[email protected] بعد اليوم، سيختفي توقيعي من هذه الصفحة. فقد قررت طواعية أن أغادر فريق «المساء» الذي رافقته منذ أن انطلقت هذه التجربة قبل سنة ونيف، عشت معهم عسر مخاض الولادة وضغط الإكراهات المادية والمعنوية التي تفرضها البدايات الصعبة، وانتشيت معهم بفرح النجاح الذي كان يفاجئنا يوما بعد يوم، يرفع من معنوياتنا بقدرما يضخم من جسامة مسؤولياتنا، يوما بعد آخر، أمام القراء الأعزاء الذين وضعوا ثقتهم في الجريدة منذ أول يوم لأنهم وجدوا فيها شيئا من صوتهم المغيب. وأنا أستأذن قراء «المساء» وزملائي الذين تعودت إطلالتهم أو مطالعتهم كل صباح، سأحتفظ لهم في ذاكرتي بروح الزمالة الراقية التي جمعتني بأصدقاء أعزاء سأظل أعتز وأحتفظ بصداقتهم. سأحتفظ للصديق رشيد نيني بصدقه الطفولي وإيمانه بقضايا قرائه والمستعد للدفاع عنها بكلماته الملتهبة الكامنة وراء خجله الذي لا يستطيع أن يداريه. وسأحتفظ للصديق توفيق بوعشرين بسخاء فكره المسكون بأسئلته الحارقة بحثا عن مغرب ممكن.. وسأحتفظ لجميع الزملاء بروح الفريق التي صنعت من تجربة «المساء» ما هي عليه اليوم. البعض قد يسأل عن دواعي الانصراف المبكر من تجربة صحافية ناجحة، وحتى أطمئن من سيتبادر إلى ذهنه هذا السؤال، أرد بأن قراري لم يمله علي أي اختلاف في التفكير وإن كان موجودا، لأن من لا يؤمن بالحق في الاختلاف لا يؤمن بحرية الفكر، لكننا كنا دائما في «المساء» قادرين على تدبير اختلافنا بروح رياضية عالية. قراري بالانصراف، إذن، شخصي اتخذته بعد تفكير عميق في مسار تجربتي الصحافية المتواضعة. وحتى إن قررت أن أغادر «المساء» فهي لن تغادرني لأن لي فيها أصدقاء يعرفون أن قبيلة الصحافة من قبائل الرحل، يحملون مضاربهم على ألسنة أقلامهم، وكلما تباعدوا تلاقوا، ولأنها ستبقى بالنسبة إلي المنبر الذي سيظل وفيا لخط تحريري المدافع عن الحق والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، متمترسا وراء خطوط التماس الرفيعة الفاصلة ما بين نبل الفكرة وصرامة أخلاق المهنة. وأنا على أهبة الانصراف، أود أن أشكر كل القراء الذين غمروني بتفاعلهم مع الأفكار والهواجس والعواطف التي كانت تحملها كلماتي في هذا العمود. وقبل الوداع، أشد على أيدي الزملاء في «المساء» واحدا واحدا كما تعودت أن أفعل كل صباح من صحفيين وتقنيين وإداريين وأعوان خدمة وأقول للجميع عمتم مساء، وكل صباح و»المساء» بألف خير... * العنوان مستوحى من عنوان لمقالة شهيرة للصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل، إلى ذلك وجب التنويه.