[email protected] كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشرة صباحا من يوم الاثنين 18 فبراير. عندما اتصلت «المساء» بالمعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري، لكي تسأله حول الأسباب التي أدت إلى وضع اسمه ضمن قائمة الممنوعين من مغادرة التراب الوطني. تفاجأ المعتصم عند سماعه الخبر، لأنه كان آخر من يعلم أنه ممنوع من السفر. كنا في «المساء» توصلنا من مصادرنا الخاصة إلى وجود لائحة بأسماء ممنوعين من السفر على رأسها يوجد اسم كل من أمين عام حزب الأمة والبديل الحضاري. ولأن الممنوعين من السفر ليسا شخصين عاديين، فهما معروفان سياسيا وأحدهما شارك في الانتخابات الأخيرة، فقد وجدنا أن الخبر يستحق أن ينشر في الصفحة الأولى لعدد الثلاثاء. عندما علم كل من المعتصم والمرواني أنهما ممنوعان من مغادرة التراب الوطني استعملا هاتفيهما للاتصال بزملائهما في الحزبين للاستفسار عن صحة الخبر. أثناء هذا الوقت كانت آلة التنصت على المكالمات تشتغل هي أيضا. وعندما اقتنعت المخابرات أن الممنوعين من السفر علما بقصة المنع، بادرت حوالي الساعة الرابعة مساء إلى اعتقالهما. وفي طريقهم اعتقلت الفرقة الأمنية المكلفة بهذا الملف ضابط شرطة بتهمة إفشاء السر المهني. يعني تسريب خبر وجود لائحة بأسماء ممنوعة من السفر للصحافة. وبعبارة أدق لجريدة «المساء» التي نشرت الخبر. مع أن «المساء» كانت تتوفر على الخبر من مصادر متطابقة. يومان بعد ذلك ستأتي فرقة من رجال الأمن بالزي المدني في الدارالبيضاء لزيارة بيت الصحافية حنان بكور التي حصلت على الخبر. أسئلة المخبرين لأم الصحافية كانت كلها تدور حول «هل سبق لابنتها أن أرسلت مبلغا ماليا لجهات ما». جواب الأم كان واضحا، إذا كانوا يريدون معرفة شيء معين فعليهم أن يعرفوا بأنفسهم أولا. لم ينجحوا في الحصول على أجوبة لأسئلتهم، لكنهم بالمقابل نجحوا في إصابة الأم بصدمة عصبية لازالت تعاني من مخلفاتها إلى اليوم. قبل يوم الأحد الماضي، كانت أجهزة الأمن تختطف جميع المشتبه بهم في ملف ما يسمى «خلية بلعيرج». وقد ظلت الصحف تنشر يوميا شكاوى عائلات من مختلف مدن المغرب يطالبون بالكشف عن مصير ذويهم. في مقابل ذلك التزمت وزارة الداخلية الصمت. ولكي تشغل الرأي العام عن سماع أخبار الاختطافات عممت مذكرة بحث جديدة عن الطفلة البريطانية مادي التي اختفت في البرتغال الصيف الماضي. وألصقت منشورات عليها صورتها في بعض الأسواق الممتازة والإدارات والمدارس. ولعل هذا أغرب تصرف تقوم به وزارة شكيب بنموسى، الناس يطالبونها بالكشف عن أمكنة المختفين المغاربة الذين اختطفتهم أجهزتها خارج أية مساطر قانونية، وهي تكتفي بالبحث عن طفلة إنجليزية فشلت أكثر شرطة العالم صرامة في العثور عليها. وعندما انكشف خبر منع معتصم وركالة والمرواني من السفر في الصحافة، وتم بالتالي اعتقالهم، فقد انكشف أمر هذه العملية الأمنية التي كانت تجري أطوارها في السر. وهكذا وجد