[email protected] تقلص الحضور المغربي في سياسات الشرق الأوسط إلى بيانات باردة بلا طعم ولا رائحة، مثل بيان وزارة الخارجية الذي صدر بعد عدة أيام على حصار قطاع غزة وبيان البرلمان بغرفتيه، الذي صدر في أسطر ضمن البيان الختامي للدورة الخريفية للبرلمان. بيان الخارجية وبيان البرلمان بغرفتيه لم يصدرا إلا بعد أن اقتحم سكان غزة المحاصرين حواجز سجنهم الكبير، لذلك فعدم صدورهما كان أحسن من صدورهما في هذا التوقيت بالذات، لأن من يقرأ بيان الخارجية الذي يتحدث عن «المنزلق الخطير الذي آلت إليه الأحدث»، سيفهم حتما أن المقصود بالمنزلق الخطير هو اقتحام السكان الجوعى والمرضى لبوابات الحدود مع مصر، خاصة وأن البيان يربط بين ما يسميه «انزلاقا خطيرا» وتراجع الآمال التي خلفها مؤتمر أنابوليس. ولا نكاد نعرف ما هي هذه الآمال التي خلفها مؤتمر أنابوليس؟ فمنذ انعقاد هذا المؤتمر الذي باركته أغلب الأنظمة العربية، ارتفعت وتيرة الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وأراضي الضفة الغربية مخلفة عشرات الضحايا، وتضاعفت وتيرة الاستيطان بالقدسالشرقية، وبضوء أخضر من هذا المؤتمر تقرر حصار سكان غزة وتجويعهم لإخضاعهم للمنطق الإسرائيلي المدعوم أمريكيا والمبارك بالصمت العربي الرسمي. لم يكن مطلوبا من المغرب إرسال الجيوش لفك الحصار عن سكان غزة، لكن المغرب، كما يذكر بذلك بيان وزارة الخارجية، يرأس لجنة القدس في شخص الملك، وهو ما يجعله من الناحية الأدبية معنيا، قبل دول غير عربية ولا إسلامية بعيدة عن فلسطين، بالتعبير عن موقفه مما يحصل في غزة. وقد أتيحت للمغرب فرصتان للتعبير عن موقف مشرف خلال انعقاد اجتماعات مجموعة خمسة زائد خمسة واجتماع الترويكا الأوربية مع دول اتحاد المغرب العربي، لكن ما سمعناه هو موقف وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما، الذي أدان من الرباط حصار غزة، فيما اكتفى بيان وزارة الخارجية بتذكيرنا بأن البيانات التي صدرت عن الاجتماعين تضمنت ضمنيا موقف المغرب من الحصار، وهي مواقف جاء التعبير عنها بخجل في سطور منزوية داخل البيانين. تراجع الحضور المغربي في سياسات الشرق الأوسط أصبح غير مقبول، حتى من الدول التي يعتبرها المغرب صديقة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي دعا مؤخرا رئيسها جورج بوش المغرب إلى استعادة لعب دوره السابق الذي جعل المغرب حاضرا بقوة في أكبر المنعطفات التي مر بها الصراع في المنطقة. بيانات الخارجية والبرلمان إهانة لموقف الشعب المغربي الذي عبر بتلقائية، ومنذ اليوم الأول للحصار، عن تضامنه مع أهل غزة، من خلال المسيرات التي خرجت في طنجة والرباط والدار البيضاء، وفيها من الانتهازية السياسية الشيء الكثير، لأنها لم تصدر إلا بعد أن تطورت الأمور في غزة بعد تكسير سكانها المحاصرين للحدود مع مصر، وفيها من البراغماتية السياسية الشيء الكثير أيضا، لأن الدولة لا تريد أن تترك قضية مثل قضية فلسطين، كانت تعتبرها أغلب الأحزاب السياسية المغربية قضية وطنية، بين يدي الإسلاميين يحركون بها الشارع. لقد نقل ذات مرة عن مقرب من الملك قوله إن «تازة أولى من غزة»، لكن بعد ثماني سنوات من سياسة الانغلاق على الذات، فقد المغرب موقعه في غزة ولم تستفد من ذلك تازة!