[email protected] بما أن الوزير الأول عباس الفاسي كشف في اجتماعه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات المغربية أنه راسل كل وزرائه يحثهم على ترشيد النفقات، فإننا نتساءل لماذا لم يطلب من وزيرته في الشبيبة والرياضة نوال المتوكل أن تدعو إلى عقد جمع عام لجامعة كرة القدم، لتقديم تفسير للفاتورة الثقيلة التي كلفتها المشاركة الأخيرة للمنتخب في بطولة إفريقيا، والتي وصلت إلى خمسة ملايير سنتيم ونصف. وعوض أن يفتح الوزير الأول تحقيقا في هذه الفضيحة فتح مكانه الجنرال حسني بنسليمان ذراعيه لاستقبال أعضاء المنتخب وأعضاء الوفد المغربي في المطار استقبالا رسميا بحرارة وابتسامة «حتى للودنين» كما لو أنهم جاؤوا معهم بالكأس من غانا. فقط كان ينقص أن يعزف لهم النشيد الوطني وتفرش لهم السجاد الأحمر «باش تجي الحمورية ديال الزربية أصورتي مع حمورية الحشومة» التي تعلو وجوههم. نعرف أن عباس لم يكن يوما رياضيا يفهم في أمور الكرة، لكن نوال المتوكل الخبيرة في «التنقاز» على الحواجز تعرف أحسن من غيرها أن الجامعة الملكية لكرة القدم ملزمة حسب مقتضيات القانون بعقد جمع عام خمسة عشر يوما قبل انطلاق البطولة الوطنية. وإلى حدود اليوم مرت أربع سنوات دون أن ينعقد ولو جمع عام واحد. والمضحك في الأمر هو أن الفريق الاستقلالي في البرلمان، المساند الرسمي لحكومة عباس، شرب حليب السباع وطالب بعقد لجنة للقطاعات الاجتماعية في البرلمان للنظر في هزيمة المنتخب المغربي بغانا. ولم يستطع الفريق الاستقلالي أن يطالب بإحضار الجنرال حسني بنسليمان إلى البرلمان لكي يقدم تقريرا شاملا لفضائح الجامعة المالية التي يوجد على رأسها منذ 1994. ليس هنري ميشيل وحده هو الذي يجب أن يعلق اليوم ويصلب على صفحات الجرائد. وليس لاعبو المنتخب وحدهم هم الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية في هذا التبذير الفاضح لأموال دافعي الضرائب. إذا كان هناك اليوم من مسؤول على هذه الفضيحة الرياضية والمالية فهو الجنرال حسني بنسليمان، الذي عوض أن يحترم ثلاثين مليون مغربي ويقدم الحساب، قرر أن يفتح تحقيقا مفصلا حول تصريحات بعض لاعبي المنتخب الذين تحدثوا إلى الصحافة وعبروا عن تذمرهم من الأجواء التي سادت داخل الوفد المغربي بغانا. خصوصا بعد كل تلك الروائح «الزكية» التي فاحت من داخل الوفد الجامعي المرافق للمنتخب، والذي فضل بعض أفراده تخصيص وقتهم للسياحة والاستمتاع بالليالي الإفريقية الساخنة عوض التفرغ لتلبية مطالب أعضاء المنتخب. ومنهم من فضل التوجه لقضاء رحلة استجمام على ضفاف بحيرة «أكوصومبو»، ومنهم من فضل «التقصار» مع «رحيمو» و«عبير» في مطعم لبناني، وفي الأخير رفض دفع الفاتورة التي وصلت إلى 800 دولار ودفع 500 دولار فقط، فيما ضربت «البنات» النفس ودفعن 300 دولار المتبقية للبناني حفظا لماء وجه المغرب. وشوفو هاد المصيبة، صيفطناهم