مازال كتاب «سيسيليا»، لصاحبته أنا بيتون، يلقي بتداعياته على المشهد السياسي والاجتماعي الفرنسي في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس نيكولا ساركوزي لعقد القران بعارضة الأزياء والمغنية كلارا بروني. القضاء رفض طلبا تقدمت به الزوجة السابقة للرئيس، يتضمن مقاطع تتحدث بشكل سلبي عن نيكولا ساركوزي. وفيما بات الكتاب متداولا في الأسواق، أعلن محامو سيسيليا أنها ستستأنف القرار وأن المحكمة ستنظر في الاستئناف خلال ثلاثة أشهر. 20 سنة من المجاملة والنفاق ومن الأسرار الدفينة التي انتهت بالقطيعة المريحة. القطيعة التي أخرجتها عن صمتها بعد أن تخلى عنها الكل بمن فيه أقرب صديقاتها، مع فسحة أمل في أن تظل رشيدة داتي، «أختها» كما تقول، قريبة منها. أفشت سيسيليا في الكتاب أسرارا مثيرة عن زوجها الرئيس الذي «لا يحب أحدا، ولا حتى أولاده، ولا يصلح رئيسا للجمهورية لأن لديه مشكلة سلوكية حقيقية». لم تعد سيسيليا تكترث بما يقال عن نفوذها المتزايد، لأنها لا تتوخى في ما تقوم به سوى خدمة ساركوزي والدفاع عن النفس ضد زمرة من المقربين الذين استمدوا من السلطة شرعية التصرف وكأنهم أمراء باريس. «حينما عدت، انتابهم القلق من أن يفقدوا جزءا من السلطة، فهم لا يطيقون أن يتعزز الفريق بأشخاص جدد.. بدخلاء. كانت تحدوهم رغبة واحدة: أن أنسحب من جديد»، وكانوا يسخّرون لذلك كل الوسائل، بما فيها الصحافة، بعد أن يكيفوا أكاذيبهم ويضخموها لتكون موجعة ومدمرة. وتستحضر سيسيليا بكثير من التقزز والألم، أحد أيام شتنبر 2006، عندما نظم بريس هورتفو، أقرب المقربين إلى ساركوزي، لقاء لجماعته بمقر الوزارة المكلفة بالجماعات المحلية، من أجل التآمر عليها.. لم تكن سيسيليا لتقوى، من شدة ألمها، على إخفاء الأمر عن ساركوزي الذي أثبتت له الأيام، فيما بعد، صحة أقوالها، فبادر إلى معاتبة صديقه بشكل ودي اعتبارا لروابط الصداقة القوية التي تجمعهما طوال ثلاثين سنة، بينما التزم هورتفو بالصمت مكتفيا بالقول في أحد مجالسه سنة 2007: «موضوع سيسيليا يثير حساسية بالغة لدى ساركوزي، فهو يتضايق من كل سطر كتب عنها، ومن الأحسن تجنب إثارة موضوعها الذي هو بمثابة الديناميت»، غير أنه لم يفته مع ذلك القول: «إنني أقرأ وأسمع في كل مكان أنها هي من تقرر، وتلك هي الحقيقة». كان هورتفو محقا عندما أقر بأنها صاحبة القرار، ذلك أنه خلال مؤتمر تنصيب ساركوزي مرشحا للحزب في الانتخابات الرئاسية (14 يناير 2007)، كانت القائمة الأولى على شؤون التنظيم، من توزيع الدعوات، وبرمجة المداخلات، وتتويج زوجها، إلى آخر تفاصيل اللقاء. «تعودت على تنظيم التجمعات والمهرجانات الأخرى من هذا القبيل. استعنت بفريق من ذوي الخبرة وبأناس خارجين عن المحيط ممن أثق فيهم. قمت بكل شيء، تنظيما وبرمجة وديكورا وإخراجا». لم يجانب هورتفو الصواب إذن بتشديده على دورها الرئيسي في الشأن الساركوزي، وإن كان غير متحمس بشأن كفاءتها السياسية، حيث اكتفى بالقول ذات يوم، قبل أن تتدهور علاقاتهما: «إن لديها حدسا سياسيا»، وهو ما أكده جيروم بيرا، الرجل النافذ في حزب ساركوزي، التجمع من أجل حركة شعبية، الذي ذهب إلى حد اعتبار حدسها السياسي «أقوى عشر مرات من ساركوزي». «أنظر إلى قصر الإليزيه يجيش بروح جديدة عندما تكون سيسيليا حاضرة. إنها تدبر الأمور بروية ومرونة متناهيتين»، يضيف بيرا الذي تكن له سيسيليا محبة استثنائية، بينما ترى رشيدة داتي التي صنعت منها سيسيليا وزيرة، أن ساركوزي يكون «منقطع النفس حينما تكون سيسيليا غائبة. كنت أقول له دائما إن حنجرتك الموسيقية هي سيسيليا». وكما كان شيراك يثني كثيرا، وفي غير ما مناسبة على ألان جوبي حتى قوى مشاعر النفور تجاهه، ساهم ساركوزي، من فرط التبجيل والإشادة بسيسيليا، في نسج شبكة من الناقمين عليها. وهكذا قدر جوبي وسيسيليا أن يفترسهما المديح المفرط دون قصد أو نية سوء من المادحين. «تفوقنا سيسيليا تجربة في الكثير من المجالات»، بهذه العبارة وغيرها من الكلام المعسول، تمكن كلود غيان، الكاتب العام لقصر الإليزيه من جهته، من نيل رضا زوجة الرئيس، بعد أن عادت من فرارها المنزلي سنة 2006 والتحقت بمكتبها بوزارة الداخلية إلى جانب زوجها. «تعلمين سيدتي أن باقة الورود كانت تستبدل كل يوم أثناء غيابك»، يقول غيان الذي لا يزيده كلامها إلا اطمئنانا: «أغتني بعشرين سنة من التجربة، وبعشرين سنة في خدمة زوجي ساركوزي، وليسوا هم من سيعلمونني كيف أتعامل مع التعقيدات الإدارية وغيرها». فبمجرد وصولها إلى الإليزيه، قررت، يدا في يد مع غيان، الإشراف على تنظيف وترتيب البيت. فأزاحت من أزاحت، واستقدمت من تثق في كفاءته وإخلاصه، واعتبرت أن الزمرة التي تخلفت عن دورها أثناء الحملة وقبلها، لم يعد لها وجود في الإليزيه. وهكذا أزاحت فريدريك لوفيبر أقرب مستشاري الرئيس، وبيير شارون أخلص المخلصين إليه، ولوران سولي، المدير المساعد في حملته الانتخابية، وغيرهم. «لا مكان لكل هؤلاء بيننا. لقد أعددت فريقا من ذوي الكفاءة والنزاهة والبساطة مثلنا. فريق على قدر كبير من الاستقامة والفتوة والعطاء». ولم تمض سوى أيام حتى توالت التعليقات في اتجاه الثناء على قرارات ساركوزي، وخاصة زوجته سيسيليا التي رفضت أن تتحدث بصيغة المثنى وهي تقول: «أنا من أعد الفريق الجديد». وفي اختيار الوزراء، كانت لها أيضا الكلمة، وهو ما سنعرض له في الحلقة القادمة.