تحددت طبيعة الجولة التي يقوم بها حاليا الرئيس جورج دبليو بوش إلى المنطقة العربية، والأهداف المرجوة منها، منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدامه أرض مطار بن غوريون في تل أبيب، فقد حسم الملف الإسرائيلي-الفلسطيني بتأكيده على يهودية دولة إسرائيل وعزم الولاياتالمتحدة على حمايتها، وحدد الخطوات العسكرية الأمريكية بشكل واضح لا لبس فيه عندما قال إن إيران تشكل خطرا على المنطقة، وإن كل خياراته مفتوحة على صعيد التعامل مع طموحاتها النووية. صحيح أن الرئيس بوش طالب إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة إزالة كل البؤر الاستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربيةالمحتلة، ولكنه رمي بالكرة إلى الملعب الفلسطيني عندما ربط أي تقدم على صعيد العملية السلمية بإيقاف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية من قطاع غزة. ومن المفارقة أنه حمل السلطة الفلسطينية في رام الله مسؤولية التعامل مع هذه المسألة، وهذا يعني أن مباحثاته التي سيجريها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ستتركز حول هذه النقطة على وجه التحديد. ولا نعرف كيف سيستطيع الرئيس عباس وقف صواريخ تنطلق من منطقة غير خاضعة لسيطرة حكومته، وكيف يمكن أن ينجح، وهو العاجز عن مغادرة رام الله أو إدخال طفل إليها، دون موافقة أو تنسيق مع الإسرائيليين، فيما فشلت في تحقيقه الدولة الإسرائيلية على مدى سنوات رغم ترسانتها العسكرية المتقدمة، وسياسات الحصار والاغتيالات والتوغلات والعقوبات الجماعية! إزالة المستوطنات الشرعية وغير الشرعية، أمر موجود قبل إطلاق الصواريخ بسنوات، والشيء نفسه يقال أيضا عن ستمائة حاجز في الضفة الغربية، وأحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، وربط هذه القضايا بوقف إطلاق الصواريخ هو واحد من أبشع مظاهر الابتزاز والاستكبار. الرئيس بوش لم يذهب إلى المنطقة من أجل صنع سلام وحل القضية الفلسطينية، وإلا لما ترك هذه المسألة إلى العام الأخير من ولايتيه، بل ذهب من أجل توزيع الأدوار، وإكمال الاستعدادات لشن حرب جديدة، فالرجل لا يعرف غير إشعال الحروب، ولا تنحصر خبراته إلا في تفكيك الدول وقتل مئات الآلاف بل والملايين من الأبرياء مثلما هو حادث في العراق وأفغانستان وربما قريبا في إيران. كيف يمكن أن نصدق ما قاله الرئيس بوش في مؤتمره الصحافي في تل أبيب من أنه سيعمل على حماية الأمريكيين من إيران، ويهددها بعواقب وخيمة إذا ما اعتدت على السفن الأمريكية. فإيران لا تملك الصواريخ التي تمكنها من الوصول إلى الولاياتالمتحدة، ولم يكن لها أي دور في أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) التي راح ضحيتها ثلاثة آلاف أمريكي. الولاياتالمتحدة هي التي تتحرش بإيران وتبحث عن الذرائع والحجج لشن عدوان عليها، ولن تعوزها الوسائل في هذا الخصوص، فقد استخدمت ذريعة أسلحة الدمار الشامل لغزو العراق، وتبين أنها أكذوبة ملفقة، والمستر توني بلير مساعد بوش وذراعه الأيمن في كل حروبه فبرك قصة قدرة الرئيس العراقي صدام حسين على تجهيز أسلحة الدمار الشامل في اقل من خمس وأربعين دقيقة. لنكتشف مدى كذبه وتضليله وإرهابه لأجهزة الإعلام التي حاولت أن تناقش هذه المسألة وتشكك في مصداقيتها. فمن فبرك قضية أسلحة الدمار الشامل في العراق، والمعامل البيولوجية والكيميائية المتنقلة فيه، واخترع أكذوبة استيراد العراق يورانيوم مخصبا من النيجر، لتبرير عدوانه على هذا البلد، لن يتورع عن فبركة أسباب وأكاذيب جديدة لضرب إيران، قد يكون آخرها قصة الزوارق الأخيرة في الخليج وتحرشها بالسفن الحربية الأمريكية العملاقة. الرئيس بوش يعتبر وجود الزوارق الإيرانية في الخليج استفزازا، ولكنه لا يرى في وجود أكثر من مائة وخمسين سفينة حربية، ومائتي ألف جندي أمريكي فيها استفزازا، إنه الإرهاب في أبشع صوره. لا نريد حربا في المنطقة لأننا ندرك جيدا أن العرب سيكونون ضحاياها، فقد خسرنا مليونا ونصف المليون عربي ومسلم في العراق، ولا نريد أن نخسر مثلهم أو ضعفهم في الخليج وإيران، سواء بالموت من جراء القصف والصواريخ، أو عطش وتلوث في حال حدوث تسرب نووي في الخليج حيث يعتمد جميع سكانه على معامل التحلية في الحصول على احتياجاتهم من الماء العذب. فأمريكا نجحت في إسقاط النظام في بغداد، ولكنها لم تستطع السيطرة على بلد حوصر لأكثر من اثني عشر عاما، وعجزت رغم وجود مائتي ألف جندي من قواتها وقوات حلفائها في تأمين العاصمة بغداد ناهيك عن الموصل والبصرة والأنبار. الأمريكيون يرقصون فرحا لعودة حفنة قليلة من العراقيين فروا إلى دول الجوار للنجاة بأرواحهم، ويهللون لانخفاض عدد الهجمات من قبل فصائل المقاومة، وينسون أن السؤال ليس عن أسباب عودة هؤلاء وإنما عن الأسباب التي دفعتهم لمغادرة بلدهم المحرر والديمقراطي. الرئيس بوش لن يسيطر على إيران، وسيترك المنطقة والحكم وقد احترقت تماماً، وغرقت في حروب ليس لها نهاية، كل هذا من اجل حماية الدولة اليهودية في فلسطين، وللتنفيس عن أحقاد دينية ضد العرب والمسلمين. فبلير ساعده الأيمن الذي تحول إلى الكاثوليكية رسمياً قبل شهر اعترف بأن معتقداته الدينية أثرت على قراراته السياسية في برنامج شهير بثته إحدى القنوات التلفزيونية. شعوب الدول الخليجية مطالبة أن تسأل نفسها عما سيحدث لها في حال جرتها أنظمتها إلى حرب أخرى مع إيران، أين ستذهب ثرواتها، وآلاف المليارات التي استثمرتها في جزر صناعية ومشاريع عمرانية، وشركات وهمية، وأسهم وسندات ستتحول إلى تراب مع سقوط أول صاروخ إيراني أو أمريكي. كاتب هذه السطور ليس متزوجاً من إيرانية، وأمه ليست شيعية، وعربي حتى النخاع. نقولها فقط للتذكير.