يعيش المسرح المغربي أسئلة البدايات نفسها التي ظل مشدودا إليها، بسبب الفارق المعدوم بين تجربة المسرح الهاوي والمسرح الاحترافي. في هذا الحوار، نتوقف مع تجربة المسرحي عبد اللطيف نجيب، وهو واحد من هؤلاء الصامدين الذين ظلوا مخلصين لتجربة الهواة في المسرح المغربي، تلك التجربة التي نحتاج اليوم إلى مقاربتها على أكثر من مستوى، لأنها ارتبطت بتجربة العمل الجمعوي في مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الثقافي. حاوره- عبد الغني فوزي وأنتم تزاولون المسرح في تواز مع العمل الجمعوي لسنوات، أي فعل مسرحي ترسخ لديكم وتسعون إلى تبليغه؟ < عندما كنا نغني لأحلامنا الوردية في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كنا نضع الفعل الجمعوي الهادف لصيانة هذه الأحلام من الانكسار ضمن الأولويات. ولربما كان الزخم الفكري وانتشار كل الأفكار ذات الميزة المقاومة يدفعاننا إلى المضي في دروب ترسيخ الفعل الجمعوي الملتزم بقضايا الأمة والإنسان المقهور عموما. لكن وقد تبدلت الأحوال وتغيرت الشروط من حولنا.. وما بقي لنا هو الشرط الذاتي، فإننا سخرنا كل المجهود للعمل المسرحي لأن فيه تتجمع كل الهموم والقضايا، وفي نفس الوقت نرى فيه المجال الذي يسمح لنا بالاستمرارية دون أن نغفل أنه، من خلال المسرح، استطعنا اختراق آفاق رحبة في التعاون، وطنيا ودوليا. - تتعدد أنواع المسرح بالمغرب (مسرح الهواة، المسرح المحترف، المسرح التجاري)؛ طبعا مع تعدد التجارب والتيارات. أين تصنفون أنفسكم كفرقة في ظل الإكراهات وغياب نقد مواكب؟ < نحن، بالتأكيد، استمرار للشجرة التي استنبتنا فيها فرع تجربتنا، وهذه الشجرة هي مدرسة الهواة، المناخ الذي نشأ فيه المسرح المغربي، ولن يقدر أي أحد أن يتنكر لها لأن المسرح المغربي بدأ مقاوما مع الهواة، وطبع بذلك مرحلة كاملة من أوج عطاءاته، وهو ما جذر البحث الأكاديمي الذي لا يمكن تجاوزه. إذن، المسرح الهاوي هو الأصل وما تبقى هو الفرع، وحتى وإن كان هذا الأصل يحمل أعطاب الماضي فهو، في حد ذاته، مازال مرجعا مهما يحمله حتى أولئك الذين أصبحوا الآن في مقام الأعلام المسرحية المغربية. فبدايتهم الأولى كانت في مسرح الهواة، لكن تجربة الهواة في المغرب طمرت في حفرة النسيان. - إذا ارتبط المسرح الاحترافي بالمعهد العالي للفن المسرحي، فالمسرح الهاوي ظهر وترعرع في الجمعيات الثقافية الساعية إلى الفعل في المجتمع. ما آفاق المسرح الهاوي؟ < حاليا، يمكن القبول بهذا التمييز والتصنيف مادام خريج المعهد العالي للفن المسرحي يمتهن المسرح، لكن الهاوي يمكن أن يكون قادما من مهنة أخرى. وما ينبغي الانتباه إليه هو مستوى الإضافة النوعية التي تقدمها التجربة الاحترافية أو الهاوية، فإلى حد قريب كانت بعض فرق الهواة تمثل مدرسة للتكوين، ذلك لأن الهواة حملوا على عاتقهم التصدي لمسألة الجمع بين إشكالية التلقي والمضمون، الشيء الذي أعطى عنفا رمزيا لهذه التجربة في تنوعها (المسرح الاحتفالي، المسرح الثالث، مسرح الشهادة...). إلى حد الساعة، لم نلاحظ هذا في تجربة الاحتراف. صحيح أن هناك أعمالا بل فرقا محترفة لها مكانتها في الدعم بالمسرح المغربي والعربي. لكن أكثر الفرق الاحترافية انقلبت أو اعتمدت الهدف التجاري. وفي نظري، فمصدر الاختلاف بين تجربة الهواة والاحتراف يكمن في منطلقات التأسيس، فالحركة الهاوية انطلقت بدافع التأصيل والمقاومة مما وضعها في سياق البحث والتجريب، بينما تجربة الاحتراف احتوتها السياسة الرسمية التي تبتغي هيكلة المجال الفني في الإطار المقاولتي لاحتواء عاطلي خريجي المعهد العالي. لنعد إلى الإكراهات والآفاق المستقبلية للمسرح الهاوي. أكيد أن هذه التجربة في مأزق، فلا الجامعة الوطنية لمسرح، الهواة حاضرة في الساحة ولا الجمعيات التي حملت على عاتقها رسالة هذا المسرح ومع ذلك مازالت بعض الفرق المعدودة تقاوم في جزرها، وهي تمثل بحق شعلة متميزة تضاهي في أعمالها الفنية كبريات الفرق العالمية، وأخص بالذكر فرقة «الشعاع «بتارودانت. - الدعم المسرحي بالمغرب يشترط الاحترافية وهيكلة الفرق إداريا وفنيا، فظلت الكثير من الفرق محرومة من هذا الدعم الذي أسال مدادا كثيرا، كيف تنظرون إلى المسألة؟ < في تصوري، هذه السياسة ترمي إلى إحلال الدولة محل الرأسمال الخاص في انتظار دفع شريحة تستطيع أن تستثمر في المجال الفني وأن تحل، بالتالي، محلها في تشغيل الخريجين من المعهد العالي للفن المسرحي. وبالتالي فالمسألة لا ينبغي النظر إليها في حدود الدعم، ولكن ينبغي وضع المسألة في سياق اختيارات الدولة ومدى استعدادها لخلق البنيات التحتية للفن المسرحي. - ما الذي يحول دون البناء الإداري والفني لفرقتكم؟ < سأجيب بطرح سؤال آخر: ما مصير تخصيص حصة واحد في المائة من ميزانية الجماعات المحلية للفرق المسرحية؟ لقد تم تناسي هذا الأمر ولم يعد أحد يتحدث عنه. من هنا، يظهر مدى الإرادة في تكوين الفرق الجهوية. فمادامت الإرادة غير متوفرة، فالأرضية التي تنبني عليها هذه الفرق هشة أيضا. - تنظمون سنويا مهرجانا وطنيا دوليا للمسرح، ووزارة الثقافة تنظم المهرجان الوطني للمسرح بمكناس، ما الذي يميزكم عن مهرجان مكناس؟ < بالطبع هناك فرق إلى حد إعدام المقارنة، لسبب بسيط هو أننا جمعية ثقافية صغيرة، ولكننا نعمل بطموح كبيرعلى الرغم من قلة مصادر الدعم. أما بالنسبة إلى مهرجان مدينة مكناس، فأهدافه واضحة من بينها إظهار مردودية الدعم الذي تقدمه إلى الفرق المحترفة، وفي نفس الوقت تشجيع المبادرة الحرة في الميدان الفني.