تحت التعذيب، ولم يسبق أي وزير داخلية أو رئيس دائرة للأمن أحكام القضاء، وسارع إلى التصريح بثبوت العلاقة بين المتهمين والإرهاب. لا أحد يناقش مسؤولية الدولة في حماية أمن وزرائها وموظفيها السامين وضباطها وجنرالاتها ومواطنيها اليهود عندما تتوصل إلى ما يفيد أنهم يوجدون على رأس لوائح للتصفية. وعندما يقف البعض مصفقا مهللا لمسارعة الدولة إلى حماية هؤلاء الموظفين والمواطنين، شاكرا لها يقظتها العالية، فكأنما يحاول أن يقنع سكان الإسكيمو باقتناء الثلاجات. فأحد واجبات الدولة الأساسية هو بالضبط حماية رجالها. وليس رجالها فقط، وإنما جميع مواطنيها بغض النظر عن ديانتهم ومراتبهم الاجتماعية والسياسية. فهل تضمن الدولة الحماية للجميع ضد الأخطار والمصائب التي تتهددهم يوميا في المغرب. لا أعتقد. وإذا كان البعض متحمسا اليوم للحديث عن الخطر الإرهابي الذي يهدد حياة موظفي الدولة السامين ووزرائها وضباطها وأصحاب السعادة، فإن هناك أنواعا كثيرة أخرى من الإرهاب يعاني منها المواطنون من أصحاب التعاسة يوميا دون أن تقدم لهم الحماية أية جهة أمنية. إن موت عشرين وجرح مائتي مواطن يوميا في طرقات المملكة، لهو أكبر إرهاب يعيشه مستعملو الطريق في المغرب. إلى درجة أن كل من أصبح يدير محرك سيارته أو يركب حافلة للنقل الطرقي يشعر بنفسه مرهوبا ومهددا في حياته. خصوصا وأن نسبة كبيرة من ضحايا حوادث السير يموتون ليس بسبب الحادثة نفسها ولكن بسبب تأخر وصول سيارة الإسعاف أو عدم وصولها بالمرة. لا أبالغ إذا قلت أن أغلب المغاربة أصبحوا اليوم يغادرون بيوتهم صباحا والرهبة تسكن قلوبهم، بسبب الإجرام الذي أصبح رياضة وطنية في شوارع المملكة. إرهاب حقيقي أصبح المواطنون يعيشونه وهم يحكون لبعضهم البعض قصص اعتراض طريقهم من طرف مجرمين مسلحين بالسيوف والخناجر والماء القاطع. حتى أصبح أخطر مكان يمكن أن يقف فيه المواطن اليوم هو الشباك البنكي. كيف لا والبنوك نفسها أصبحنا لا يمر أسبوع دون أن نسمع عن مهاجمة وسرقة إحدى وكالاتها. ولعل أكبر إرهاب يشعر به المواطنون اليوم في المغرب هو الإرهاب الإجرامي. وضحايا هذا الإرهاب يسقطون يوميا في شوارع المدن وفي وضح النهار. والدولة تعرف أن هذا الإرهاب الإجرامي وصل إلى مستويات قياسية في بعض المدن، وإلى حدود الآن لم نسمع أن وزارة الداخلية وضعت برنامجا استعجاليا لإعادة الأمن إلى شوارع هذه المدن. القرار الوحيد الذي اتخذته هو إعطاء الضوء الأخضر لرجال الأمن لإطلاق النار على المجرمين للدفاع عن أنفسهم في حالة الخطر. هذا بالنسبة لحاملي السلاح من رجال الأمن (لأن هناك بينهم من يحملون الغشا الذي يوضع فيه السلاح فقط). أما المواطنون العزل فما عليهم في حالة الخطر سوى إطلاق سيقانهم للريح. طبعا إذا لم يبرك لهم الما فالركابي من شدة الخوف. يتحدثون عن إرهاب الخلايا المسلحة في المغرب الذي يهدد حياة الوزراء والموظفين السامين وضباط الجيش. طيب، لكن ماذا عن إرهاب الدولة للمواطنين البسطاء. ألا يمكن أن نعتبر اعتقال مواطنين في بولمان داداس وتوزيع ثلاثين سنة سجنا عليهم لمجرد أنهم