وزير الداخلية نفسه مجبرا على الكشف عن لائحة المعتقلين في إطار هذه الخلية. فأصبحوا معتقلين وليسوا مخطوفين. مع العلم أن قانون الإرهاب نفسه لا ينص على اختطاف المتهمين تحت جنح الظلام واقتيادهم إلى أماكن مجهولة لاستنطاقهم، غالبا تحت التعذيب. وبقية القصة تعرفونها طبعا. فقد نشرت الصحف صورا لأسلحة متنوعة قال وزير الداخلية أنها دخلت المغرب سنة 1993. وأضاف أن العلاقة بين ركالة ومعتصم والمرواني وخلية بلعيرج ثابتة، بدليل حضور محمد المرواني أمين عام حزب الأمة لاجتماع عقد سنة 1992 بويع فيها أميرا للشبكة. إلى حدود الآن لازلنا ننتظر كصحافيين وكرأي عام أن يقدم لنا وزير الداخلية ما يفيد عمليا بصحة هذه العلاقة التي تؤكد ضلوع الشخصيات الستة المعروفة في المغرب برفضها لأفكار التطرف والإرهاب، في شبكة بلعيرج. كما ننتظر تفسير وزارة الداخلية المغربية لتردد الأمن البلجيكي في الأخذ برواية الأمن المغربي الذي تربطه به علاقات تعاون أمني وطيدة. وشخصيا أستغرب كيف أن جريدة «لوموند» تكتب مقالا يوم الجمعة الماضي تقول فيه أن الأمن البلجيكي لديه شكوك في ضلوع بلعيرج في قتل ستة بلجيكيين، في الوقت الذي نقرأ في جرائد مغربية مقالا في اليوم نفسه يقول أن بلعيرج متورط في قتل البلجيكيين الستة. هل سيكون الأمن المغربي أكثر معرفة بالوضع الأمني في بلجيكا من البلجيكيين أنفسهم. كما أستغرب كيف أن الأمن البلجيكي لم يحمل الرواية المغربية لما وقع على محمل الجد، خصوصا وأن الأمن المغربي لم يرسل لنظيره البلجيكي سوى إخبار أمني. ولذلك فالناطق الرسمي باسم النيابة الفدرالية البلجيكية، لييف بلينس، عبر عن حرجه بخصوص هذا الملف. وقال أن ما وصله من الأمن المغربي ليس سوى «إخبار بوليسي»، فليس هناك لا محاضر استماع للمتهمين ولا ملف متكامل. وفي مجال البحث الأمني فرسائل الإخبار لا تعني شيئا، و«تلخيص الأمور يبقى دائما أمرا خطيرا». في مثل هذه القضايا لا أحد، غير القضاء، لديه الحق في إصدار الأحكام. والقاعدة تقول أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته. والشك في أدبيات القضاء يفسر دائما لصالح المتهم. لذلك فليس لوزير الداخلية أو للناطق الرسمي باسم الحكومة أن يحذر الصحافيين والباحثين في الحركات الإسلامية من التشكيك في الرواية الرسمية لما وقع. لأن ادعاء اليقين في قضية لم تعرض بعد أمام القضاء، والتصريح أمام وسائل الإعلام بأن وزارة الداخلية تأكد لديها ثبوت العلاقة بين المعتصم وركالة والمرواني والسريتي ونجيبي والعبادلة بشبكة بلعيرج، يعتبر تأثيرا واضحا على القضاء. فالمفروض في وزير الداخلية أن يقول بأن الأمن اعتقل مجموعة من المتهمين الذين ستنظر العدالة في طبيعة التهم الموجهة لهم، والقضاء هو وحده المخول بتأكيد هذه العلاقة أو نفيها. ولا بد أن الاعتقالات التي وقعت خلال الفترة الأخيرة أعادت إلى الدرجة الثانية كل الأخبار الأخرى. ومنها خبر مهم بالصورة والصوت قادم من طانطان. وخطورة