لغانا يجيبو الكاس صدقو باركين كايضربو الكاس. والواقع أن المنتخب الحقيقي هم أعضاء هذا الوفد الجامعي، «وشكون بحالهم» فقد كان يتقاضى كل واحد منهم 450 أورو لليوم، فيما لاعب المنتخب الذي يدافع عن القميص في الميدان لا يتقاضى في اليوم سوى 200 أورو. ولا بد أن لحكل، أو «مول الشكارة» الذي يحمل معه دائما «موزيط» منفوخ بالدولار والأورو، يعرف سبب هذا «التهلو» المبالغ فيه لصالح أعضاء الوفد الجامعي. فمنذ أن جاء لكحل أول مرة إلى الجامعة، بصدفات ناقصة في بذلته، سنة 1995 بتوصية شخصية من حسني بنسليمان، وهو لا يلهج سوى باسم هنري ميشيل. والذين يصبون اليوم غضبهم على هنري ينسون أن من أتى به سنة 1996 وحماه ودافع عنه ليس سوى الكوموندان لكحل، الذي ترقى اليوم إلى مرتبة كولونيل. والعارفون بما يجري ويدور في محيط الكولونيل يؤكدون أن «لصوقه» على هنري لم يكن فقط من أجل سواد عيونه. خيط المحبة بين لكحل وهنري لم ينقطع يوما. وحتى عندما تخلت الجامعة عن هنري وعوضته بالمدرب كاسبيرزاك وبعده بالمدرب كويلو ثم بادو الزاكي، فإن لكحل ظل يقاوم من أجل رجوع صديقه هنري. والسبب حسب العارفين هو أن المدربين الذين تعاقبوا بعده على المنتخب لم يكونوا يحسنون تمرير «الكواري» جيدا. وربما هذا ما يفسر الطريقة الغامضة والمهينة في التخلي عن بادو الزاكي، بعد كل النتائج الطيبة التي أحرزها المنتخب بقيادته. تقنية تمرير «الكواري» و«حط ليه مزيان باش يماركي» تقنية لا يفهمها بعض اللاعبين المغاربة، ولذلك يتم إقصاؤهم من اللعب في صفوف المنتخب. والذين يفهمون رؤوسهم جيدا ويحملون معهم في حقائبهم أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المتطورة وحتى مستحضرات تقوية الشعر للذين يشكون من تناقص «الشعور» (الوطني) في رؤوسهم، فإن حظوظهم في اللعب ضمن التشكيلة تتضاعف. ولعل الجميع استغرب كيف أن لاعبا مثل منصف زرقة لم يلعب ضمن فريق نانسي بفرنسا سوى عشرين دقيقة في كل البطولة الفرنسية بسبب إصابته، استطاع أن يدخل للعب مع المنتخب ضد غينيا. رغم أن هنري ميشيل ظل يردد بأنه لن يقبل ضمن التشكيلة الوطنية سوى اللاعبين الجاهزين. فهل أن تكون جاهزا هي أن تكون معطوبا وليس في رصيدك سوى عشرين دقيقة من اللعب طيلة البطولة. وفقط على سبيل المقارنة كيف يمكن أن يفسر لنا هنري ميشيل إدخاله للاعب غير جاهز للعب ضد غينيا وتركه للاعب طلال القرقوري في دكة الاحتياط، مع أن هذا الأخير كان عميدا للمنتخب طيلة سنوات. فالجميع يعرف أن طلال القرقوري يرفض الامتثال لمنطق «حطان الكواري» لكي يسجل هذا الكولونيل أوغيره أهدافهم السهلة. ولكي نفهم أن ما يحدث داخل الجامعة الملكية لكرة القدم لا علاقته له بالرياضة وإنما بالفساد، يجب أن نعيد قراءة ما قاله اللاعب عبد الحق آيت العريف لجريدة قطرية قبل أن يذهب المنتخب لغانا، خصوصا عندما قال بأن عملية اختيار بعض لاعبي المنتخب