مازال كتاب «سيسيليا»، لصاحبته أنا بيتون، يلقي بتداعياته على المشهد السياسي والاجتماعي الفرنسي في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس نيكولا ساركوزي لعقد القران بعارضة الأزياء والمغنية كلارا بروني. القضاء رفض طلبا تقدمت به الزوجة السابقة للرئيس، يتضمن مقاطع تتحدث بشكل سلبي عن نيكولا ساركوزي. وفيما بات الكتاب متداولا في الأسواق، أعلن محامو سيسيليا أنها ستستأنف القرار وأن المحكمة ستنظر في الاستئناف خلال ثلاثة أشهر. 20 سنة من المجاملة والنفاق ومن الأسرار الدفينة التي انتهت بالقطيعة المريحة. القطيعة التي أخرجتها عن صمتها بعد أن تخلى عنها الكل بمن فيه أقرب صديقاتها، مع فسحة أمل في أن تظل رشيدة داتي، «أختها» كما تقول، قريبة منها. أفشت سيسيليا في الكتاب أسرارا مثيرة عن زوجها الرئيس الذي «لا يحب أحدا، ولا حتى أولاده، ولا يصلح رئيسا للجمهورية لأن لديه مشكلة سلوكية حقيقية». بريق ساحر، رشاقة ناعمة، أنوثة يافعة، قامة مرفوعة تأبى من خلالها أن تنظر إلى لآخرين نظرة علوية، مزاج حاد يخفي صورة سيسيليا الخجولة، ويجعل البعض ينعتها بالمرأة الجليدية. كل المقومات حاضرة لتجعل منها أسطورة: السلطة، الحب، الكبرياء، العبث، العمق، التمزق والخجل.. تمارس جاذبيتها على الفرنسيين وعلى العالم حتى وإن قالت «لست شيئا من كل هذا».. صورتها اكتسحت البيوت حينما لم تبق في الأكشاك سوى نسخة واحدة من مجلة «هي» بغلاف سيسيليا. تبدو متعالية وجليدية، لكنها ليست شيئا من هذا حتى وإن قيل عنها إنها تنظر إلى الناس وإلى الأشياء بكثير من التعالي وأحيانا بنوع من التقزز، «قدري أن أعطي الانطباع بأنني ذات مزاج وكبرياء حادين، غير أنني بكل بساطة خجولة أضع لي مسافة للترقب والاحتماء». عالم الزخارف والتمويهات يرهقها كما ترهقها صالونات المشاهير التي ترى في مفاتنها حروفا ميتة، تفوح برائحة المجون والعبث والنفاق، وهي التي لم تتذوق طعم الخمر ولو مرة، «لا أعرف ذوق مذاقه ولا طعمه». تنظر من بعيد، تترقب، وتقرر في الأخير الانسحاب... في كل مرة تقرأ دفتر ذكرياتها الزوجية لتؤسس عشها من جديد.. وفي كل مرة تفشل في إعادة بنائه بما يوفر لها قسطا من الراحة والاطمئنان، فتقرر طي الصفحة والعودة إلى طبيعتها الحقيقية الخالية من التمظهر والأضواء المزيفة. وكان من عواقب هذا الانسحاب أن انفصمت عرى الصداقة مع الكثير ممن كن يتوددن لها ولمنصبها وموقعها كسيدة فرنسا الأولى، ومن بينهن ماتيلد أغوستنيلي، المسؤولة عن الإعلام بمؤسسة برادا، وأنييس كرونباك، رئيسة شركة تيفاني فرانس، اللتان كانتا محط اهتمام واعتناء فريدين من قبل سيسيليا. غداة الطلاق، تغير كل شيء، انقطع حبل الهاتف وانقطعت معه الأخبار عن أحوالها وظروفها، وأصبح ساركوزي هو الوحيد في صلب الاهتمام، ومعه تقضين أمسيات ترفيهية طويلة. «إنهن مومسات مزخرفات مسكونات بمرض السلطة»، كما تقول عنهن سيسيليا التي لا تشير إليهن سوى بأسمائهن العائلية... لم تفقد كل الأمل في صداقاتها، فوزيرة العدل رشيدة داتي التي قالت بشأنها غيرما مرة إنها «أختها الحقيقية» وحرصت بإلحاح على أن تعين وزيرة، «بعثت لها برسالة عن طريق الهاتف». أحست بأن الرسالة لا تشفي الغليل بما فيه الكفاية، واعتبرت مع ذلك أنها لم تتخل عنها. «أعتقد أنها صديقتي وأظنها مخلصة. قد أكون مخطئة الاعتقاد بطبيعة الحال».. تعرف سيسيليا أنها أساءت التقدير غير ما مرة، وتدرك أيضا أن حاجتها إلى العناية والصداقة كبيرة إلى درجة أن كلاما معسولا، حتى وإن صدر عن أشخاص منافقين، يكفيها لتضمهم إلى محيطها الحميمي. وهي اليوم تخشى أن تتخلى عنها رشيدة التي يصر ساركوزي على أن ترافقه في كل تنقلاته الخارجية وحفلات العشاء الباريسية. «رشيدة هي الآن بكل بساطة بين مطرقة ساركوزي وسندان سيسيليا. فأنا صديقتها وساركوزي رئيسها. تسميه السيد الرئيس، نعم السيد الرئيس، طبعا السيد الرئيس. لم تكن تحلم بهذا المنصب، ولذلك تفعل كل ما يلزم للاحتفاظ به. نيكولا، من جهته، يطرح أسئلة بشأني، والأمر فيه ارتباك بالنسبة إلى رشيدة. وقد بعثت لها برسالة هاتفية قرأها ساركوزي وأقول فيها: «أنت صديقتي، وسأكون سعيدة بلقائك على ألا نتحدث عني أو عن نيكولا». ومن فرط حبها لرشيدة، ذهبت إلى حد نصحها بأن تقول لساركوزي: «سيدي الرئيس، قررت التوقف عن رؤية سيسيليا». ولم تكن داتي تنتظر سوى ذلك لتريح نفسها من عناء شكوك رئيسها. ولأنه يتقن أدوار الإطراء وملاطفة النساء، فقد طمأنها بأن تبقي على صداقتها مع سيسيليا التي ليس لها من سبيل سوى فلسفة الأمور. «رشيدة ومعها راما ياد (وزيرة حقوق الإنسان) هما الوجه الأنوثي الناعم للسيد ساركوزي، كما يؤكد ذلك المقربون من دوائر الإليزيه. والآن وقد اختفت السيدة الأولى، فلا مانع لديه من الاستئناس بسيدتين في أبهى الأزياء المبصومة بخاتم كريستيان ديور». والواقع أن سيسيليا لم تقصد الإساءة إلى رشيدة، حيث عمدت إلى إقحام راما التي لا تطيقها، وتقديمهما في إشارة مقصودة عن راما، كعارضتين للأزياء ليس إلا. «رشيدة إنسانة طيبة، وطبيعي أن تكون قاسية مع محيطها لأنها عانت الكثير»، تقول سيسيليا التي لقيت من داتي الكثير من الدعم أثناء الحملة الانتخابية لساركوزي وخلال الأسابيع الأولى من تنصيبه. «لا تعبئي بخصومك، فأنت جميلة، رشيقة، يحبك زوجك ويجهر بهذا الحب أمام العالم. ألم يقل في حقك إنه ما كان ليصل إلى ما وصل إليه لولا سيسيليا». يتبع