حكيم عنكر ليست صدفة أن ينال فيلم «الحلم الكاليفورني» للمخرج الروماني كريستيان نيميسكو التقريض والثناء أثناء عرضه في مهرجان «كان» الأخير، حيث عرض ضمن أفلام «الكاميرا الذهبية». وقوة هذا المخرج الشاب، الذي اختطفه الموت باكرا، تكمن في تيار السينما الجديدة التي تحاول أن توجه نقدا إلى المرحلة الشيوعية القاتمة وإلى الأنظمة الشمولية دون أن تسوق لنزعة ليبرالية سطحية تتغنى بالنموذج الأمريكي أو تسقط في حبه. الورقة القوية لهذا الفيلم تكمن في كونه يعرض للنزوعات التوسعية الأمريكية دون أن يتبنى خطابا مباشرا، مرتكزا إلى صناعة فيلمية، وإلى قوة في الأداء بالاعتماد على قصة بسيطة لكنها عميقة جدا. يحكي الفيلم عن لحظة حرب كوسوفو في سنة 1999، وهي الفترة التي تميزت بتدخل قوات حفظ السلام الدولية. في هذه الأثناء، ستحل كتيبة جنود أمريكية محمولة في قطار شحن بعتادها العسكري، مخترقة رومانيا في اتجاه مواقع النزاع، مكتفية بالحصول على إشارة شفوية من الحكومة الرومانية دون الحصول على إذن مرور مكتوب. وفي طريقها إلى مواقعها، ستعسكر الفرقة في قرية صغيرة في انتظار مواصلة السير.. وصول الجنود الأمريكيين إلى القرية سيغير من اليوميات العادية للأهالي، وستحدث ردود أفعال في القرية تتفاوت بين الرفض والقبول. ويعكس الفيلم الرغبة القوية لدى الجندي الأمريكي في الاستيلاء والسيطرة على قرية صغيرة ترمز، ضمنيا، إلى الأطماع الأمريكية في العالم. من الملفت للانتباه أن «كاليفورنيا دريم» قد حاز تقريض النقاد والجمهور على حد سواء، وهو ينتمي إلى صنف الدراما السينمائية كما أنه يعكس توجها جديدا في السينما الرومانية، التي يمثلها الجيل الشاب من السينمائيين، سواء على مستوى الموضوعات أو على مستوى جودة صناعة الفيلم. وحين حاز هذا الفيلم الثناء في مهرجان «كان» الأخير، فإن ذلك دل على أن السينما الجديدة تجد لها أكثر من مناصر حتى في وسط صناع السينما الأساسيين والنقاد العالميين، بالرغم من الكلفة القليلة التي تصنع بها هذه الأفلام وبسبب الجيل الشاب الذي يملك نظرة مخالفة للسائد على مستوى الموضوعات والرؤية السينمائية التي تؤطر مثل هذه الأعمال. يحمل فيلم «الحلم الفرانكفوني» رؤية مضادة للوجود الأمريكي في القارة الأوربية، وهي ذات الرؤية التي تم التعبير عنها في الأدب وفي الرواية، لكنها، من ناحية أخرى، تعكس طموحات الولاياتالمتحدةالأمريكية في القارة الأوربية ورغبة في السيطرة عليها عسكريا سواء عن طريق منظمة الحلف الأطلسي أو عن طريق اتفاقيات الذرع النووي أو بالتدخل في مناطق النزاع عن طريق القوات الأممية كما حدث في كوسوفو وفي البوسنة والهرسك وفي غيرها من مناطق النزاع في القارة العجوز. قدم الفيلم أيضا وجوها لانقسام الرأي العام الأوربي من الوجود الأمريكي متعدد الأشكال، والذي بدأ منذ الحرب العالمية الثانية في إثارة ردود أفعال صاخبة في الأوساط الثقافية والسياسية، واكتسى هذا الأمر حدة كبيرة في البلدان الأوربية التي كانت تحت الهيمنة الشيوعية، ومنها رومانيا التي اكتوت بنار المقولات الكبرى عن العدالة الاجتماعية واقتسام الثروة قبل أن تؤول هذه المقولات إلى البوار وإلى التفسخ بسبب تقيح النظام الاجتماعي والسياسي واتساع دائرة القمع والتضييق على الحريات الفردية. هل يمكن أن تكون كتيبة عسكرية أمريكية، تخترق البلاد بدون إذن كتابي وتحمل أسلحة قد تكون ممنوعة، خيط إنقاذ لقرية نائمة في بساطتها اليومية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه فيلم «الحلم الكاليفورني» والذي توفي مخرجه الشاب كريستيان نيميسيكو في حادثة سير قبل أن يكمل مونطاجه، وهو في سن السابعة والعشرين من العمر.