ليست هناك من مهنة أجمل من أن تكون مدرب كرة قدم، والدليل على ذلك هو الراتب المحترم جدا الذي يتقاضاه المدرب الفرنسي هنري ميشيل، والذي يفوق ال45 مليونا، هذا إذا لم نصدق أجرا آخر أعلنت عنه بعض الجرائد ووصل إلى السبعين. إنها فعلا مهنة مغرية، تسمح لك بالتجول في كل أنحاء العالم، والقيام بحركات رياضية يومية تحافظ بها على رشاقتك وصحتك، كما أنها تمنع بطنك من أن تتكرش، وهي عملية تمكنك من إخفاء آثار النعمة وتقيك من شر الحسد. الأطفال كلهم أغبياء، فحين يوجه إليهم سؤال من الكبار حول المهنة التي يحلمون بأن يزاولوها، يجيبون بأنهم يحبون أن يتحولوا إلى مهندسين أو أطباء، بل إن بعضهم وبتأثير من سلسلة الرسوم المتحركة «التنين الصغير» يلحون على أن يصبحوا رجال إطفاء، مرددين أغنية الجنريك التي تقول: «أبي أبي أريد أن أصبح رجل إطفاء»، إلا أن الوالد، التنين الكبير، وبحكم تجربته ينصح ابنه بأن «هذا عمل فيه عناء»، فيواجهه الصغير بنوبة من البكاء والنار التي تخرج من خطمه. لم يكن التنين الصغير يعلم في ذلك الوقت شيئا عن أجر مدربي الكرة، وإلا لما كان اختار ذلك الاختيار الغريب، الذي لن يجني من ورائه سوى التعب، ولكان فضل أن يصبح مثل هنري ميشيل الذي يستيقظ في الصباح وقبل أن يغسل وجهه ويتناول إفطاره يكون على علم بأن كل يوم يقضيه يساوي أكثر من مليون ونصف، ولهواة العمليات الحسابية حرية التأكد من الرقم المضبوط. إنه مبلغ كبير جدا ويمكن أن يخلق للشخص الذي يتقاضاه عددا لا يحصى من المشاكل، فماذا سيفعل بعد شرب فنجان قهوة وشراء علبة سجائر وبعض الجرائد بالأموال المتبقية، لا بد أنه سيصاب بحيرة ويمكن أن يجن. كثيرون كانوا سيقومون بنفس الدور الذي قام به هنري ميشيل، وأنا شخصيا أبدي من الآن رغبتي في تدريب المنتخب الوطني، وسأقدم نهج سيرتي إلى الجنرال حسني بنسليمان، كي أنهزم في كل المباريات كما فعل زميلي هنري ميشيل بالضبط، ولأشتري بعد ذلك شقة محترمة في إقامة فاخرة، وأعتزل هذه المهنة بعد ذلك، وأعود إلى الصحافة مكرما معززا. من كان يقرأ الصفحات الرياضية في الجرائد المغربية هذه الأيام سيصاب بالحيرة، فقبل أيام فقط كتبت عدة أقلام عن هنري ميشيل أنه مدرب داهية وعفريت، وتحول في زمن قياسي إلى رجل فاشل ومتعجرف يمضغ العلكة ولا يقف لتوجيه اللاعبين كما يفعل الآخرون، كما أن هؤلاء الصحفيين كتبوا أساطير حول الفريق الوطني، زاد من بهارات التشويق عليها محللون متقاعدون متخصصون في علم الرمل والخط الزناتي، وسيأتون مرة أخرى إلى نفس الجرائد بصورهم الكبيرة ليقولوا عكس تنبؤاتهم الأولى دون أن يرف لهم جفن. وكصحفي خبير وجهبذ في شؤون كرة القدم، إضافة إلى مواهبي الأخرى طبعا، فإني أجزم بأن هزيمة المنتخب الوطني أمام غينيا تعود بالأساس إلى تدخل الأممالمتحدة بقضها وقضيضها وأمينها العام السابق كوفي عنان ذي الجنسية الغانية من جهة، وبحكم تواجد ابن شقيقه، ويسمى أيضا عنان، في صفوف المنتخب الغاني وواهم كل من يعتبر أن هذه المعطيات التي توصلت إليها وحدي دون غيري خاطئة، ومجرد صدفة. أما المعطى الثاني والذي لا يشق له غبار أيضا، وتوصلت إليه هو الآخر من خلال علاقاتي الواسعة في كل بقاع العالم، ولفهمي الكبير للطريقة التي تدور بها الكرة الأرضية وكرة القدم معها، فيتلخص في كون الهزيمة المدوية التي مني بها المغاربة هي نتيجة مؤامرة صهيونية ضد دولة عربية مسلمة، حركت خيوطها القوى الإمبريالية وأعداء الوحدة الترابية، أما الدليل القاطع على هذا التحليل والاستنتاج، فهو حادثة وقعت في كأس العالم السابقة بألمانيا، حين قام اللاعب الغاني جان بانتسيل، وليس صدفة أنه كان حاضرا في المقابلة ضد المغرب، بإخراج علم دولة إسرائيل من تحت قميصه ودار به في الملعب، وهذه إشارة واضحة إلى كل شخص قد يبدي شكا في عبقريتي التحليلية. ورغم كيد الكائدين وتحالف الأعداء ضد الأمة المغربية الصامدة، فإن أبطالنا في رياضات أخرى تمكنوا من الانتقام لكرامتنا المهدورة وأظهروا للعالم علو كعبنا وأن الجبل لا يمكن أن تهزه الريح، فليس من الصدفة بالمرة أن ينتصر ملاكم مغربي، في نفس اليوم الذي انهزم فيه المنتخب الوطني، على ملاكم آخر من غانا، محققا التأهيل إلى الألعاب الأولمبية التي ستجرى بالصين، وربما كان يوجه لكماته لغانا لوحده دون مدرب أجنبي ولا اهتمام إعلامي.