احتجوا على إهمال الدولة لهم بعد أن انقطعت بهم السبل تحت الثلج، إرهابا لسكان تلك المناطق المنكوبة، حتى لا يعودوا إلى رفع أصواتهم بالاحتجاج على الدولة. أليس اعتقال شيخ في الخامسة والتسعين من عمره، مختل عقليا، ورميه في السجن بثلاث سنوات بتهمة إهانة المقدسات وموته في الزنزانة بعيدا عن أسرته، أليس هذا إرهابا للمواطنين. أليس اختطاف المشتبه فيهم من بيوتهم في الليل ووضعهم في معتقلات سرية واستنطاقهم خارج سلطة القانون، إرهابا موجها من طرف الدولة ضد المواطنة وحقوق الإنسان والقانون. ثم هناك نوع آخر من الإرهاب هو الإرهاب الفكري. بحيث يلجأ بعض من تختلف معهم في الرأي إلى محاولة تصفيتك رمزيا عبر وضع اسمك على رأس قائمة المحرضين والمهددين للسلم الاجتماعي وموقدي الفتنة، المطلوب إسكات صوتهم إلى الأبد. وهذا الإرهاب الفكري يجد صداه داخل صفوف بعض الحداثيين الأصوليين، أو ما أسميه بالحداثية الجهادية. ويجد صداه أيضا عند بعض غلاة الأمازيغية ومتطرفيها. وكم أستغرب صمت وزير الإعلام عن بعض المنشورات التي تطبع وتباع في أكشاك المملكة والتي تتحدث صراحة عن «الاحتلال العربي» للمغرب. إحدى هذه الجرائد التي تحمل اسم «تاويزا» أفردت لشخصي المتواضع في عددها الأخير مقالا استنفدت فيه قاموس الشتم عن آخره. والسبب هو انتقادي لزيارة الدغرني لإسرائيل. فهؤلاء السادة لا يعتبرون إسرائيل دولة محتلة لأرض فلسطين، وإنما المحتل في نظرهم هو الدولة العربية التي تحتل المغرب. وأترك للذين يصرفون الإعانات من أموال دافعي الضرائب لبعض هذه المنابر التي تدعي الدفاع عن الثقافة الأمازيغية، بينما هي في العمق تدافع عن «استقلال» المغرب من الاحتلال العربي، أن يتأملوا الفقرات التالية «الأمازيغي المثالي بالنسبة لرشيد نيني ليس هو ذلك الأمازيغي الذي يدافع عن ثقافته ضد المحتلين العرب الجوعانين، ولا ذلك الذي يفضح السلطة المتسلطة للدولة العربية في المغرب التي أرسى قواعدها الاستعمار الفرنسي، بل الأمازيغي المثالي بالنسبة إليه هو خادم الإمبريالية العربية». إننا أمام رأي يعتبر الدولة المغربية دولة احتلال. وخطورة مثل هذا الكلام هو أنه يجد متحمسين كثيرين قد يعتبرونه مبررا للقيام بردود أفعال تدخل في إطار مقاومة الاحتلال وتحرير الوطن الأمازيغي المحتل من الاستبداد العربي الممثل في الدولة المغربية. إن مثل هذه المقالات العنصرية التي تصور المغرب كأرض محتلة لا تقل خطورة عن دعوات التنظيمات المتطرفة لتحرير المغرب العربي من الاستعمار الإسباني والفرنسي، والتي وجدت صداها عند بعض الخلايا والتنظيمات الإرهابية في الداخل. كل هذا الكلام لكي نقول بأن الإرهاب ليس له وجه واحد. بل وجوه وأقنعة. والدولة التي تريد أن تقدم نفسها على أنها الضحية الوحيدة للإرهاب المسلح بالبنادق والمسدسات يجب أن تعرف أن المواطنين المغاربة يعانون من إرهاب إجرامي يومي بالخناجر والسيوف والماء الحارق، وإرهاب على الطرق وإرهاب في المستشفيات والعيادات الخاصة، وإرهاب في الدماغ تمارسه بعض الجهات لكي لا يفهم الرأي العام سوى رواية رسمية واحدة لما يحدث.