عملية تتحكم فيها الفلوس. مما أثار عليه غضب لكحل ومصمم وأوزال، فاضطر إلى سحب تصريحه واتهم الصحافي المصري بتحوير أقواله. الجميع يعرف أن الجنرال حسني بنسليمان رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم لا يأتي إلى مقر الجامعة. فهو مشغول بالدرك والعسكر وقناص تارغيست وحماية المواكب الملكية. ولذلك فالذي يقرر مكانه في الجامعة هو الكولونيل لكحل ومعه الجنرال نور الدين قنابي والكولونيل مختار مصمم. وكلهم ينتمون إلى العسكر. بالإضافة إلى خمسة أعضاء آخرين ليس لهم الحق في الوجود ضمن المكتب الجامعي وهم أوزال والعربي بنشيخ وحميد الصويري وسعيد بلخياط والعربي العوفير، لكونهم لا يمثلون سوى أنفسهم وليست لديهم أصلا فرق يرأسونها. ومن غرائب قوانين جامعة حسني بنسليمان أنها تمنحه الحق لكي يعد لائحة لعشرين عضوا يختارهم حسب ذوقه، ويقدمهم لانتخابات أعضاء المكتب الجامعي لكي يتم اختيار ثلاثة عشر عضوا بينهم. وغالبا ما يغيب «عنصر المفاجأة» (حسب لغة المعلقين الرياضيين) عن هذه الانتخابات، لأن السادة الأعضاء ليس بينهم واحد يستطيع أن يعترض على لائحة الجنرال. وهذا طبيعي، لأنه ليس هناك أحد في الجامعة يستطيع أن يقول للسبع «فمك خانز». الجامعة الملكية لكرة القدم اليوم تعرف أن «الما عام عليها» من كل جانب، وهزيمة غانا كانت النقطة التي أفاضت الكأس. ولذلك سارع مسؤولو الجامعة إلى تحذير المدربين المغاربة والأجانب من خطورة فتح أفواههم للصحافيين وانتقاد أداء المنتخب في غانا وإحصاء أخطاء المدرب هنري ميشيل. وهم يعتقدون أن تجفيف منابع المعلومات على الصحافيين (الحقيقيين وليس الطبالة والغياطة) من شأنها أن تترك دار حسني بنسليمان على حالها. ولعل بعض هؤلاء الصحافيين الطبالة هم الذين قصدوا مقر السفارة المغربية بغانا وطلبوا من السفير ألف دولار للرأس. ومنهم واحد انتحل صفة صحافي ب«المساء»، مع أننا لم نعتمد أي صحافي لتغطية البطولة الإفريقية. على الذين يطالبون اليوم في البرلمان بعقد لجنة للقطاعات الاجتماعية لتدارس هزيمة غانا أن يتحلوا بالشجاعة السياسية اللازمة ويطالبوا بإحضار الجنرال حسني بنسليمان ورجال القش الذين يختفي وراءهم إلى البرلمان لكي يشرحوا للشعب المغربي كيف صرفت الجامعة خمسة ملايير ونصف في غانا على المنتخب واللجنة المرافقة له في بضعة أيام. وكيف صرفت لهنري ميشيل 300 مليون مكافأة له على هزيمة نكراء، وهو المبلغ الذي يساوي رواتب 300 موظف مغربي صغير طيلة عشرة أشهر. وكيف يوافق الوزير الأول عباس الفاسي الذي يتشدق برسالته لوزرائه حول ترشيد النفقات على التوقيع على راتب هنري ميشيل الذي يصل بالضبط إلى 66.66 مليون سنتيم لا غير، في بلد فقير كالمغرب. على البرلمان أن يتحمل مسؤوليته في هذه الفضيحة الرياضية، وعلى المتورطين في هذه الفضيحة أن يعترفوا بفشلهم، بكل روح رياضية طبعا. إذا كانت ما تزال لديهم روح أصلا.