[email protected] أنا على يقين بأن الذي كان يحقق مع المهندس الشاب فؤاد مرتضى المتابع بتهمة انتحال صفة الأمير مولاي رشيد على الموقع العالمي «فايس بوك»، لم يسمع باسم هذا الموقع من قبل، والدليل على ذلك أن المحقق سأل فؤاد أثناء التحقيق قائلا : - علاش خلقتي الفايس بوك ؟ فقد كان يعتقد أن المهندس فؤاد هو صاحب الموقع ومصمم صفحاته. إلى أن شرح له فؤاد بأن الموقع أمريكي الصنع وزواره يقدرون بالملايين، وأنه لم يكن سوى أحد مستعمليه. وقد ذكرني هذا التحقيق بتحقيق آخر أجراه أحد المحققين مع أحد الإسلاميين الموقوفين بعد أحداث 16 ماي، الذي عثرت الشرطة في بيته على كتب للفقيه ابن تيمية. فسأله المحقق غاضبا : - فين تعرفتي على هاد السي ابن تيمية، كايجيك من العائلة ولا غير ريحة الشحمة فالشاقور وصافي ؟ وقد قضى المعتقل وقتا طويلا يشرح للمحقق أن ابن تيمية مات رحمه الله قبل قرون، لكن المحقق لم يكن يريد أن يعرف شيئا حول الموضوع. فابن تيمية مشتبه به إلى أن يثبت العكس. وخلال الاعتقالات التي عرفها المغرب خلال السبعينات، كان معتقلو اليسار يجدون أنفسهم أمام محققين يسألونهم عن علاقتهم بالمدعوين ماركس ولينين، ويريدون معرفة علاقة بعضهم بواحد النصرانية سميتها روزا ليكسمبورغ. وعندما ينفي هؤلاء المعتقلون علاقتهم بهؤلاء المشتبه فيهم، يغضب المحققون ويعتقدون أن هؤلاء اليساريين يخفون أسرارا خطيرة وراء إنكارهم معرفتهم بأسماء وصور هؤلاء الزعماء الذين يعثرون عليها في كتبهم وأوراقهم ومنشوراتهم السرية. وقبل سنتين تعرض أحد المعاهد المعروفة بتكوين المهندسين الإعلاميين لسرقة بعض أجهزة الكمبيوتر، فوضعت إدارة المعهد شكاية لدى الأمن وفتح تحقيق في الموضوع. وعندما زار أحد عناصر الضابطة القضائية المعهد لمعاينة مكان السرقة وجد العشرات من المهندسين يتابعون دروسهم، ولكي يظهر أمامهم بمظهر الفاهم الضليع في عالم الحواسيب بدأ يتحرك داخل الفصل جيئة وذهابا لدقائق طويلة مقلدا كولومبو بمعطفه الطويل، وفجأة توقف والتفت إلى أحد موظفي المعهد الذي كان برفقته وقال له بحاجبين مقوسين : - وهاد ليزورديناتور اللي مشاو، مشاو بوحدهم ولا مشاو بلانطيرنيط ديالهم؟ فلم يستطع المهندسون حبس ضحكهم وانفجروا مقهقهين. فصاحبنا المحقق»شارلوكهومز» أعطى الدليل على أنه ليس بينه وبين الإعلاميات سوى الخير والإحسان، وربما لا يملك حتى عنوانا إلكترونيا. ولذلك فقد اعتقد بكل بساطة أنه بإمكان اللص سرقة الحاسوب بلانطيرنيط ديالو. والواقع أننا عندما نرى السرعة التي سار بها التحقيق في قضية المهندس فؤاد مرتضى، سرعة محاكمته، نندهش عندما نسمع جهات تشتكي من بطء العدالة في المغرب. وأعتقد أن السرعة التي تمت بها محاكمة الشيخ أحمد ناصر البالغ من العمر 95 سنة، والتي لم تتعد يومين، يمكن اعتبارها سرعة قياسية على المستوى العالمي تؤهل المغرب لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية. كما أن المغرب يمكن أن يدخل موسوعة غينيس كأول بلد تصدر محاكمه حكما بسجن رجل قارب المائة، وكأول بلد في العالم يموت في سجونه رجل بهذه السن. التحقيق والمحاكمات في المغرب عندما تتعلق بالقضايا التي تمس الملكية تسير بسرعة قياسية. أما التحقيقات والمحاكمات التي تتعلق بالشأن اليومي للمواطنين فتشتغل بمنطق «رخاها الله». وهناك اليوم قضايا تتعلق بنزاعات قضائية وتجارية وعائلية تتداولها كل محاكم المملكة لسنوات طويلة دون أن تبت فيها. لكن