هذه الأيام نهاية الشهر، سيستخلص مدرب المنتخب الوطني «هنري ميشيل» راتبه الشهري الذي يفوق45 مليون سنتيما، ناهيك عن المكافآت اليومية خارج الوطن وما قام به من مجهود جبار، كما أن إقامة المنتخب الوطني كانت في أحسن الفنادق بغانا ،لكن كل هذا يخرج من أموال دافعي الضرائب. معلق «القناة الرياضية» كان يُضحك المغاربة بتعليقاته ويقول «يا شماخ.. ابحث لنا عن ضربة جزاء». تشاءم المغاربة من هذه التعليقات حتى كاد أن يضربه أحد المتفرجين بحذائه عبر الشاشة. لقد خلت شوارع وأزقة المدن من الراجلين، وذلك من أجل مشاهدة مباراة حاسمة للمنتخب الوطني ضد نظيره الغاني. لقد كانت المقاهي مملوءة عن آخرها بالمشجعين وبمحبي أسود الأطلس. لقد أصبح المغاربة ينتقدون كرة القدم بشكل جيد، نظرا للانفتاح الإعلامي على القنوات العالمية، بل أصبحوا منظرين ومحللين في مجال الرياضة ويستبقون الأحداث أيضا. أحد المشجعين أعطى تشكيلة الفريق الوطني لزبائن المقهى قبل بدء المبارة،وقال لأصدقائه إنني أعرف ما يدور جيدا في مخ هنري ميشيل،لكن التشاؤم بدأ يظهر على وجهه حين استغل الفريق الغاني ضربة خطأ، وسجل الهدف لصالحهم وبدأوا يؤدون رقصة «النعام» ويشيرون بأيديهم إلى أنهم فراعنة بالفعل. في طاولة أخرى نطق شاب بصوت مرتفع وهو يقول: عندما أخبر أحد أصدقاء حارس مرمى الجيش الملكي طارق الجرموني أنه أقصي من التشكيلة الرسمية للفريق وهو يؤِدي مناسك الحج فإنه دعا الى الله ورفع أكفه في ذلك المقام من كان ضد إقصائه، وهاهي لعنته تطاردهم في غانا ، فيضحك كل من كان في المقهى. بجانب النافذة ، يشعل شاب آخر سيجارته بعصبية ، يتأمل في الشاشة ويردد : على المدرب أن يقوم بتغييرات وإلا سنخسر المبارة ، صديق آخر يتحدث مع «هنري ميشيل» قبالة الشاشة وكأنه ينصت إليه: أوووف، يجب أن تغير الخطة واللاعبين. قال آخر: ربما سنخسر المبارة لأننا نلعب في غانا، بينما قفز أحدهم من مكان قصي في المقهى وهو يقول : «علاش كتجيبو النصارى يدربونا». في الشوط الثاني دخل رجل في متوسط العمر يبحث عن كرسي فارغ، وبما أنه أستاذ تكرم عليه أحد تلامذته بمقعده، وما إن جلس حتى بدأ يحكي قصصه مع كرة القدم ، لأنه غير مولع بها، لكنه يحب مشاهدة مثل هذه المباريات، وبدأ يعطي نصائح للمدرب وكأنه خبير كروي. عند اقتراب انتهاء المبارة، بدأ وابل من السب والشتائم يتساقط على مدرب فريق المنتخب الوطني وكأنه يسمعهم ، والكل يعطون تحليلات في محلها، وينتقدون بشكل علمي المباراة وكأنهم تخرجوا من معاهد عليا لكرة القدم. عند انتهاء المباراة وقف أحد المتسولين بباب المقهى، عمره في متوسط العشرينيات، وهو ينحدر من قرية «بني مسكين»نواحي مدينة بني ملال، فقد طلب من كل المتفرجين أن يجودوا عليه بدرهم واحد لكل شخص، فقال له أحدهم كيف تطلب منا النقود وقد خسر المنتخب الوطني المبارة وأقصي من كأس إفريقيا !!. فأجاب «المسكين» : لقد خسرت حياتي من قبل، لقد كنت في ايطاليا واسبانيا وأرجعتني السلطات لعدم توفري على الأوراق، وإذا منحتموني بعض الدراهم فقد تساعدونني للعبور الى الضفة الأخرى ، لأن أملي ومستقبلي كله هناك ، كما هو حال اللاعبين الأفارقة الذين تفرجت وتمتعت بهم في المبارة.