كان هتلر أول من استعمل الدعاية السينمائية في محاربة الأعداء خلال الحرب العالمية الثانية، وكان مدير حملته الدعائية يردد: «المزيد من الافتراء يعني المزيد من إصباغ الحقيقة». فإلى أي حد تصدق هذه المقولة على سينما البوليساريو؟ وما هي مقوماتها السينمائية؟ وما موضوعاتها؟ وكيف تنظر إلى المغرب والمغاربة عموما؟ نحاول البحث في تاريخ هذه السينما انطلاقا مما يمثله الآخر واقعيا وعلى مستوى المتخيل، سواء كان نصا أو رواية أو فيلما سينمائيا. مقدمات تاريخية في سينما البوليساريو: منذ البداية، يمكن إبداء ملاحظة أساسية، وهي أن حضور السينما لدى جبهة البوليساريو مغيبة بالكامل على المستوى الداخلي إلا في حالات استثنائية، ومغيبة على مستوى البنيات، المخرجون، الممثلون وحاضرة بقوة على مستوى الفعل السينمائي على المستوى الخارجي.فكيف يمكن تفسير هذه المفارقة العجيبة؟ يعود أول فيلم سينمائي يؤرخ للصراع بين جبهة البوليساريو والمغرب من خلال الشريط الوثائقي: «الصحراء الغربية الاستقلال أو التعذيب» (1976)/ ناطق / 25 دقيقة للمخرجين ابارندو ميغيل ومويل برونو وبربيشيت ثيو. يسجل الشريط احتلال الصحراء من طرف الإسبان سنة 1884 وانسحابها منها لصالح المغرب. ويصور بداية التحول في الصراع بين الطرفين بتأسيس جبهة البوليساريو وحدث المسيرة الخضراء سنة 1975. كما يسجل الفيلم صعوبة العيش بفعل ظروف الحرب والتهديدات المتبادلة بين كلا الطرفين. وينتهي الفيلم باسترجاع المغرب لأراضيه وبتدخل الجزائروإسبانيا لصالح الجبهة. في سينما البوليساريو نجد الحديث بلا ملل، وهذا شيء طبيعي عن طبيعة الصراع عن مصطلح الصحراء الغربية، المغرب، الجزائر، الجبهة، الصحراء، المخيمات، القلاع، الاحتلال، المسيرة الخضراء، الاستقلال، الحرب، الجنود، المدنيين، الأضرار، الخسائر، النساء، الأطفال، الرحل، المعارك... وتهدف سينما البوليساريو إلى «إعطاء حل جزئي للاحتياجات الكاشفة من أنشطة ثقافية وتكوين مرئي للاجئين بمخيمات تندوف بهدف تحقيق أنشطة إشعاعية ثقافية مسجلة على نطاق سينمائي»، حسب مشروع سينما الجبهة. ويصب مشروع سينما الجبهة في «تقريب الوضعية التي يحياها سكان تندوف إلى الرأي العام». وتنقسم السينما إلى ثلاث غايات أساسية : إنجاز مهرجان دولي سينمائي وخلق شبكة من أعمال الفيديو وإنجاز ورشات ودروس للتكوين المرئي. وانطلق المهرجان الأول للفيلم الدولي في الصحراء سنة 2003 في أحد المخيمات بحضور (53.000) شخصا، حسب جريدة إلباييس الإسبانية، في قلب الصحراء، كما ساهم (250) فردا مساهما أغلبهم من الإسبان وتمت إقامة شاشة عملاقة لمدة ثلاث ليال متتالية عرض فيها 21 فيلما من إنتاج إسباني مترجمة إلى اللغة العربية بينما غالبية المتفرجين من الأطفال والشباب لم يروا طيلة حياتهم سينما عملاقة. أما الدورة الثانية لمهرجان السينما بالصحراء، ففازت فيها بالجائزة الأولى المخرجة أستير أوستر عن فيلم «حتى العالم بعيونكم» (2006)/(60) دقيقة /اللغة: الحسانية، المترجمة إلى الكستيانو، الإنجليزية، الأسكادي /اللغة الباسكية ). وفيلم الرسوم المتحركة فيلم «أثور وأسمر» للمخرج مايكل أوصيلو كما تم تكريم فيلم «صخب الرمال» (2006) للمخرجين خيسوس بريتو والمخرج دانييل إرياتي والفيلم الجزائري «إعادة المكالمة» للمخرج عمر زامو، كما تم تكريم الفيلم الكوبي « تحيا كوبا» للمخرج خوان كارلوس كريماتا والمخرج إريدا مالبتي. يظهر فيلم «حتى العالم بعيونكم» للمخرجة الألمانية المقيمة في شمال اسبانيا، أمام الكاميرا اليومية لسكان الصحراء ورغباتهم وأشواقهم... المخرجة استير أوستر من مواليد 1971 فانسبورغ بألمانيا، تشتغل كأستاذة ولها طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات... درست المخرجة التصوير والفيديوغرافيا للإعلام المعاصر في برلين وبرشلونة وتقيم في غاستيس شمال إسبانيا. تقول: «من الصعب السفر إلى هناك... أول مرة أسافر إلى مخميات اللاجئين. وبدون شك، تأثرت كثيرا. أحتفظ بعلاقات خاصة مع الأشخاص الذين أدرت معهم الفيلم... أخذت على نفسي أن يحكي الصحراويون عن اهتماماتهم، يوما بعد يوم، عن أحلامهم اليومية». الفيلم من قصة وتصوير نفس المخرجة ومن تمثيل : محمد بوشيا، سكينة محمود، علي مبريك، إسحاق أحمد، محمد صالح أمين، بشير علي، للالة ديدي سيدي مولود، نوارة محمود سليم... ومن غرابة الجوائز أن المخرجة لم تسلم تذكار أو ميدالية، وإنما جملا أهدته للعائلة التي أقامت عندها ما يقارب السنة. أما فيلم الرسوم المتحركة «أثور وأسمر» فقصته تتمحور حول «أن الطفل أثول كان أشقر بعيون زرقاء، ابن ملاك أرض، والطفل أسمر، أسمر بعيون سوداء، ابن لأم تربي الدواجن، كبرا مثل أخوين في بلد الإخضرار الوردية، لكن الحياة فرقتهما فجأة. أثول لم ينس رفيق طفولته ولا حكايات الجنيات لأم الدواجن في بلد الشمس. كبر وقرر الذهاب إلى بلد الأحلام كما قرر أسمر بدوره الذهاب وملاحقة الجنيات ضد الأخطار وسحر العجائب». المخرج مايكل أوصيلو، مؤلف ومخرج ومنسق جرافيسكي ولد في الشواطئ الزرقاء، قضى طفولته في غينيا ومراهقته في أنجو. أكمل دراسته الفنية وبدأ في سينما رسوم المتحركة، أخرج سلسلته المتحركة «مغامرات غيديون»(1976)، «الثلاثة المكشوف» (1979)، «أخوات التساوي» (1981) «الفقير خوروبادو» (1982) الذي فاز بجائزة السيزار لأحسن فيلم للرسوم المتحركة. له أربعة أفلام مطولة « أثور وأسمر «، «كيكوري والحيوانات المتوحشة» (2005)، «أمراء وأميرات» (2000)، «كيكوري والساحرة» (1998). أما فيلم «صخب الرمال» (2005)/ (70دقيقة ) للمخرجان دانييل إريارتي (من مدينة سرقسطة) وخيسوس بريتو (من مدينة كوينكا الإسبانية)، هذا الأخير أنجز العديد من القصص لأشرطة قصيرة كما نشر مجموعة من المقالات الصحفية المصورة. يحكي الفيلم عن عائلة في المخيمات تنتظر أبناءها في المنفى، بعد سنوات طويلة من الغياب والنفي. من بين الممثلين الإسبانيين المشاركين: كراميلو غوميز، غويرمو توليدو، كارلوس إغليسياس، سيلفيا أبسكال، فرونيكا فوركي، روزا ماريا ساندرا... عموما، يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات أولها أن سينما الجبهة هي سينما خارج مدارها السينمائي بالرغم مما تحمله من بعد إنساني واجتماعي وسياسي. فهذه السينما تغيب فيها الصناعة السينمائية ويتم توجيهها من طرف الأخرين بالرغم مما تحمله بعض الأفلام من نفحة إبداعية. من جهة أخرى، عمرها القصير واتجاهها إلى عكس القضية فقط في بعدها السياسي دون الاكتراث كثيرا للسينما كفن وإبداع. من جهة أخرى، غياب المتابعة النقدية من طرف النقاد السينمائيين المغاربة لمسار هذه السينما باعتبارها تمثل السينما النقيض، ذات توجه إيديولوجي مغاير لمسارات السينما المغربية، رغم أنهما يمتحان من نفس الواقع السياسي والاجتماعي ومن نفس التربة، مما يجعل المتابعة النقدية صعبة في غياب مجموعة من المعطيات، مما يعطي أي حكم أو انتقاد للتجربة أحكاما مسبقة لأن عامل البعد وعدم المتابعة والرقابة لا يسمح بتكوين رأي متكامل في أفلام الجبهة رغم ما يعترينا من تلك المقولات الجاهزة. شيء آخر في غاية الأهمية وهو أن التمويل والتقنيات ومبدعيها خارج أسوار الجبهة، أقل ما نطلق عليه: سينما استعمارية اسبانية موجهة لخدمة قضية سياسية تراهن على نوستالجيا أسبنة(من كلمة إسبانيا) المنطقة كما كانت تحت نير الاحتلال الإسباني.