بمجرد ما تعرض قضية تتعلق بإهانة المقدسات على أنظار السادة القضاة حتى يبتوا فيها في أربع وعشرين ساعة، حتى دون أن يتركوا للمتهم الوقت الكافي لإعداد دفاعه. وسواء كان المتهم عاقلا أو مجنونا فإن القضاء المغربي يحقق مبدأ المساواة في الأحكام. وربما كانت هذه هي المساواة الوحيدة الموجودة اليوم في المغرب. وحتى بعض تدخلات الأمن والدرك الملكي لتقديم المساعدة الأمنية للمواطنين تثير أحيانا التساؤل. فقد ظل سكان جماعة ولاد تايمة بتارودانت يسجلون الشكاية وراء الشكاية بمجرم خطير أطلقوا عليه «بومنجل» أسقط العديد من الضحايا، واغتصب الكثير من النساء اللواتي يعترض سبيلهن بعد عودتهن من السوق. لكن الدرك الملكي لم يتحرك لاعتقال هذا المجرم. ولذلك فقد تجند السكان للقيام بذلك مكان الدرك. وفعلا حاصروا «بومنجل» بعدما هاجم بعض المواطنين، واستطاعوا تكبيله وحملوه في سيارة لنقل الخضر إلى غاية مركز الدرك الملكي. والحمد لله أنهم عثروا على الدرك بالمخفر لكي يحرروا له محضرا. ومباشرة بعدما علم المواطنون باعتقال «بومنجل» تقاطر ضحاياه على مخفر الدرك للتعرف عليه وتسجيل شكاية ضده. ويبدو أن الدرس العميق الذي نستخلصه مما وقع في جماعة ولاد تايمة هو أن على المواطنين في مغرب اليوم أن يتكفلوا بحماية أنفسهم من المجرمين بأنفسهم. أولا يجب عليهم محاصرة المجرم ثم تكبيله ثم حمله إلى أقرب مخفر للشرطة أو الدرك. وعليهم أن يطلبوا زهرهم لكي يجدوا من يكتب ليهم المحضر. وفي بعض المدن فالدرك الملكي يحرص على أمن الطيور وأعراضها أكثر مما يحرص على أمن المواطنين وأعراضهم. ولعل الكمين الذي نصبه مؤخرا رجال حسني بنسليمان في إحدى ضيعات تربية الدجاج بفاس لاكتشاف «المجرم» الذي يعتدي جنسيا على حرمة الطيور المسالمة في الصباح الباكر، خير دليل على هذا «العطف الحيواني» المفاجئ الذي كشف عنه رجال الجنرال. فقد تنقل رجال الدرك «على سعدهم ووعدهم» إلى غاية الضيعة، هم الذين لم تفلح عشرات الشكايات بالاغتصاب والسرقة بالعنف في تحريكهم بأولاد تايمة، ونصبوا كمينهم للمعتدي واستطاعوا أن يعتقلوه في حالة تلبس باغتصاب ديك. ولو كان رجال حسني بنسليمان يشتغلون بكل هذه الحرفية والفعالية وينصبون الكمائن للتحقيق في الشكايات التي تتعلق باغتصاب النساء من طرف المجرمين والمنحرفين في القرى والبلدات النائية، لما استطاع شخص مثل «بومنجل» أن يحول منطقة ولاد التايمة إلى مملكة يسود فيها بحد السيف. ربما كان رجال الدرك سيتحركون لإغاثة سكان ولاد تايمة لو أن الأمر كان يتعلق بتعرض طائر «أبو منجل» لاعتداء جنسي من طرف مجهولين. أما أن الأمر يتعلق بمواطنين من فصيلة «أبونا آدم» فلا شيء يدعو للعجلة. فالعجلة من الشيطان. وحتى في قضية الاعتداء التي تعرضت له شخصيا قبل أسبوعين يبدو أن المحققين يعملون بهذه الحكمة. فإلى حدود اليوم ليست هناك أية رواية أمنية يمكن الاستناد إليها. وأنا أستغرب كيف اعتقل الأمن بسرعة أشخاصا مخمورين هربوا بعد أن حاولوا الاعتداء قبل أسبوع على نائب والي الأمن السي زراد في حي أكدال بالرباط، في الوقت الذي عجز فيه الأمن عن التعرف على هويات الثلاثة الذين اعتدوا علي في قلب العاصمة. يبدو أنه إذا أراد الواحد منا في هذه البلاد أن يتم التحقيق بجدية في أي اعتداء يتعرض له فيجب إما أن يكون إطارا كبيرا في الأمن أو أن يكون فروجا في ضيعة لتربية الدجاج. أما ما عدا ذلك، فلن ينفعك أمام أي اعتداء سوى رجليك ورضات الوالدين.