«استطاع بالتسار غارثون، هذا القاضي الأندلسي القادم من بين أشجار حقول الزيتون في منطقة «خايين»، أن يصنع لنفسه شهرة دولية بفضل الملفات الكبرى التي انشغل بها منذ 17 عاما قضاها في المحكمة الوطنية الإسبانية بمدريد، والتي كان آخرها قبوله النظر في دعوى رفعتها جمعية تابعة لجبهة البوليساريو تتهم مسؤولين مغاربة كبارا بارتكاب «جرائم تطهير عرقي» في الصحراء. يسرد القاضي غارثون، في كتابه «عالم بدون خوف» الذي بيع مثل أرغفة ساخنة في إسبانيا، جزءا من حياته الأولى ومساره في عوالم القضاء والسياسة وعلاقته بوسائل الإعلام التي اعتبر أنها كانت متشنجة». إعداد وترجمة نبيل دريوش بدأت أتوصل برسائل تحذير، وطفقت خلال تلك الفترة أكتشف معنى الضغوط الإعلامية والتضليل الإعلامي لصالح الدولة أحيانا وأحيانا أخرى لصالح مصالح مغايرة، لكني وعيت أيضا بالاستفادة التي يمكن أن نجنيها من صحافة حرة في بلد ديمقراطي وصحافيين يقومون بعمل جدي ومؤسس يساعد بشكل واسع في التحقيقات، رغم أنني في لحظة معينة اعتبرت الأمر أشبه بركض ضد الساعة، لأن الصحافيين كانوا يعلمون أكثر من القاضي، لذلك أعتقد أن بعض الملفات مثل قضية «الجال» كان من شبه المستحيل أن يتم فتحها دون الضغط الإعلامي، وهو ما حدث بعد ذلك في حالات أخرى كثيرة بإسبانيا: قضايا رولدان وكوندي والأرجنتين والشيلي والصناديق السرية ومنظمة إيتا. وهكذا بدأت علاقة حب وكراهية مع الصحافة التي، مثل قانون البندول، قادتنا إلى لحظات التوافق مثلما المواجهة وبحكم طبعي والتوتر الذي يخلفه في نفسي تسرب معطيات مهمة من ملف التحقيق من طرف هذه الجهة أو تلك، يمكنني القول بكل هدوء أنه خلال السبعة عشر عاما التي قضيتها في المحكمة الوطنية لم أقم ولو لمرة واحدة بتسريب معلومة مهمة أو إعطاء سبق صحافي أو عمدت إلى تفضيل صحيفة على أخرى، بل على العكس من ذلك تماما، فإنني تحملت ضريبة عدم القيام بذلك وعانيت من اتهامات بتسريب معطيات إلى وسائل الإعلام، بل رفعت ضدي دعاوى في المجلس العام للسلطة القضائية بحثوا عن كيفية إقصائي مهنيا. يمكن لأي صحافي أن يلج مكتبي لأنه دائما مفتوح من أجل الحوار والشرح ومساعدته على إنجاز عمله وفق الشروط المحددة، وما هو أكيد أنه يجب تقنين العلاقة التي تربط القضاة بوسائل الإعلام حتى توضع الحدود التي يتم من خلالها منح المعلومة خلال سير التحقيق. قضية «الجال» مرتبطة بمنظمة أنشأتها بنيات وزارة الداخلية ويقودها بعض المسؤولين السياسيين والعموميين والأمنيين من إسبانيا ومشكلة من قدماء منظمة الجيش السري والمنحرفين واليمين المتطرف والتي تشتغل في خلايا مستقلة بدون وجود علاقة ظاهرة بين مجموعاتها التي يتم التنسيق بينها من فوق من طرف المسؤولين، وهذه المجموعات كانت تمارس نشاطاتها في جنوبفرنسا ما بين 1983 و1987 واغتالت حوالي ثلاثين شخصا بسبب الاشتباه في علاقتهم بمنظمة إيتا الإرهابية، ظهر مفتشا شرطة خوسي أميدو وميشيل دومينغيث كأول المتورطين في هذه العملية وصدر عليهما حكم بالسجن في 13 يوليوز 1988، في البداية لم يستطع القاضي أن يتابع الشرطيين بسبب جرائم ارتكباها خلال ممارسة مهامهما، لذلك رفعت تقريرا إلى الغرفة الجنائية شرحت فيه كافة الوقائع بالتفصيل وحملت فيه مسؤولية ما وقع إلى مسؤول رفيع المستوى أشرت إليه بحرف «إكس»، بحكم أنني لم أكن أعرف من يكون، إنه الحرف الذي سالت بسببه وديان من المداد، فوسائل الإعلام اعتقدت بطريقة اعتباطية أن خلف ذلك الحرف يتوارى اسم فيليبي غونزاليث الذي كان رئيسا للحكومة آنذاك، وهو الاتهام الذي لم أوجهه أبدا بحكم أنني أجهل مشاركته، وفي يونيو عام 1965 رفعت إلى المحكمة العليا قضية سيغوندو ماري المواطن الفرنسي المحتجز «خطأ» من طرف منظمة «الجال» في دجنبر 1983، واستعرضت بعض المعطيات التي تروم بحث علاقة فيليبي غونزاليث بالأمر، وهو ما رفضته المحكمة العليا وقمت بالمسألة نفسها عام 1999 في ملف أونياديرا الذي شكل أولى العمليات التي قامت بها «الجال» في دجنبر 1983، وفي علاقة بما عرف بأوراق «السيسيد»، وهي مجموعة أوراق تم تصفيفها على أساس أنها سرية. واعتبرت دائما أن فيليبي غونزاليث ليس متورطا في هذه القضية، بل كنت دائما أطلبه باعتباره شاهدا، إذ في هذه الحالة لا يمكنه أن يكون موضوع أية اتهامات.