التسجيل الذي يمكن العثور عليه في موقع «يوتوب» هو أنه يأتي بالضبط في وقت يتحدث فيه الجميع عن دخول أسلحة إلى المغرب دون تحديد لائحة المسؤولين عن هذا التسيب الذي تعرفه حدود المغرب وجماركه. وفيه يمكن رؤية بعض رجال حسني بنسليمان يتسلمون رشاوى في نقطة تفتيش مقابل السماح لسائقي الشاحنات بالمرور. إن الكشف عن كل تلك الأسلحة التي دخلت المغرب من طرف وزير الداخلية، يستدعي مثول الجنرالين حسني بنسليمان وبناني المكلف بالمنطقة الجنوبية لإعطاء تفسير حول مسؤوليتهما في حماية حدود المملكة الجنوبية من التهريب. الجميع في الجنوب أصبح يعثر في الأسواق على حليب الرضاعة الذي يصل إلى تندوف كمساعدة إنسانية من الخارج قبل أن يباع في السوق السوداء بالعيون والسمارة والداخلة. والجميع يعرف أن المواد الغذائية التي تخصصها الدولة المغربية كمعونات للأقاليم الصحراوية أصبحت تباع في نواكشوط ونواديبو وأسواق مالي. والجميع يعرف، بمن فيهم الجنرال بناني، أن الذي يغمض عينيه عن مثل هذا التهريب الغذائي في صحاري الجنوب فإنما يغمض عينيه أيضا عن تهريب آخر أكثر خطورة وهو تهريب السلاح. لكن يبدو أن الجنرال حسني بنسليمان منشغل أكثر بحراسة مياهه الإقليمية التي تطارد فيها بواخر صيده 600 ألف طن من السردين التي ترخص له بها وزارة الصيد البحري كل سنة. فعلى امتداد المسافة البحرية الفاصلة بين بوجدور والكويرة هناك حراسة يومية لرجال بنسليمان لمراقبة الدخلاء إلى مياهه الإقليمية حيث يصطاد في أحد المناطق البحرية الأكثر غنى بالسردين، والمعروفة عالميا لدى منظمة الأغذية والزارعة ب«سطوك س»، حيث يتمركز الذهب الأبيض. وهو الاسم المستعار للسردين، بسبب الإقبال العالمي على مادة أوميغا 3 المستخلصة منه والتي تدخل في جل الصناعات الغذائية بأوربا حاليا. لذلك فالجميع ينتظر محاكمة عادلة ونزيهة ومستقلة للمتهمين في ملف خلية بلعيرج. وإذا ثبتت الرواية الرسمية للوقائع فالأمر خطير ويستدعي إعادة النظر في رؤوس أمنية كبيرة، أما إذا تبت أن القصة ليست بكل هذه الجدية والخطورة التي قدمها وزير الداخلية فالأمر أخطر، لأن الذين حركوا خيوط هذا الملف نجحوا في تحويل الأنظار مرة أخرى نحو المغرب كمنجم للشبكات الإرهابية. لقد درس بنموسى في ليسي ديكارت، وهو يعرف أن ديكارت هو صاحب نظرية الشك. لذلك فاليقين المطلق، خصوصا عندما يسبق القضاء، ليس في صالح أحد. في آخر جلسة من جلسات محاكمة المتورطين في اعتداءات قطارات مدريد بإسبانيا، أعطى القاضي لكل متهم الحق في كلمة أخيرة قبل النطق بالحكم. فوقف عبد الإله فضول عقيل، أحد الذين ستدينهم المحكمة بالسجن وتوجه نحو هيئة المحكمة وقال لهم : - أشكر الأمن الإسباني والقضاء الإسباني لأنه طيلة أطوار هذه المحاكمة عاملني معاملة تليق بالإنسان. هل سنسمع نحن أيضا في المغرب بعد النطق بالحكم ضد المتهمين في خلية بلعيرج مدانا يقف ويقول الشيء نفسه حول الأمن والقضاء المغربيين. أشك في ذلك.